في جميع أحقاب التاريخ المصري القديم ، كان فن الرسم يعتبر عنصرا هاما من عناصر الطقوس الدينية والثقافية العامة في الحضارة المصرية وإبتداء من عصر الدولة القديمة فصاعدا ،أصبح من المعتاد تصوير ونقش المناظر الخاصة بجماعات الرقص والفرق الموسيقية علي جدران المقابر .

ولقد أبدع الفنان المصري في تصوير ونقش ورسم مناظر الراقصين والمغنين والمنشدين وهم يصفقون بأيديهم للمحافظة علي الايقاع temp  المصحوب بالالحان الموسيقية الصادرة من مجموعة متنوعة من عازفي الالات.

وكانت الات الهارب والقيثارة lyr  والعود المزهر lute تمثل الالات الرئيسية ، اما الالات الايقاعية فكانت الطبول والدفوف والمصفقات والات أخري تسمي سيستروم وهي نوع من الصلاصيل المخشخشة كانت تستعمل غالبا في الطقوس الدينية الخاصة بعبادة "إيزيس" ويوجد شكل عبارة عن وعاء من الخزف المزخرفة بعازفة علي العود "عصر الاسرة التاسعة عشرة" 1305 – 1196 ق . م " تتألف الزخرفة في هذا الوعاء من الرسم لشابة صغيرة تبدو شبه عارية إلا من عقد علي صدرها و حزام تحت بطنها ، وهي تجلس فوق وسادة ناعمة وتعزف علي ألة وترية ذات عنق طويل تشبه ألة العود المزهر – وبأعلي المنظر تتدلي عناقيد العنب و فروعه المحمولة علي عمودين في شكل اللوتس كما تتدلي زهرة لوتس من ذراعها اليسري وبرعم لزهرة لوتس من ذراعها اليمني كما تطل زهرة لوتس أخري من مقدمة رأسها بجوار قمع الدهون العطرية الموضوع فوق منتصف شعر الرأس ونلاحظ وجود وشم يمثل الاله " بس " مرسوم علي فخدها الايمن .

ويظهر خلفها قرد صغير يبدو أنه يحاول أن يلفت انتباهها ، ويبدو من طبيعة هذا المنظر الذى يحاول أن يلفت انتباهها والذي لا يخلو من الاغراء أن هذا الوعاء كان يستخدم في المأدب والحفلات السارة محفوظ بمتحف "فان اودهين بلايدن" وفي النقوش الخاصة بمقبرة

" بتاح حوتب " التي يرجع تاريخها إلي عصر الدولة القديمة ، صورت الفرقة الموسيقية من أعضاء عازفين علي الهارب و المزمار ومصفقين بالايدي للمحافظة علي الايقاع ومعني ذلك أن الفرقة الموسيقية كانت تتكون من الات وترية والات نفخ إيقاعية وهو نفس التكوين الاساسي الذي تتكون منه الفرقة الموسيقية في عصرنا الحاضر وفي الاغلب الاعم كان الرقص والموسيقي عنصرين متلازمين لا ينفصلان عن بعضهما وبمجرد ظهور الراقصين أو الراقصات في إحدي المناظر فإن معني ذلك وجود عدد من عازفي الموسيقي يتكامل بهم المنظر ونراهم منهمكين في العزف بل وقد يشترك بعضهم في اداء بعض خطوات أو حركات الرقص بطريقة أو بأخري مثل الاشكال العصوية( stick figures)  علي كسرة فخار عصر "الرعامسة "  - 1080 ق.م مهما تعددت اشكال واوضاع الجسم البشري فيمكن اختصار رسمها إلي أقصي قدر مستطاع بل ولدرجة قد تصبح معها مثل الاشكال العصوية التي في هذه الصورة ، وفي بعض الاحيان رأي الفنان المصري أن اتباع هذا الاسلوب في الرسم يجعل الرسوم الحائطية التي تزين جدران المقابر اقرب ما تكون إلي الاسلوب المتبع في رسم وتزيين اوراق البردي ويبدو ان الرسام هنا قد تناول هذه الكسرة من الفخار ليرسم علي سطحها " مذكرة مرئية " لحركة رأها فأراد أن يسجلها فورا وتبدو هذه الاشكال العصوية كما لو كانت تمثل مجموعة من الراقصين تمسك في أيديها "مصفقات"  لحفظ وحدة الايقاع إلا اننا نلاحظ اختلاف حركات والتواءات جسم كل راقص الامر الذي يحتمل معه أن الفنان قد سجل تتابع حركات والتواءات راقص واحد يؤي رقصة واحدة من المعهد الفرنسي للاثار الشرقية بالقاهرة الرسم بالحبر الاسود علي فخار احمر وكان الرقص في إحدي وظائفه يعتبر عنصرا اساسيا في الطقوس والاحتفالات الدينية وقد صور بهذا المعني في العديد من مناظر بعض العبادات المصورة علي جدران المقابر كذلك فقد كانت طقوس الاحتفال بنقل اي تمثال كبير وإقامته في موضعه تقتضي اشتراك مجموعة من الراقصين وعازفي الموسيقي .

