منذ أن خلق الله آدم وعلمه الأسماء كلها ، أمره ببدء الحوار مع الملائكة أولاً فأنبأهم بأسمائهم مشافهة ثم خلق حواء من ضلع آدم أي من شيء حي فنسبت إليه ولذلك سميت حواء لتكون له سكناً يفضي لها بما رآه في يومه وما عاناه، وتحكي هي بدورها لأبنائها ما جري لأبيهم وما حدث لباقي الأسرة من تجارب كي يستفيدوا من نتائج تلك التجارب دون الحاجة لخوضها مرة ثانية، و لك أن تتخيل الحوار الذي دار بين إبليس وبين آدم وحواء مشافهة كي يقعا في المعصية ،ويكون العقاب الطرد من الجنَّة والهبوط إلي الأرض لتبدأ رحلة الشقاء وغواية إبليس وأعوانه لأبناء آدم وحواء مستمرة إلي أن تقوم الساعة،  فنشأت الحاجة إلي الحكاية لتخبر بها حواء أبنائها وتحذرهم من إبليس وأعوانه وسوف تحكي الأمهات الحكايات كل ليلة قبل النوم إلي أن تقوم الساعة.
والحكاية هي مجموعة من الأحداث المتوالية توهم المتلقي بحدث أو واقعة من قديم الزمان مرت عليها دهور تنقلها الأجيال مشافهة حالها كحال صنوف الفن الشعبي من عادات وتقاليد وألغاز وأغاني وأمثال ...الخ .

 
وتقول د / نبيلة إبراهيم في كتابها " المقومات الجمالية للتعبير الشعبي "أن المستمع للحكاية الشعبية أو المثل يتلقاها مشافهة فلا مجال لديه للتأويل بخلاف النص المكتوب الذي يحتمل أكثر من تأويل عند إعادة قراءته ولذلك يضيف الراوي أو يحذف بما لا يخل بأصل الحكاية المروية كما أن الجماعة الشعبية من قديم الزمان قد اتفقت علي الرمز التي اختارته لظاهرة كونية ما ، عجزت عن تفسيرها وبالتالي لا تحتاج إلي جهد لفك رموزه لأنها متفقة عليه والرمز نشأ عندما وجد الإنسان نفسه في بدء حياته محاط بمظاهر طبيعية غير مفهومة ، فكان لابد له لكي يقتنع بسر وجوده في الحياة من أن يخلق بفكره وشعوره عالماً تقترب فيه الأشياء المعلومة من الأشياء المجهولة ، مهما تعارضت أو تناقضت يجمعها في نسيج من العلاقات الذهنية والروحية متصنع بفكره الإنساني رموز يفسر بها طبيعة الوجود الخفي وعلاقته بالوجود المرئي ، واستطاع أن يخلق تكوين تصوري لرمز ما ، علوي أو سفلي في الفضاء و السماء وفي أعماق البحار أو في بطن الأرض ، لأن الإنسان يعيش بفكره مع المكان ويتعايش مع أحداث معلومة ومجهولة ، واستقر علي تصوير يريحه من دواعي القلق ، واطمئن إليه ، فاختار من الطبيعة أشياء حسية وحولها إلي مغزى روحي بعد أن سماها بمسمياتها الرمزية وجعلها تقوم بوظيفة وسائطية بين المعرفي والكوني أي بين داخل الإنسان وخارجه.

 ويستخدم الرمز في الإبداع الشعبي بلا استثناء موال، أمثال، ألغاز، طقوس، العادات، حكاية شعبية ،أغاني شعبية ..ألخ فمثلاً : "فاستخدام رمز الجمل، الجمَّال" في الموال يعطي معني سماوي في الحس الشعبي عن الصبر وقوة التحمل من ناحية والقهر والثورة من ناحية أخري

 جمل حداه ألم تحت الحِملْ مدَّاري

لا الجمل بقول آه ولا الجمَّال به داري

داري علي بلوتك يا اللِّي ابتليت داري

حداه : عنده : مدَّاري : مستتر أو مختفي : الجمَّال : حادي القافلة : بلوي: حادثة أو مصيبة

 البين عملنَِى جمل واندار عمل جمَّال

ولوى خزامي وشيِّلني تقيل الاحمال

أنا قلت يا بين هو الحمل ده ينشال

قال لي رق الخطاوي يا جمل

 وامشي علي مهلك

 دا كل عقدة ولها عند الكريم حلال

البين : الزمن و الحظ العسر / خزام :حلقة حديدية توضع في أنف الجمل
ولكل شعب حكاياته التي تحتوي علي خلاصة تجاربه فصاغتها الجماعة الشعبية مثلاً أو حكاية.


ويقول د/ عبد الحميد يونس في كتابه " الحكاية الشعبية "
هي استرجاع للواقع أو ما يتصور أنه الواقع بواسطة كلمة ترتبط بأنواع من الحكي الشفهي ، تبعد عن الصدق التاريخي في بعض الأحيان ولا بأس من التوسل بالخيال لبلوغ التأثير المنشود " وكي لا نطيل في البحث سوف نورد حكاية شعبية قديمة الفتها الجماعة الشعبية تفسر بها ظاهرة شم الكلاب لمؤخرة بعضهم عند اللقاء بعد أن عجزت عن فهم أسبابها

تقول الحكاية:-

 أن الكلاب نوعان رومي وبلدي الرومي منعم ومدلل في بيوت الأغنياء يأكل أشهي طعام وينام في بيوت أو صناديق تحميهم من التقلبات الجوية والبلدي ضالة في الشوارع تنام في العراء وتقتات من صناديق القمامة ولو حاولت الاقتراب من قصر أمير أو سرايا باشا تنال علقة ساخنة أو تقتل رمياً بالحجارة ، لذلك اجتمعت الكلاب البلدي للبحث عن وسيلة تصلح من شأنهم وتحسن من أوضاعهم ، بعد نباح وجدال اتفق الرأي علي إرسال رسالة إلي ملك فلسطين تحتوي علي مظلمتهم وأختار المجتمعون كلب قوي البنيان وضعوا الرسالة في مؤخرته ورافقوه حتى صحراء سيناء ، بعد أن ودعوه انطلق الكلب تجاه الشام وظلت الكلاب تنتظر عودة الكلب برد الملك ، فلما طال عليهم الأمد واشتد بهم الجوع والعطش ، تفرقوا في البلاد ، كلما يري كلب يري كلب آخر يسارع في شم مؤخرته باحثاً عن رد الرسالة ، وعندما لا يجد رداً تدور معركة شرسة بينهما.

بقلم / الشربينى خطاب المصدر/ موقع الملتقى

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,921,893