تحتفل الأوساط الموسيقية في العالم خلال هذا العام (2001م) بمرور مائة عام على وفاة مؤلف الموسيقى الايطالي الشهير فورتونينو فرانشيسكو جوزيبى فيردى الذي عرفناه في مصر باعتباره مؤلف أوبرا ( عايدة ) التي تدور أحداثها في مصر القديمة وجرى عرضها عدة مرات في أماكن أثرية فى مصر سواء في الأقصر أو عند أهرامات الجيزة بالإضافة إلى عرضها على مسرح دار الأوبرا.

وقد تأجل عرض أوبرا ( عايدة ) فى مصر عام 2000م بعد الاعلان عنها حتى يتم عرضها بصورة مبهرة خلال عام (2001) بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على وفاة مؤلفها.

تلقى فيردى عام 1869 عرضا من السلطات المصرية لكتابة أوبرا جديدة لتقديمها في الاحتفال بافتتاح قناة السويس ولكن فيردى اعتذر عن قبول العرض فقام المندوب الذى كان يفاوض الموسيقار الكبير نيابة عن السلطات المصرية بمعاودة الاتصال به وأعاد العرض مرة أخرى وطلب منه الا يبدى رأيه سوءا بالقبول أو الرفض الا بعد قراءة القصة ، أرسل كامى دى لوكل مندوب السلطات المصرية إلى مؤلف الموسيقا الايطالي الكبير جوزيبى فيردى ملخصا للقصة في شهر ابريل عام 1870 وحتى يزيد دى لوكل من حماس فيردى لقبول هذا العمل افهمه أن مؤلف القصة هو شخصية مصرية سامية وعلق فيردى فى احد رسائله على هذا الموضوع فقال " لقد كان موضوع القصة جيدا جدا ، ولذلك فاننى لم اصدق أن هناك شخصية سامية تستطيع ان تكتب مثل هذا العمل وقد تحقق ظني ، وثبت ان القصة كانت بقلم احد علماء الآثار المصرية القديمة ومستوحاة من حادث في التاريخ المصري القديم كشفت عنه الحفريات في منطقة منف.

وقبل فيردى كتابة الأوبرا وكانت الشروط المعروضة عليه شروطا مغرية ووافق أن يكتب الأوبرا مقابل مائة وخمسين الفا من الفرنكات وان يكون له حقوق استغلال الأوبرا في جميع إنحاء العالم فيما عدا مصر ، وتولى انطونيو جيزلا نزونى الصياغة الشعرية للنص الذي كتبه دى لوكل ...وأثناء أعداد النص الشعري لأوبرا ( عايدة ) كان فيردى دائم الاتصال بماريت بك العالم الاثرى ليستوضح منه الحقائق التاريخية حتى تظهر ( عايدة ) بالشكل اللائق ، ولم يستطع فيردى الانتهاء من أوبرا عايدة فى الموعد المحدد لعدة أسباب أهمها تدقيقه فى فحص الحقائق التاريخية بالاضافى إلى عدم التمكن من الحصول على اغلملابس والمناظر التي صنعت خصيصا للأوبرا في مدينة باريس وذلك بسبب الحصار الذي ضربته القوات البروسيه على العاصمة الفرنسية ، وعند افتتاح دار اوبرا القاهرة ( القديمة ) فى مساء السابع عشر من نوفمبر عام 1869 تم تقديم أوبرا ( ريجوليتو) من مؤلفات  فيردى ايضا بدلا من أوبرا عايدة فقد عرضت لأول مرة بمدينة القاهرة على مسرح دار الأوبرا في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1871 ، وأوبرا عايدة من الوجهة الفنية عرض مسرحي هائل يشتمل على كل الصفات الاستعراضية وهى تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام في تطور أسلوب فيردى وتفوق كل أعماله السابقة بما فيها من استعراضات فخمة.

وألان نلقى بعض الأضواء على حياة فيردى واهم أعماله ، ولد جوزيبى فيردى في العاشر من أكتوبر عام 1813 في قرية لورنكول أحدى قرى دوقية بارما بايطاليا ، وقد نشأ فيردى في بيئة ريفية متواضعة فقد كان أبوه كارلو فيردى مشرفا على فندق القرية الصغير وفى نفس الوقت كان يدير الحانوت الوحيد بالقرية وفى طفولته احتلت القوات النمساوية ايطاليا وحملته أمه واحتمت بكنيسة القرية ونجا فيردى بأعجوبة من الفظائع التي ارتكبتها القوات الغازية وقد ظهرت مواهب فيردى الموسيقية في سن مبكرة وعزف على اورغن الكنيسة في القرية فتكفل التاجر الثرى انطونيو باريدزى بمصاريف تعليمه في مدينة ميلانو وقد تزوج فيردى فيما بعد بابنته مارجريتا – وفى عام 1832 تقدم فيردى للالتحاق بكونسيرفتوار ميلانو وكان عمره آنذاك تسعة عشر عاما وتعهد بدفع المصروفات كاملة وطالب إن يعامل بالمادة العاشرة من قانون المعهد والتي تسمح بقبول طلبه اكبر من السن المسموح به ( وهو أربعة عشر عاما ) إذا ظهرت مواهبهم الموسيقية واضحة ولكن المسئولين في المعهد رفضوا طلبه نظرا لكبر سنه وضعف مستواه في عزف الة البيانو ورأوا انه لا داعي لإعفائه من شرط السن ، هذا كان رأى المسئولين عن كونسيرفتوار ميلانو في مواهب فيردى الموسيقية وكان يمكن لهذا الرأي لن يقضى عليه تماما ولكن راعيه الذي كان واثقا في قدراته الموسيقية قرر ان يبقى فيردى في مدينة ميلانو وان يتلقى دراسة خاصة خارج نطاق المعهد.

