ورش ومراكز التدريب المتخصصة مشروع تأخر كثيرا وكان لابد من البدء فيه منذ سنوات بعد أن أصبح إنتاج المسرح في الهيئة العامة لقصور روتينا ومجرد أداء واجب حيث كان من الضروري محاولة اكتشاف أساليب جديدة معاصرة لتطوير هذا المسرح ، خاصة بعد أن أصبحت فكرة الشرائح تمثل خطرا علي ذلك المسرح ، وتكمن تلك الخطورة في الروتين بمعني أن الغالبية العظمي من المشتغلين يعتبرون إن العمل بمسرح الثقافة الجماهيرية روتين سنوي ، مما جعل البعض يعتبره أرثا أو راتبا سنويا ، وادي ذلك التصور لدي البعض إلي تحجيم الإبداع كما انه من جانب أخر لا تستطيع هيئة قصور الثقافة إلغاء تلك الشرائح لان ذلك يقلص دورها الذي أقيمت من اجله لكن البعض فهم ذلك بشكل خاطئ لذا كان لابد من التفكير في عمل مختبرات إبداعية عن طريق مراكز متخصصة ، تعمل من خلال ورش تدريبية لتكون نواة لإبداع حقيقي ، بحيث تبدأ التجربة في بعض الأماكن ثم يتم تعميمها .....

اعترف أن فكرة الشرائح بمعني إنتاج عروض للفرق القومية والقصور وبيوت الثقافة ، وان كانت ضرورية الا إنها المعول الذي سوف يهدم هذا الكيان المسرحي إن لم يتم تطويره .

لذلك تم إنشاء خمسة مراكز متخصصة للتدريب ثلاثة منها في المنيا للظواهر الشعبية والمسرحية في بني مزار ، أبو قاص ، مغاغة ، ومركز للعرائس في الفيوم ، ومركز الدراما الحركية في بورسعيد ، لتكون بمثابة النواة الأولي لهذا المشروع ، لقد شاهدت نتاج تدريبات تلك المراكز بالمتلقي الأول لمراكز التدريب المتخصصة بالمنيا ، وقد أعجبتني الفكرة وتابعتها عن قرب وبشكل دقيق في أماكنها بمراكز بني مزار وأبو قاص ومغاغة وان كان مركز مغاغة مازال في مراحله التدريبية الأولي ، والثلاثة مراكز تعتمد علي جمع الفلكلور لتقديم نواة لعرض مسرحي ، فالنصوص تم جمعها عبر فريق المركز تحت إشراف باحث متخصص بالفلكلور ليقوم دراماتورج بعمل صياغة لنص العرض مع المخرج ، وقد قامت هذه المراكز بجمع مادة تراثية جيدة وأيضا نادرة وكان التأكيد نحو عدم الانزلاق لتقديم عرض مسرحي يشبه عروض الشرائح ، فالمفترض بالمراكز أن تقدم نواتج تدريبات ونحاول صياغتها في شكل مسرحي مغاير وهو ما تفرضه الأدوات التي يعمل عليها المبدعون بتلك المراكز ، فنتاج المراكز عمل إبداعي يفترض به الصيرورة والاستمرار من خلال العمل علي الناتج المقدم وليس مجرد عرض مسرحي من خلال فرقة ومخرج ، مطالب بتقديمه خلال المواسم والانتهاء منه بانتهاء ليالي عرضه ، فمركز التدريب هدفه الأساسي تدريب المشاركين به وهذا يحتاج إلي وقت وشرطه الأساسي الاستمرار والتطوير فإن توقفت التدريبات كأنك لم تفعل شيئا .

وإذا حاولنا تحديد ملامح هذه المراكز بعد أن تم تدريبها في مجموعة من الورش بمعرفة مجموعة من الورش بمعرفة مجموعة من المتخصصين لنري مالها وما عليها وذلك من خلال العروض التي تم تقديمها في القاهرة فثمة تطور ملحوظ يظهر في تجربة عباد الشمس لمركز بني مزار والتي أخرجها حمدي طلبه فالناتج الذي قدم جيد إلي حد كبير مقارنة بنواتج أخري ففريق العمل يعمل علي تطوير العرض حتى اللحظات الأخيرة لتقديمه وعلي الرغم من ذلك يعلم المخرج وفريق العمل إن إمامهم مراحل كثيرة لتطوير ما قدموه ، وأنا ارجع جودة ما قدمه مركز بني مزار لخبرة المخرج في التعامل مع تلك النوعية من التجارب وكذا استجابة الممثل للتدريب وطريقة العمل علي المادة التي تم جمعها ، حيث أفادت خبرة المخرج حمدي طلبة التجربة ، علي الرغم من إن اغلب أعضاء المركز في بداية تكوينهم الفني ويحتاجون للتعلم حيث قدم المخرج من خلال هذه التجربة مجموعة من الشباب والأطفال .