ولعل من اكثر انواع الرقص المصري القديم جاذبية ولفتا للنظر الرقص الاكروباتيك acrobatic الذي تؤدي فيه الرقصات حركات صعبة ومبهرة وقد انتشر مناظر هذا الرقص في الكثير من أعمال التصوير والنحت واسكتشات الرسم ووجد اسكتش لراقصة أكروبائية

" عصر الرعامسة 1305 – 1080 ق .م " مرسوم بالحبر علي سطح شفقة من الحجر الجيري عثر عليه في دير المدينة يمثا وضعا متكررا ومشهود من أوضاع الرقص الاكروبائي.

ويعتبر هذا الاسكتش من اروع نماذج فن الرسم المصري القديم وتظهر الراقصة شبه عارية إلا من رداء صغير يغطي وسطها وحلق يتدلي من إحدي اذنيها وتقوم بحركة شقلبة بهلوانية صعبة تمثل جزءا من رقصة طقسية ويبدو ان الرسام قد رسم جسم الرأس والوجه في وضع البروفيل التقليدي ولذلك فقد ظهر القرط الذي يتدلي من اذنيها في وضع يتناقض مع قانون الجاذبية الارضية كذلك يبدو عدم التناسب في موضع اتصال الرقبة بالكتفين وأيضا في طول الذراعين بالنسبة لبيقة اجزاء الجسم ومع ذلك فإن التكوين الفني في مجموعه فيه قدر كبير من الانسجام والتوافق وتبدو الرقة والرشاقة في الخطوط التي تمثل انحناءة الجسم وهفهفة الشعر الامر الذي يهون كثيرا من شأن العيوب الفنية القليلة في هذا الاسكتش " محفوظ حاليا بمتحف تورين بإيطاليا " .

 

ويقول " ن . ي. جاريس دافيز " وله دراسات متعمقة في فنون الرسم والتصوير عند قدماء المصريين إن تقديم الرقص الاكروباتيك اثناء الطقوس الجنائزية كان يقصد به تحقيق التوازن للانفعالات العاطفية للمشتركين في اداء تلك الطقوس وذلك باعتبار ان مثل هذا الموقف الحزين الحافل بالانفعالات الشديدة تنسجم معه تلك الحركات العنيفة التي كان يؤديها الراقصون والراقصات .

وعلي أية حال ففي جميع المناظر التي صور فيها الفنانون المصريون القدماء الراقصين والراقصات وعازفي الالات الموسيقية سواء أثناء الاحتفالات والطقوس الدينية أو الاحتفالات الشعبية العامة والخاصة ، نلمس بوضوح مدي قدرة وكفاءة هؤلاء الفنانين في الرسم وتصوير أدق الحركات واكثرها عنفا أو رقة ورشاقة .

ويتبين لنا أن الصور الحائطية والصور التوضحية المرسومة بالبرديات كانت تتطلب فنانا ذا مهارة وكفاءة عالية ، اما مهارة الفنان أو العامل الذي كان يقوم بتلوين هذه الصور فتأتي في المرتبة التالية كان المصور الذي يشتغل بجملة اللون في وقت واحد يستعمل نوعا مخصوصا من الاواني المسطحة " لا فرق بينه وبين لوحة الالوان التي يستعملها المصور العصري " يضع عليه كميات مختلفة من الالوان التي يرغب في استعمالها وقد عثروا علي جملة ألوان من هذا النوع كما عثرت هيئة الاثار المصرية علي عدة قطع من الالوان التي كانت مستعملة وكمية كبيرة من الفرش الصغيرة وشئ يشبه في شكله المدق – المستعمل عند العطارين لطحن البن كانوا يستعملونه لطحن الالوان اما الالوان التي كانت مستعملة عندهم فسبعة وهي " الاصفر ، الاحمر ، الازرق ، الاخضر ، البني ، الاسود ، الابيض وكانوا يستخرجون بعضها من النباتات كالنيلة مثلا ، والبعض الاخر من المعادن كما نفعل نحن الان.

