**عندما غنى للحرامى "الله يرضى عليك يا ابنى"

فى لبنان يحتفلون بمرور 70 عاما على احتراف "وديع الصافى" الغناء "وديع" يقترب حالياً من التسعين أنه الآن هو المطرب الأول فى عالمنا العربى الذى يصل الى هذه المرحلة العمرية ولا يزال صوته يصدح بالغناء طوال هذه السنوات الأخيرة لم يعد قادراً على الحركة خارج حدود لبنان حتى إن المركز الكاثوليكى المصرى قبل بضعة أشهر عندما تقرر منحه جائزة تقديرية انتقل إلى بيروت نائب رئيس المركز الأب "بطرس دانيال" لكى يمنحه درع التكريم عن مشواره الفنى المرصع بعشرات من النجاحات!!

"وديع الصافى" أتيح لى أن ألتقى به بضع مرات فى القاهرة أتذكر منها مثلاً ندوة بنقابة الصحفيين عندما وجهته إليه الدعوة وسارع بتلبيتها بدون أى شروط ولم يحصل سوى على شهادة تكريم ورقية، وبعدها بدأ فى الغناء بالعود وكان يصاحبه ابنه "جورج" وكانت سهرة لا تنسى .. الفنان والانسان "وديع الصافى" وجهان لعملة واحدة بداخل هذا الفنان الكبير روح التسامح لم تغادره وأروى لكم هذه الواقعة .. كان أحد المدعين قد انتحل شخصية ابنه وبدأ يتصل بالأثرياء يطلب المساعدة بحجة أن "وديع الصافى" يعالج فى المستشفى ولا يجد أموالاً وصدق هذه الحيلة عدد منهم، وكالعادة فأن أى كذبة مهما طال بها الأمد سوف يتم اكتشافها وعلى الفور طلب من قوات الشرطة التدخل وتم عمل كمين وإلقاء القبض على المدعى فما الذى فعله "وديع" ذهب الى قسم الشرطة ثم ألتقى بالجانى فى قسم الشرطة وطلب المجرم من "وديع" العفو عنه فغنى له وديع "الله يرضى عليك ياابنى .. ظهرى انكسر والهم دوبنى .. الله يرضى عليك ياابنى" .. وبكى الشاب تأثراً ولم يكتف "وديع" بهذا القدر بل منحه أيضاً ما تيسر من أمواله القليلة .. هل رأيتم تسامحاً أكثر من هذا .. "وديع الصافى" غنى لكبار الملحنين أمثال "عبد الوهاب" "فريد الأطرش" "رياض السنباطى" "الأخوين رحبانى" "بليغ جمدى" .. غنى باللبنانية والمصرية وشارك فى عدد من الأفلام والمسرحيات .. اسمه "وديع فرنسيس" أما "الصافى" فلقد اشتهر صوته بالصفاء وهكذا ارتبط هذا التشبيه الذى صار بعد ذلك اسما له .. كانت بدايته دينيه داخل مدرسة كاثوليكية وبدأ فى تعلم الانشاد الدينى وهكذا تم تأسيس صوته على النغم الأصيل .. فى لبنان صار "وديع" العلامة الغنائية مثل "فيروز" و"الرحبانية" .. رمز لبنان هو العلم الذى لا ترى فيه فقط العلم المرصع بشجرة الأرز لكن الفنانين الكبار يصنعون اسم البلد وعلمها ورمزها!!

فى تاريخ الغناء اللبنانى من المؤكد أن "وديع" و "فيروز" و "الرحبانية" حالة إبداعية خالصة جداً .. ولوديع حكايات عديدة مع أهل الفن المصريين .. حكى مرة أنه عندما ألتقى مع "عبد الحليم حافظ" فى جلسة خلال الستينيات كان حاضراً "عبد الوهاب" و "فريد" و "فوزى" بدأ "وديع" الغناء فقال له "عبد الحليم حافظ" مداعبا: احنا بعدك نروح ننادى الصبح ونبيع لبن .. أنه صوت الجبل كما يطلقون عليه دائماً!!