أما تجربة عرض " المسحور " لمركز أبو فرقاص فهي تجربة مازلت متفائلا بها وهذا لجودة عناصرها الفنية ، فيوجد اشرف عتريس كاتب وشاعر ومثقف جيد ، والمخرج أسامة طه يمتلك خيالا مسرحيا جيدا علي مستوي الصورة والتشكيل وقد لاحظت ذلك خلال متابعتي للبروفات ، لكن النص المسرحي وقع بمشاكل كثيرة فقد كان يحتاج وقتا أطول للعمل علي المادة التي تم جمعها ، فنحن أمام زحام شديد من الشخصيات حول شخصية واحدة تدور الأحداث حولها وهي شخصية المسحور ، والتي بها ثراء يمكنها من أن تكون محورا مهما يمكن بناء النص من خلاله لكن الكاتب وضعه في خصم شخصيات وحكايات متشابهة فبدا النص حافلا بالتكرار الذي جعل من البناء كيانا هشا ، علي الرغم من إننا أمام فكرة جيدة وكاتب جيد لذا يجب أن يكون هناك دراماتورج ليقوم بحل تلك المشاكل وحين آتي فريق العمل وقدم نتاج المركز لم يؤخذ من ملحوظاتي إلا القليل جدا جدا ، وظلت اسأل نفسي وأنا أشاهد البروفات والناتج النهائي ماهي رؤية العرض علي مستوي الكتابة والإخراج ؟ وحين تكون الرؤية مشوشة أو غير موجودة تصبح التشكيلات الجميلة مجانية ، فمشاكل المضمون تنعكس بالتبعية علي الشكل رغم جودته من وجهة نظري والمشكلة آن التجربة حاولت أن تكون عرضا مسرحيا .

وإذا تحدثنا عن مركز تدريب العرائس لمسرح الكبار بالفيوم فهو يقدم مسرح الدمى ، وهو مسرح معروف في أوروبا منذ بدايات القرن العشرين واعتقدت إن مسرح العرائس الكبار ماهو إلا تجسيد لفكرة مسرح الدمى في المستقبل بالطبع ولكن لم يخطر ببالي أن يقدم مسرحا للأطفال أو هكذا تخيلت نظريا لكن حين شاهدت الناتج بالمنيا في الملتقي الأول لهذه المراكز قلت إن المسألة مازالت في طور التكوين ، وحين قرأت النص قبل أن أشاهد العرض في القاهرة أدركت أن هناك مشكلة وحتى اللحظة الراهنة لا أجده يصلح لان يكون نصا لعرائس الكبار او الدمى ، فهو نص عادي يصلح لتقديم عرض من عروض الشرائح أما بالنسبة للطاقات الموجودة بالمركز فهم مجموعة مازالت تتدرب علي صنع وتحريك العروسة وأمامهم وقت طويل ليقدموا هذا النوع من المسرح . والمشكلة كانت واضحة من خلال العرض أو الناتج الذي قدم بالملتقي في القاهرة ، فأنا آري انه تم التعامل مع الأمر علي انه عرض مسرحي عادي فأصبح العرض هو الأساس والعرائس هي الهامش واري أن هذه النتيجة غير مرضية ، وان كانت لها جوانب ايجابية منها التدريب علي تصنيع العروسة وان كان نوعا واحدا من العرائس وأصبح لدينا مجموعة من المتدربين تستطيع التعامل مع العروسة علي خشبة المسرح وان كانت في مرحلة البدايات .

وأخيرا مركز الدراما الحركية في بورسعيد ، والغرض من هذا المركز ليس تقدم الرقص المسرحي او المسرح الراقص فهذا ليس هدفا في حد ذاته ، ولكنه كغيره من المراكز يقدم التراث الثقافي للمكان ، وهي تجربة مقترنة بنوع من المسرح فهما مغامرتان في وقت واحد ، بمعني أن المركز حاول العمل مع أعمار صغيرة للمتدربين هم نواة لفرقة تقدم هذا النوع من المسرح ، أما الأعمار الكبيرة فتحتاج لجهد ولتدريب مضاعف لان هناك علاقة بين قدرة الجسد علي الاستجابة وبين عمره ، كما إن هناك مسألة جديرة بالاهتمام في الرقص خاصة بالنسبة للفتيات في الأقاليم ووجود هذا المركز يكسر النظرة المتحفظة تجاه الرقص .