 

يقول " الفريد لوكاس " alfred lugas في دراسته عن الفن المصري القديم إن الفرشاة التي كان يستخدمها عن الفن المصري أو الكاتب المصري ، كانت تصنع من نباتات الاسل rush وهو نبات له اوراق اسطوانية واغصان كثيرة شائكة الاطراف ، وهو من الفصيلة الاسلية ينبت في الماء والارض الرطبة وتصنع من الحبال والحصر والمقاعد والكراسي واسمه العلمي juncos uaritius وكان يقص علي شكل أقلام طويلة وتصبح مثل شعر الفرشاة التي يستخدمها الفنان الحديث مع فارق واحد وهو أن طرف الفرشاة المصرية كان يمكن الكاتب أو الفنان من عمل الخط الرفيع والخط السميك كلا علي حدة أو عمل التنويع بين الرفيع والسميك في خط واحد ومن العدل أن نذكر شيئا عن الملك المارق " اخناتون " الذي كثيرا ما امتدحه الكتاب المعاصرون لخروجه علي الدين الرسمي ، وأشاروا إليه علي انه الفرد الاول في التاريخ الذي نادي بالتوحيد وكان اخناتون من أعظم ملوك الاسرة الثامنة عشرة اولئك الملوك الاقوياء الذين جمعوا السلطة في ايديهم وهي الاسرة التي جعل ملوكها من مصر قوة حربية عالمية للمرة الاولي في التاريخ ولكي يحطم اخناتون نفوذ كهنة امون  بني عاصمة جديدة لمصر وحاول أن يبدأ عهدا جديدا في الفنون والطقوس الدينية واتخذ الفن المصري طابعا اصطلاحيا معبرا واصبحت التماثيل والصور المحفورة بالرغم من قيمتها الفنية العالية تمثل المناصب أكثر مما تمثل الاشخاص أنفسهم ومع ذلك فقد ظهر بجانب هذا الفن الاصطلاحي المعبر اسلوب جديد في النقش والرسم اكثر حيوية مما كان قبله ، وهو اسلوب جديد لا يتصل بالاسلوب القديم إلا كما تتصل صورنا الهزلية الحالية بالفنون الجميلة.

وإذا نظرنا إلي الكتابة الهيروغليفية نجدها صورا ، ثم إذا نظرنا إلي التصوير المصري نجده ضربا من ضروب الكتابة ، حتي يصح القول كما قال " دريتون " مدير الاثار المصرية ذات يوم بأن الكتابة المصرية القديمة تسجيل بصري للمسموع والتصوير المصري القديم تسجيل بصري للمنظور لذلك كانت رسوم الاشخاص تخضع لقواعد منها التصاق الذراعين علي الجانبين وامتداد الساق اليسري إلي الامام واعتدال الجذع والرأس في وضع عمودي وتشابه الايدي والاقدام في الشكل والوضع وفي مصاطب " سقارة " توجد اروع الامثلة علي فن الرسم والنحت البارز الملون علي جدران المقابر حيث تمثل حياة الميت ، وقد اصطلحوا علي قواعد تتلخص فيما يلي :-

1-   وضع اضخم النسب للمعبودات ، تليها رسوم الملوك ، ثم الرعية .

2-   رسم الرأس والاطراف السفلي في وضع جانبي .

3-   رسم الكتفين من الامام ، لاظهار جمال الاجسام وقوتها .

