شارك الدكتور محمد حسن عبد الحافظ مدرس الأدب الشعبي بالمعهد العالي للفنون الشعبية بالمؤتمر الثاني لـ متحدي الإعاقة الذي عقدته جامعة بني سويف يوم 2 ديسمبر 2014، مواكبًا لليوم العالمي لـ ذوي الإعاقة.

 

حمل المؤتمر عنوان  "شبابنا طاقة .. لا إعاقة"، وشارك عبدالحافظ في جلستها الأولى الرئيسية بورقة حول "رمزية الإعاقة والمعاق في الثقافة الشعبية"، أكد فيها على أهمية المدخل الثقافي في النظر إلى قضايا الإعاقة، وعلى أن الإعلام وكثير من الدوائر النخبوية تفهم صورة المعاق في الثقافة الشعبية على نحو سطحي. فالتصور النخبوي المكرَّس يتمثل في أن المأثورات الشعبية تحتشد بتعبيرات فائقة القسوة تجاه مختلف أنواع الإعاقة، غالبًا ما تطغى على أذهانهم ألفاظ المثل الشعبي الذي اطلعوا عليه بحكم التخصص: "إن شفت الأعمى دبُّه، وخد عشاه من عبُّه، ما نتاش أرحم عليه من ربُّه". ويلفت عبدالحافظ الانتباه إلى أن الوقوف عند حدود اللفظ في المثل الشعبي، دون الوعي بالمعاني والدلالات الرمزية التي ينتجها سياقات المثل عبر أفعال تأويلية، هو خطأ فادح من قبل النخب، والأفدح عندما يقع البعض في شَرَك انتزاع المثل من سياقات تداوله، حيث يُحلَّل بمعزل عن المواقف الإنسانية المعيشة (أو الافتراضية)، ويُستغرق في فهم مغزاه عبر تفسير ضيق انطلاقًا من ألفاظه، دون غوص في جوهره، وليس هذا الجوهر سوى السياقات والمواقف المتعددة والمتكررة والمتناظرة التي تستدعي المثل وتستحضره وتمنحه كينونته ووظيفته. لا ينطبق ذلك على الأمثال التي تنطوي على ألفاظ الإعاقة فحسب (وهي محدودة للغاية، قياسًا بحجم تداول الأمثال الشعبية على الصعيد العام. بل كثيرًا ما تُحاكم الأمثال من منظور الخطاب الديني السلفي، لنجد معظمها – إن لم يكن كلها – يدخل في تصنيفات الكفر أو الشرك أو الحرام أو المكروه، وكثير من الأفكار النخبوية تضع يدها على التناقضات في الأمثال الشعبية، وعلى التمييز ضد المرأة، وعلى الخضوع والإذعان وطاعة الحاكم المستبد... إلخ، حتى صار المثل الشعبي – كغيره من النتاجات الإبداعية الشعبية - مجالاً مستباحًا يُعاد فيه إنتاج الأفكار الأيديولوجية، بوصفها وعيًا زائفًا بالثقافة الشعبية وبأصحابها.

 

وطرح عبدالحافظ نموذجًا للأوصاف التشريفية التي تتمسك بها الجماعة الشعبية المصري تجاه المعاقين، والتي تتجلى بعمق واتساع في المأثور الصوفي المصري على وجه الخصوص، حيث يحتفي التأمل الصوفي بالقيمة الوجودية والوظيفية الكلية للإنسان العاجز/ المعاق، وحيث إن معاني الإعاقة عند المتصوفين ليست منحصرة في الإعاقة الجسدية الواضحة؛ إنما يطلق لفظ معاق – في المضمار الصوفي – على أصحاب الغشاوات الروحية؛ كـ المأسور، والمحبوس، والمتكعبل، والمتلجم، والمرنِّخ، .. إلخ، بينما يُوسم ذوو الإعاقات الحسية والعقلية بصفات تشريفية راقية؛ كـ كريم العين، والطيَّار، والشوَّاف، والكشَّاف، والدرويش، والمتوكل، والبركة، والطيب،.. إلخ.

 

كما أوضح عبدالحافظ الأدوار العظيمة التي أداها ذوو الإعاقة في إبداعات الثقافات الشعبية الإنسانية، فـ "هوميروس" الذي تنسب إليه واحدة من أروع النفائس الأدبية في التراث الثقافي الإنساني (ملحمتا الإلياذة والأوديسا اللتان نسج على منوالهما الشعراء فيرجيل باللاتينية ودانتي بالإيطالية وملتون بالإنجليزية ملاحمهم)، وواحدة من أهم الأساطير المؤسِّسة للحلقات الحضارية الأوروبية، المتمددة في الذاكرة الإنسانية؛ لا تكتفي الموسوعات والمصنفات بوصفه بالشاعر الإغريقي العظيم - المشكوك في وجوده، لكنه وُجِدَ بالفعل وبالقوة - بل تصفه بأنه الشاعر الأعمى، بل إن لفظ هوميروس ليس له إلا دلالة لغوية واحدة: "الأعمى". ويعزو التراث الصيني إلى بعض الموسيقيين المكفوفين نصيبًا في نشر القصائد المجموعة في المنتخبات القديمة الموسومة بكتاب شي كينج Che King. أما التراث الياباني، فيرجع ذيوع سيرة "التايرا" Taira الملحمية منذ القرن الثالث عشر الميلادي، إلى منشدين مكفوفين، وطالما عرفت اليابان برواة الملاحم المكفوفين. شبه القارة الإيبرية، ومن بعدها أمريكا اللاتينية، قامتا أكثر من غيرهما من أرجاء العالم الغربي بإعلان شأن تلك الوظيفة الغامضة التي يؤديها الأعمى؛ فمنذ القرن الرابع عشر الميلادي وكلمة ciego الإسبانية (أعمى)، قد تحورت لتشير إلى كل مغنٍ شعبي. أما في أفريقيا، فإن المنشدين الأكِفَّاء كثيرون في الكاميرون، حيث يتصور الناس أن الشعراء يدفعون كذلك من لحمهم ثمن الميزة شبه المقدسة المتمثلة في تمكنهم من الفن الملحمي. وفي الإطار نفسه، تحدث عبدالحافظ عن شاعري السيرة الهلالية المصريين جابر أبو حسين وعبدالعاطي نايل.

 

المصدر: المركز الإعلامي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 277 مشاهدة
نشرت فى 3 ديسمبر 2014 بواسطة egyptartsacademy

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,826,953