يقوم فن المسرح على ثلاثة عناصر أساسية هي : الممثلون ، النص المسرحي ، و الجمهور . و لكن ، كي تتحقق النتيجة المرجوة من العمل المسرحي ، لابد أن يكون هناك شخص يفرض وجهة نظره على جميع عناصر العمل المسرحي ، هذا الشخص هو المخرج . فالمخرج هو الشخص المنوط به ربط جميع عناصر العمل المسرحي مع بعضها البعض من خلال رؤيته الخاصة .
و إذا كان فن الإخراج قد برز خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، إلا أن المخرج قد وجد بشكل أو بآخر منذ عصر الإغريق .فقد عرف المسرح الإغريقي القديم وظيفة المخرج و كان يسمى "المعلم"، و كان مسئولا عن توجيه الممثلين على خشبة المسرح .فأسخيليوس على سبيل المثال ، كان يكتب المسرحيات و يخرجها و يمثل فيها أحيانا كما كان يدرب الكورس و يؤلف الموسيقى و يشرف على كل جوانب الإنتاج.
وفي العصور الوسطى،برز دور المخرج. وكان من أبرز مهامه الإشراف على تصميم المناظر والديكورات،واختيار الممثلين وتوجيههم،ومخاطبة الجمهور في بداية كل عرض، وعقب كل استراحة.
و في العصر الإليزابيثي ، قاد شكسبير فرقته التي عرفت باسم فرقة الجلوب و قد فعل موليير نفس الشئ مع فرقته .
و قد ظهر تأثير المخرج كعنصر منفصل و مؤثر في المسرح عام 1874 ، حين قام الدوق جورج الثاني،دوق ساكس ميننجن (إحدى الدوقيات الساكسونية) بجولة في دول أوربا مع فرقته المسرحية . و خلال هذه الجولة ، حرصت الفرقة على إبراز و توضيح القيمة الفنية لعمل المخرج أمام الفرق المسرحية المختلفة . و قبل هذه الجولة بست سنوات ، كان الدوق يطبق مبادئ الإخراج الأساسية ، التي لا تزال مستخدمة حتى الآن و إن دخلت عليها بعض التعديلات . هذه المبادئ شملت :
عمل بروفات مكثفة ، تشجيع الأداء التمثيلي الجماعي ، مراعاة الدقة في الملابس و الديكورات المستخدمة بحيث تتمشى مع السياق التاريخي للأحداث ، ضرورة أن يتحلى المخرج برؤية خاصة و سيطرة تامة على كل جوانب الإنتاج ، و الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة .
و كما قلنا سابقا ، فإن الممارسات و الأساليب الإخراجية التي اتبعها الدوق جورج الثاني لا تزال محل التطبيق حتى الان . فالمخرج يتولى مسئوليتين أساسيتين :
1- تنفيذ رؤيته الشاملة
2- قيادة الاخرين نحو تحويل النص المكتوب الي عمل حي على خشبة المسرح.
و كي يتمكن المخرج من الاضطلاع بهاتين المسئوليتين ، فعليه أن يستقر على التأويل الذي يتبناه للنص المكتوب ، و أن يتعاون مع المؤلف ( إن أمكن )، و مصممي الملابس والإضاءة و الديكور، وكذا الفنيين في تخطيط العمل المسرحي ، و أن يختار فريق الممثلين المشاركين في العمل و يقود البروفات بإلاضافة إلي تنسيق كل هذه العناصر حتى يصل بالعمل إلي شكله النهائي .
و كي يتمكن المخرج من الاستقرار على التأويل المناسب للنص ، فإن المخرج عليه أن يحلل الاسكربيت كي يضع يده على بناء المسرحية و المغزى من ورائها. فبدون ذلك ، لن يتسنى للمخرج أن يختار التأويل المناسب.و عليه أيضا أن يستخلص الثيمة الأساسية التي تدور حولها المسرحية ،وأن يفهم جوانب كل شخصية من شخصيات المسرحية . كما يجب أن يكون المخرج قادرا على وضع تصور للجو العام للمسرحية ، و أن يكون قادرا على ترجمة هذا التصور على مستوى الديكور و استغلال الفضاء المسرحي .
و أخيرا ، يجب أن يكون المخرج قادرا على رؤية المسرحية على المستويين المادي و اللفظي .
