إن الدور الأجتماعى للمثقف دوما يشكل صداما حادا مع المنظومة الراسخة للمجتمعات الراكدة، فيكون هذا الدور كاشفا لزيف شعارات السلطة ومهددا لوجودها لهذا غالبا ما يسعى النظام لحصر الجماعة داخل مفهوم الوجود الأجتماعى الغفل ، دون المرور الى مرحلة الوعى التى تحفز الى الفعل ومن يكون أستثناء ويكتسب الوعى يجب أن يدخل داخل النظام ويخون الجماعة من أجل مصالحه الشخصية ، أن هذا الطرح أعتمدت عليه الدراما الواقعية لقرون عديدة محاولة منها لكشف النظام وألياته من خلال نموذج البطل الأيجابى الصادم للنظام والذى يرفضه بالضرورة ، أن تلك الايديولوجية التى ارتكزت عليها الدراما لواقعية تكمن صعوبتها فى أن هناك شعرة رفيعه جدا ما بين الرؤية الحدية أحادية الجانب والرؤية الموضوعية التشريحية للواقع و هذا ما جعل نجم الواقعية النقدية يسطع فى اوربا وتسقط على المستوى الفنى الواقعية الأشتراكية ذات الطبيعة الحديثة فى تقسيم العالم الى كل من يتبع تلك الايديولوجية من الأخبار والعكس يذهب الى الجانب المناقض.

ان هذا الطرح الفكرى عندما يخرج من سياق الأوربى ويدخل فى سياقنا الشرقى لا يجد أمامه سوى الرؤية الحدية والتى بطبيعة الحال لا تمتلك سوى لونى النقيضين ( الابيض / الاسود ) لهذا يجب ان يمر ذلك الطرح بمرونة شديدة لتختفى فجاجة مثل ذلك الصراع وهذا ما نجح فيه الدكتور سامح مهران عندما قال بتاليف "عز الرجال".

 

نص العرض وازمة التفكير النرويجى

 

قام الدكتور سامح مهران بصياغة تلك الافكار داخل نصه فى شكل الواقعية الشعرية والتى من خلالها أصبح قادرا على تشريح المجتمع وأزماته بعيدا عن نمطية الصراع الطبقى من خلال بنية مشهدية كاشفة لهذا العالم عن طريق شاعرية الصورة واللغة المستخدمة وذلك بداية من المشاهد الاولى التى تصنع معنا اتفاقا ضمنيا بهذا .

أن تلك المرونة فى التناول للدكتور سامح مهران داخل نصه هى ما أفتقدها نص عرض "عز الرجال" لبيت ثقافة بدواى الذى تنازل عن طبيعة الواقعية السحرية للنص لينتصر الى أفكار سابقة التجهيز وخروج لها والتى فى أغلب الاحوال تنحو نحو المليودراما بحديها المتمثل فى السلطة والخير المتمثل فى الجماعة أن تلك الصياغة لنص العرض هى ما جعلت الكثير مما نشاهده أمامنا غير مبرر على الاطلاق بداية من شخصية "الرغاى" حيث أنه داخل تلك الرؤية المليودرامية لا يمتلك مبررا لحكى الحكاية فهو داخل نص العرض ظالم يسعى لمصالحه الشخصية مع النظام لهذا ليس منطقيا أن يقوم هو بكشف زيف هذا العالم ، أن الرغاى ( كارم أباظة ) يمتلك تاريخا يكتب على الرمال تنتفى عنه صفة الرسوخ والثبات لهذا يتحول وعيه الفاسد مرادفا لغياب الوعى عند الجماعة ، كم إن تلك الرؤيا ايضا هى ما دفعت المخرج لاقحام الكثير من المشاهد لأعلاء مليودراميته والتى أخرته اكثر مما ساعدته حيث جعلت إيقاع العرض بلا أتزان وأبرزت الكثير من القصور فى عملية التلقى ، هذا إضافة الى كثير من التشويش فى النهاية والتى ظهرت بشدة فى التوبة الأخلاقية المفتعلة ليظهر التناقض الواضح فى الحكاية المعروضة أمامنا حيث تصور أزمة المثقف مع نظام يحافظ على التصورات المستبقة للمؤسسة الدينية.

 

المشهد المسرحى

 

أعتمد المشهد المسرحى بشكل أساسى على الشكل الشعبى الذى اراه هو الأخر لم يستغل بشكل جيد فقد كانت عناصر الفرجة الشعبية المنتقاة لصالح الرؤية الحدية للمخرج ،بداية من أستخدامه للراوى الشعبى وأقحامه على شخصية "الرغاى" والتى سبق أن طرحنا أسباب قصور تلك الفكرة داخل العرض فى غياب مبرر حكى الرغاى للحكاية .

وقد حاول العرض أن يصنع نوعا من المسرحة القاصرة من خلال أعتماده على تكوينات اجساد الممثلين للديكور للتاكيد على الطرح البنائى وللعرض الذى أعتمد عليه المخرج الأ أنه جاء متناقضا مع الكثير من العناصر الأخرى وأهمها الاضاءة والتى كانت تفصل المشاهد من خلال الأظلام دون مبرر ودون أتساق للنهج الذى أنتهجه المخرج وهذا ما ينطبق أيضا على مكان العرض "الخشبة التقليدية" لكننا لن نغوص فى هذا الأمر نظرا لدرايتنا بظروف ونظام المهرجان المجمع .

وما سبق أن قلناه يندرج ايضا على الأغانى التى غلب عليها البكائية المفرطة ( هشام منصور ) و الألحان ( احمد زكى عارف ) التى لم تكون ملائمة للطبيعة البنائية للمشاهد من حيث التوزيع و الآلات والمقامات المستخدمة للألحان أما بالنسبه للتمثيل فقد كان مقبولا الى حد ما الأ اننا نعترض على الأداء التمثيلى فى أشياء خارجة عن أرادة الممثلين فهم يمثلون بما يتلائم مع المنهج الذى تبناه المخرج وكان متناقضا فى كثيرا من الأحيان وغير متسقا مع ذاته لكننا لا نريد أن نغفل رغم هذا الأجتهاد الواضح للممثلين خاصة عند زكية ( امل صبرى ) والعمدة

( محمد اباظة ) والرغاى ( كرم اباظة ) والصبوحة ( اميرة شوقى ).

بقلم / خالد رسلان           عن جريدة مسرحنا العدد التاسع 6 مايو 2010

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,254,753