فى العالم العربى بعض المبدعين لا يجوز أن نسأل عن جنسيتهم مثل "أم كلثوم" "عبد الوهاب" "السنباطى" "فريد" "عبد الحليم" "فيروز" وبالتأكيد "وديع" واحد منهم ورغم ذلك فأن "وديع الصافى" قبل 15 عاما منحته الدولة الجنسية المصرية تقديرا لفنه وهى بالتأكيد جنسية شرفية فهو مرحب به دائماً على الأراضى المصرية .. لا أحد من الممكن أن يسأل عن جنسية فنان بحجم "وديع" الفنى .. من الأغانى التى حققت له شهرة عريضة فى مصر "يا عينى ع الصبر يا عينى عليه" التى لحنها له "رياض" "البندك" وكتبها "نجيب نجم" وواجهت هذه الأغنية مأزقاً كاد يطيح بها عندما اعتقد أحد المسئولين فى الاذاعة وقتها قبل ربع قرن أنها من تأليف الشاعر المشاغب "أحمد فؤاد نجم" وليس "نجيب نجم" وكانت أشعار "فؤاد نجم" ممنوعة من التداول ولا يتم السماح بأغانيه ولهذا منعت الأغنية بدون معرفة الأسباب وظل "وديع" لا يدرى ماهو السر فى عدم التصريح بالأغنية .. لولا أن تم حذف اسم الشاعر فى البداية حتى تذاع الأغنية ثم بناء على تدخل "وديع" الشخصى وتم تدارك الأمر بعد ذلك وصارت الأغنية منسوبة الى كاتبها الشاعر "نجيب نجم" وهو بالمناسبة القيق الأكبر لنجم الكوميديا "محمد نجم"!!

غنى "وديع الصافى" أكثر من دويتو مع كبار المطربات مثل "فيروز" و"صباح" إلا أنه بذكاء أيضا لم يبتعد عن هذا الجيل وعندما اتم 70 عاماً من الغناء حرص على أن يغنى على المسرح مع "نجوى كرم" و "وائل كافورى" وبرغم رصيده الضخم من الأغانى الناجحة الخاصة به إلا أنه كثيراً ما يتطلع لتقديم أغانى للآخرين .. من أشهر أغنياته التى أعاد تقديمها "الاطلال" لأم كلثوم تلحين رياض السنباطى شعر إبراهيم ناجى سوف تشعر أن الأغنية مطعمة بمذاقه الخاص .. كما غنى رائعة نجاة "أيظن" شعر "نزار قبانى" وموسيقى "محمد عبد الوهاب" ومن المفارقات أن "وديع الصافى" قام بتغيير بضع كلمات لتتناسب معه كرجل حيث أن "نزار" يقول "حتى فساتينى التى أهملتها" بينهما "وديع الصافى" قام بتغييرها الى "حتى سراويلى التى أهملتها" وبالطبع لم يكن "وديع" فى حاجة إلى إجراء مثل هذا التغيير لأن الناس عندما قال "سراويلى" بدأت تنتبه إلى أن الأصل هو "فساتينى"!!

فى حدود علمى الغناء 70 عاماً رقم لم يحققه أى مطرب آخر فى العالم .. "شارل أزنافور" المطرب الفرنسى الأرمنى الأصل "لازال" يصدح بالغناء ولكنه أصغر من "وديع" بثلاث سنوات ... بالطبع الزمن يأخذ من الصوت إلا أن الفنان الأصيل يعوض ذلك بالخبرة وهكذا يظل "وديع" قادراً على أن يواصل الغناء حتى الآن ... احتفال 70 عاماً بالغناء ليس احتفالاً لبنانياً أنه احتفالاً مصرياً ايضاً لوديع صاحب الصوت والأداء "الصافى"!!

بقلم / طارق الشناوىالمصدر/ مجلة أخبار النجوم العدد 9278 يوليو 2010

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,253,977