كتبت مرات عديدة اختلافاً مع المواقف السياسية للكاتب الكبير الراحل الأستاذ أسامة انور عكاشة ... لكن أسامة كان من بين مكونات ثقافة جيلى ... مبدعا ًعصامياً ... مثابراً ... تميز بالروعة والرقة ووضوح المشروع وموسوعة المعرفة ... والاخلاص للفن المصرى.
رحل كاتبنا الكبير يوم الجمعة، قبل صدور هذ العدد بساعات، مخلفاً وراءه تراثاً من المؤلفات التليفزيونية العلامات، التى أعادت الرونق إلى الدراما المصرية ... وأضفت على محتواها قيمة دفعت بها إلى الأمام .. فبدا كما لو أنه أسس مدرسة تخصه ... وتتبع منهجه ... وتسير على خطاه ... خاصة أن الدراما العربية لم تعرف الأعمال الملحمية العريضة إلا بعد أن شق الطريق إليها.
كان أسامة عكاشة رقيقاً، وإن ماجت ذاته بغليان التفكير، هادئاً وإن ثارت فى عقله براكين الأسئلة، رصيناً وإن تمتعت روح قلمه ومشاهده بالحيوية، اكتسبت مؤلفاته ملحماً يسلرياً ... وإن اتسمت بالإنسانية العريضة ... ظل يبحث عن الإجابات الصعبة التى تطارد الفرد منذ أن يولد ... وعن علاقة القيمة بالمال ... وعن ضغوط الحياة على الخلاق ... وعن قهر المتغيرات للعواطف .. وبقى يبحث عن نموذج فريد للبشر المدافعين عن الحق كما أنهم اسطوريون وليسوا من بين نسيج الحياة.
شق الأستاذ أسامة لنفسه شارعاً باسمه فى تاريخ الدراما التليفزيونية، حين ابتدع عملية التاريخ الاجتماعى التليفزيونى من خلال ملحمته (ليالى الحلمية)، وقبلها انغمس فى صراعات إنسانية تليدة ... عاشتها البشرية منذ خلقت فى (الشهد والدموع) ... وظل يناصر الضمير فى مختلف أعماله .. ومسانداً له ... سواء فى (أبلة حكمت) أو (حسن أرابيسك) .. أو غيرهما من الأعمال المختلفة.
لقد علمنى الأستاذ الكبير الراحل أكثر من حرف، سواء خلال لقاءات شخصية فى وقت سابق من رحلته الفنية، أو من خلال لقاءات صحفية، وكنت أناقش بعض ما يكتب من حين لآخر .. ملتزماً باحترامى لمكانته التى لا تجب الاختلاف مع بعض أفكاره السياسية الأخيرة.
إن أسامه أنور عكاشة من علامات الثقافة المصرية الحديثة، وقد حفر للمؤلف التليفزيونى مكانة لم تعرف له بنفس الحجم من قبل أن يشيد ذلك أسامة بنفسه وبإبداعه وتميزه ... ويمثل رحيله صدمة كبيرة .. وخسارة عظيمة .. لكن عزاءنا فى تراثه وما بقى من فنه وهو كثير لا ينسى.
ساحة النقاش