ومن هذه الرسوم امكن معرفة نوع الحياة الاجتماعية والزراعية والصناعية والفنية في الدولة القديمة ومن امجاد هذه الدولة "اهرام الجيزة ، تمثال ابو الهول ، الهرم الاكبر الذي بناه الملك خوفو " وهو اول وابقي العجائب السبع القديمة التي تم تشييدها في عصور ما قبل ميلاد المسيح جاء في جريدة الاهرام الدولية المصرية هذا الخبر العالمي الهام " عثرت بعثة هيئة الاثار التي يرأسها / زاهي حواس مدير عام الاثار بالجيزة علي ثلاثة تماثيل داخل مقبرة جديدة تم كشفها بجبانة رؤساء العمال بناة اهرامات الجيزة والتماثيل الثلاثة من بينها تمثال رائع الجمال لسيدة وهي تقوم بحركة راقصة طقسية ولم يكتشف مثله من قبل سوي تمثال واحد بالمتحف المصري وفيه يبدو تفوق الفنان المصري القديم واضحا والتمثال الثاني لزوجة صاحب المقبرة وتحمل لقب " المحظية " والتمثال الثالث لصاحب المقبرة " تمحي نست " وكان يشغل رئيس مجموعة من العمال بناة اهرامات الجيزة وكانت هذه الجبانة قد تم العثور عليها خلال عام 1990 ووصل عدد المقابر المكتشفة بها حتي الان 58 مقبرة ويقول د/ سليم حسن الاثري العالمي المعروف : إن تجاوب الرسامين مع ما شهده عصرهم من تقدم معيشي كان من اوضح مظاهره كثرة استخدام المراكب في الاسفار وتبادل التجارة ونقل رفات الموتي فجعلوا صور هذه المراكب بمجاديفها وركابها واعلامها وراقصيها ، عنصرا اساسيا فيما اخرجوه من زخارف الفخار ورسومه .

أما رسوم الوسطي فأجملها يزين جدران مقابر بني حسن وأشهرها مقبرة " انتفوكر " وزير الملك " سنوسرت الاول " وعلي جدرانها رسوم ملونة علي البلاط بطريقة تكاد تشبه إلي حد ما الطريقة التي اتبعها فنانو عصر النهضة في إيطاليا " في القرنين 15 ، 16 " والتي عرفت باسم " فرسكو " وتمثل حفلة راقصة تبدو فيها أكتاف الراقصين في وضع جانبي علي خلاف ما كان متبعا في الدولة القديمة بإظهار الاكتاف من الامام والرأس في وضع جانبي وهكذا تتبعنا الرقص المصري القديم الذي عبر عنه فن الرسم عند قدماء المصريين من واقع ما تم العثور عليه مرسوما علي اوراق البردي او علي قطع الشقف او مرسوما كرسم تحضيري لعمل فني اخر لم يتم لسبب او لاخر وقد تبين لنا أن الرسام المصري القديم استطاع أن يعبر بكفاءة عالية عن العديد من الموضوعات اهمها....

الرجل والمرأة والالهة والطبيعة ، خصوصا المظاهر الطبيعية التي كانت تؤثر في حياة الانسان أو كانت علي صلة وثيقة بحياة الانسان ومن خلال ذلك كله استطعنا ان نعايش الفنان المصري القديم الذي كان يضع الخطوط الاساسية للاعمال الفنية وان نشاركه "لحظة الخلق الفني " التي مرت عليها الان الاف السنين وبالرغم من ان الرسوم المصرية القديمة توضح نفسها بنفسها إلا ان المزيد من التأمل والقدرة علي فهمها يجعل من مشاهدتها وتذوق جمالياتها متعة فنية لا حد لها وإذا نظرنا إلي التصوير المصري علي جدران المعابد ونظرنا إليه نظرة الفاحص المتأمل واعجبنا ان يمضي علي هذا التصوير ثلاتون قرنا او يزيد وإذا بالفنان المعاصر فنان القرن العشرين يعود مع القرون إلي الخلف ليجعل مبادئ فن التصوير كما عرفه المصريون هي المبادئ التي يثور بها علي الفن الاوربي التقليدي ثم يجعلها هي نفسها المبادئ التي يحتذيها ويسير في فنه الحديث علي نهجها وهاهم اولاء قادة الفن في عصرنا الراهن " بيكاسو " ،

" جوجان " ، " ماتيس" وغيرهم يثورون علي التقليد الذي كان قائما في الفن الغربي منذ النهضة الاوربية في القرن السادس عشر ويستلهمون الفن القديم في مبادئه لانه اقرب إلي الخلق الفني بمعناه الصحيح . كتب سيرج ديا جليف 

( 1872 – 1929 )" لقد واتتني فكرة أن اخرج باليهات قصيرة تشكل استعراضات فنية توحد وحدة اوثق من المعتاد بين العناصر الجوهرية للباليهات : الموسيقي ، الرسم ، الرقص ".

المصدر/ مجلة المسرح بقلم ا.د شريف بهادر المعهد العالى للباليه اكاديمية الفنون

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,255,118