قبل مرحلة البروفات ، يجتمع المخرج مع المصممين ( الإضاءة ، الملابس ، الديكور ....) و في هذه المرحلة ، لا يقتصر دور المخرج على شرح رؤيته الخاصة و توضيحها و لكنه يمتد للاستماع الي أفكار باقي الفنانين . وعادة ما ينتهي هذا الحوار الإبداعي بالتوصل إلي حل وسط أفضل بكثير من الرؤية الفردية الأصلية .و ذلك لأن الأفكار الإبداعية للمخرج في تفاعلها مع الأفكار الإبداعية لباقي الفنانين تنتج رؤية أشمل .
و في هذه المرحلة ،قد يكون لدى المخرج متطلبات خاصة ، و من ثم تكون هذه الاجتماعات فرصة مناسبة لطرح هذه المتطلبات على المصممين. وفي هذه المرحلة أيضا ، يجب أن يكون المخرج على وعي بنوعية الإضاءة التي تتناسب مع طبيعة العمل .
و في مرحلة اختيار الممثلين ، يجب أن يكون المخرج على وعي بالسمات البدنية لكل شخصية . فلا بد أن يتوائم الشكل الخارجي مع طبيعة الشخصية . فعلى سبيل المثال، شخصية فولستاف في مسرحية " زوجتان مرحتان من وندسور " لا يمكن أن يقوم بها ممثل نحيل .
و بشكل عام ، لابد أن يكون هناك نوع من التناغم بين الشخصيات المختلفة في المسرحية .
ففي كتابه : المسرح ، يصف روبرت كوهين بعض السمات التي يبحث عنها المخرج في الممثل في أغلب الأحوال : -
" مع الأخذ في الاعتبار المتطلبات الخاصة للمسرحية ، فإن المخرج عادة ما يوجه اهتماما خاصا لأحد أو كل المواصفات التالية : خبرة الممثل و تدريباته ، السمات الشكلية ، ملائمته لنوع المسرحية ، قدرته على تجسيد أحد شخصيات المسرحية ، سماته الشخصية و مدى تلائمها مع النص المكتوب ، قدرته على فهم المسرحية وسياقها ، الحضور المسرحي ، إنجازاته السابقة ، سلوكياته و اتجاهاته بشكل عام ، مدى تعاونه مع الاخرين ، درجة جاذبيته كشخص سيتعامل معه عن قرب على مدار الأربعة – العشرة أسابيع القادمة .
و يذكر أن مرحلة اختبار الممثلين هي أكثر المراحل استغراقا للوقت. و يحب أن يكون المخرج فيها منظما إلي أقصى درجة . في هذه المرحلة ، يختبر المخرج قدرة الممثل على الأداء في الفضاء المسرحي و الوقت . ويعرف الفضاء المسرحي "بأنه المساحة المخصصة للتمثيل و الديكورات" ، أما الوقت فيعرف بأنه "مدة العمل و ديناميكياته" . ويجب على المخرج أن يفهم الممثل الذي أمامه بدقة و أن يتعامل مع احتياجاته .
و يميل المخرجون الي اتباع خطوات معينة أثناء البروفات . في البداية ، يطلب المخرج من الممثلين أن يقرأوا النص كاملا . هذه القراءة تتيح للمخرج فرصة مناقشة رؤيته ، دوافع الشخصيات ، التأويل الذي يساعد على رؤية شخصياتهم بوضوح و فهم .
بعد ذلك ، يقوم المخرج برسم حركة الممثلين ، و يوضح لهم كيفية الدخول ، و الخروج و الأوضاع المختلفة على خشبة المسرح . و ترتبط حركة الممثل على خشبة المسرح عادة بوضع الشخصية و دوافعها .
أما الخطوة التالية ، فتتمثل في توضيح التفصيلات الدقيقة مما يساعد كل ممثل على اكتشاف الشخصية التي يؤديها . و يرتبط بهذه الخطوة تفسير الحوار الذي تقوله كل شخصية . و في هذه الأثناء ، ينشغل المخرج أيضا بالايقاع و يعمل على تحقيق تنوع في درجة السرعة . فإذا كان الإيقاع العام شديد البطء ، يؤثر ذلك بالسلب على الحدث المسرحي و يجعله مملا وكئيبا . أما إذا كان الإيقاع سريعا جدا ، فلن يتمكن الجمهور من متابعة ما يجري بسبب كم المعلومات الهائل الذي ينهمر عليهم .