وقدم المركز عرضين لنتاج التدريبات احدهما لمحمود الراعي الاخري لمحمد العشري ، وان كانت تجربة الراعي في علي الزيبق نموذجا جيدا للتدريب فالأصل في تقديم علي الزيبق ليس العرض ولكن تدريب الفريق علي الكلاسيك والنيوكلاسيك ، وكيف تعتاد الفرقة الأسس والقواعد الكلاسيكية للرقص وقد أدت التجربة الغرض منها بالفعل ، أما تجربة ابن الجنية لمحمد العشري فهي تجربة مختلفة وتطرح العديد من المشاكل ربما أراد العشري تجربة شئ جديد وهذا أدي لاختلاط الأمور ، فهل ما قدم تعبيرا حركي أم رقص حديث ؟ ناهيك عن آن الفكرة قائمة علي حكاية شعبية أو فلكلور ويبدو أن المخرج قرر تقديم عرض تبعا لما كان يقدمه في عديد من المناسبات وهذا عكس المتفق عليه وهدف هذه المراكز ويجب أن نضع في اعتبارنا ونحن نقيم تجربة كتلك أنها تجربة لمجموعة من صغار السن وهم جميعا في طور التدريب ، ولا يمكننا إطلاق الأحكام علي تجربتهم التي لم تكتمل ، علي الرغم من حصولهم علي الكثير من التدريبات ، لكنهم يحتاجون بالفعل لثقافة في فنون المسرح الراقص والدراما الحركية وما هي فلسفة هذا الفن ، فالرقص المسرحي ثقافة غير معتادة وغريبة علي الواقع المصري وربما لم تتعد عامها العشرين في واقعنا المسرحي .

وفي النهاية أقول للمخرج عصام السيد المسئول عن هذه المراكز وعن المسرح في هيئة قصور الثقافة : نحن أمام فكرة جيدة للتدريب والتعليم والإبداع ونتاجها جيد حتى ألان رغم كل السلبيات ، لكن لا يمكن تحليل نتاجها كحزمة واحدة ولكن يجب متابعة كل مركز علي حدة من حيث ظروف مكان التدريب وبعده وقربه عن مكان المتدرب والإمكانات المتاحة للمركز ، أؤكد واكرر أن تجارب المراكز المتخصصة قائمة علي التجريب وفي التجريب لا يمكننا وضع أسس مسبقة أو مفاهيم ثابتة ، يجب أن نحاول أن نكتشف وهذا يحتاج لان نتخلى عما جبلناه من معرفة مسرحية حتى نستطيع أن نكتشف ما سوف تقودنا إليه البراءة في التعامل مع ما تم جمعه من فلكلور غنائي وحكايات شعبية وأشكال رقص ، أما لو تعاملنا بمنطق احترافي مع هذا النوع من التجارب فسوف تفشل تلك التجارب فشلا ذريعا وبعض ممن قدموا تجاربهم بالقاهرة يعون ذلك جيدا والبعض يعي العكس ، يجب اعتبار العمل بتجارب المراكز قائما علي التجويد المستمر والاكتشاف ، ويجب أن تتطور عمليات التدريب تبعا لحاجة المتدربين ولتطورهم واكتشاف تلك الحاجات يأتي من المتابعة المستمرة من إدارة المسرح ، فالصعيد يحتاج لتدريبات علي فنون ألحكي والسرد ، وفي مرحلة متقدمة إعادة صياغة الحكاية الشعبية في شكل معاصر ، وأيضا أري أننا يجب أن نضع نصب أعيننا أننا نتعامل مع عمل جماعي ويجب تدريب جميع العناصر ، ولا يستأثر المخرج المشرف بتقديم العروض وأيضا بعمل كل ما يخص العرض من ديكور وملابس ونص فهو تركيز لعناصر العرض في عقل واحد مما يقلل من فرص تنوع الأفكار التي تثري العمل الفني .

 

بقلم : جرجس شكري

المصدر : مجلة الإذاعة والتليفزيون 3928

26 يونيو 2010

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,204,603