و حين يتمكن كل ممثل من حفظ دوره ، لدرجة أنه يترك الورق جانبا و يسترسل في الحوار الذي حفظه عن ظهر قلب ، تدخل البروفات في مرحلة أعلى من مراحل التطور .
و مع تقدم البروفات ، يبدأ المخرج في الانتقال بالممثلين من مشهد إلي آخر مما يعطي الممثلين إحساسا بالاستمرارية و التتابع . وفي هذه المرحلة ، فإن المخرج عادة ما يبتعد تماما عن مقاطعة الممثلين و إنما يلجأ إلي تسجيل ملاحظاته على أدائهم لمناقشتهم فيها بعد انتهاء هذه المشاهد .
أما في بروفات التكنيك ، فعادة ما تظهر جميع العناصر من تمثيل ، ديكور ، صوت و إضاءة . و إلي جانب بروفات التكنيك ، هناك بروفات الملابس و المكياج .
و ينتهي عمل المخرج تماما مع أول ليلة عرض . و أفضل ما يمكن للمخرج أن يفعله حينئذ، هو أن يجلس في صفوف المتفرجين ، و يتابع معهم العرض .
أشهر المخرجين في العالم :-
آن بوجارت (الولايات المتحدة الامريكية )
برتولد برخت (ألمانيا )
لوسيان بورجيلي (لبنان)
يوجينو باربا ( الدنمارك ، ايطاليا )
بيتر برووك ( بريطانيا ، قدم معظم أعماله في فرنسا )
ريتشارد فورمان ( الولايات المتحدة الأمريكية )
جرزي جروتسكي (بولنده)
بيتر هول (بريطانيا )
نيكولاس هيتنز (بريطانيا )
إيليا كازان ( الولايات المتحدة الأمريكية )
روبرت ليبدج (كندا)
ديفيد ماميت (الولايات المتحدة الأمريكية )
فيسفولد مييرهولد (الاتحاد السوفيتي )
جوناثان ميللر (بريطانيا)
آريان مينوشكين (فرنسا)
ميكا نيكولاس (الولايات المتحدة )
آلان شنايدر (الولايات المتحدة )
بيتر سيلرز ( الولايات المتحدة )
لي ستراسبرج( الولايات المتحدة )
جولي تمور ( الولايات المتحدة )
روبرت ويلسون ( الولايات المتحدة )
فؤاد عوض (فلسطين)
أساليب الإخراج :
بشكل عام ، يمكن القول إن أي مخرج عادة ما يتبنى واحدا أو أكثر من أساليب الإخراج التالية :-
المخرج الديكتاتور :-
في هذا الأسلوب ،يكون للمخرج دور شديد الحزم ، و يسيطر على جميع عناصر العمل المسرحي . يمسك بزمام البروفات و لا يعطي للممثل أي فرصة للتعبير عن رأيه .
المخرج المتفاوض :
في هذا الأسلوب ، يركز المخرج في البروفات على الارتجال و الحلول الوسط ، مستخدما أفكار فريق العمل و الممثلين لتقديم عمل مسرحي في جو من الديمقراطية .
المخرج المبدع :
حيث يرى المخرج نفسه فنانا مبدعا يتعامل مع عناصر العمل المسرحي سواء الممثلين ، المصممين ،فريق الانتاج . يستمع هذا المخرج لآراء الممثلين، و تكون له الكلمة النهائية في تقبل بعضها دون الاخر وفي كيفية تضافر الأفكار .
المخرج المقارن :
في هذا الأسلوب ، يكون المخرج في حالة حوار متواصل و نقاش دائم مع الممثلين و فريق الانتاج حول التأويلات و القرارات. و من تبادل الاراء ، يستقر المخرج في النهاية على الشكل الأمثل .
و يستخدم عدد كبير من المخرجين المعاصرين مزيجا من هذه الأساليب ؛ في ضوء طبيعة النص ، و نوعية فريق العمل .
المصدر : لديبرا برووك
ترجمة رحاب الخياط
المقال نشر في جريدة مسرحنا (جريدة أسبوعية) .مارس 2009-
ساحة النقاش