ونتيجة لذلك زادت النفقات التي كان عليه ان يتحملها ولكن ثقته التي لا حدود لها في مواهب فيردى الموسيقية هي التي أرغمته على القيام بهذه التضحية ودرس فيردى على الأستاذ فنشينزو لافينيا الذي كان موسيقيا من الطراز الأول وأحسن رعاية الشاب وتعليمه ، واستمر فيردى في دراساته بميلانو لمدة عامين وبعدها عاد إلى مدينة بوسيتو حيث واصل دراساته الموسيقية وفى الوقت نفسه اشرف على النشاط الموسيقى في المدينة وأتم أوبراه الأولى روشيستر – وهى مفقودة الان – وفى عام 1836 تزوج مارجريتا ابنة راعية انطونيو باريدزى ، وفى عام 1838 ماتت ابنته فيرجينيا وفى العام التالي مات ابنه في الثاني والعشرين من اكتوبر ، وفى السابع عشر من نوفمبر 1839قدمت اوبراه ( اوبيرتو ) ولاقت نجاحا كبيرا وفى الثامن من يونيو عام 1840 ماتت زوجته الحبيبة مارجريتا فهدته الكارثة وفكر فى التوقف عن التأليف الموسيقى ولكن بعد الحاح من متعهد حفلاته قرأ موضوع ( نابوكو ) الذي يروى صفحة من حياة ملك بابل ، وفى التاسع من مارس عام 1842 عرضت أوبرا ( نابوكو ) بمدينة ميلانو على مسرح لاسكالا وحققت نجاحا ساحقا لم يسبق له مثيل حتى أنها جعلت من فيردى أكثر المؤلفين الموسيقيين الايطاليين الشبان أهمية.

وهكذا انطلق فيردى في طريق النجاح  وفى عام 1849 اشترى فيردى مزرعة في سانت اجاتا بالقرب من مدينة بوسيتو والتى كان يعود إليها كلما سمحت الظروف وكان الجو السياسي في ايطاليا في القرن التاسع عشر حساسا حيث كانت الحركة الوطنية تسعى الى تحقيق استقلال البلاد ، وطرد قوات الاحتلال النمساوية وكان فيردى متعاطفا مع الحركة الوطنية مما سبب له الكثير من المتاعب مع الرقابة حيث كانوا يعتبرون اى أعمال وطنية يقصد بها التعبير عن الوضع الراهن ، وفى عام 1859 تزوج فيردى من مغنية السوبرانو جوزيبينا ستريبونى ، وفى عام 1860 وبعد أن تحقق استقلال ايطاليا ، انتخب فيردى عضوا فى أول برلمان ايطالي بعد الاستقلال ، وواصل فيردى كتابة مؤلفاته وتحقيق نجاح بعد نجاح حتى أصيب بنوبة قلبية فى الحادى والعشرين من يناير 1901 أثناء انهماكه في ارتداء ملابسه في احد فنادق مدينة ميلانو حيث كان قد توجه إليها لقضاء عطلة عيد الميلاد مع أصدقائه وقاوم فيردى المرض مدة ستة أيام توفى بعدها الساعة الثانية والنصف من صباح السابع والعشرين من يناير عام 1901 عن عمر يناهز ثمان وثمانين عاما ، وعندما أعلن خبر وفاته أصيبت الجماهير الايطالية بالذهول ودعي مجلس الأعيان لعقد جلسة طارئة للبحث فى أمر تكريم الموسيقار الراحل وشيع جثمانه إلى مثواه الأخير أكثر من مائة ألف شخص من سكان ميلانو ودفن في المعبد الصغير الملحق بدار الموسيقيين المسنين التي كان فيردى قد شيدها على نفقته الخاصة عام 1895 ونقل كذلك جثمان زوجته جوزيبينا ودفنت الى جواره .

ويمكن القول بأن فيردى قد تطور بالموسيقا المسرحية الايطالية تطورا كبيرا واستطاع أن يجعل الأوبرا الايطالية عملا فنيا متكاملا ، وتطور فيردى بالفكر الايطالي ومع ألحانه أحس الشعب الايطالي بمعنى الحرية ومن ابرز مؤلفات فيردى نذكر أوبرات : ( اوبيرتو – نابوكو – هرنانى – جان دارك – ماكبث – اللصوص – بيت المقدس – القرصان – لويزا ميللر – ريجوليتو – الترفاتورى – لاترافياتا – حفل رقص تنكرى – قوة القدر – دون كارلوس – عايدة – عطيل – فالستاف ).

وفيما يلي نقدم ملخصا لأوبرا ( عايدة ) التي استطاع فيردى أن يجعل منها عرضا مسرحيا هائلا يشتمل على كل العناصر الاستعراضية ، هذه الأوبرا تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام في تطور أسلوب فيردى وفاقت كل أعماله السابقة جميعا بما فيها من استعراضات فخمة ، ولعل موضوع الأوبرا الذي يدور في مصر القديمة ومحاولة فيردى تصوير تلك البيئة فتح أمامه أفاقا  جديدة لتطوير أسلوبه في الكتابة للاوركسترا ولأول مرة نرى في مؤلفات فيردى فى تصويره للبيئة المحلية الى استخدام الإيقاعات الغربية او الألحان الشرقية مثلما فعل بوتشينى فى أوبرا ( مدام بترفلاى ) والذي استعان فيها ببعض الألحان الشرقية الأصيلة ، ولكن فيردى اعتمد على الامتزاج بين الموسيقا والمناظر الفرعونية فى خلق الجو المصري القديم.

وقد جاءت أوبرا عايدة في أربعة فصول وسبعة مشاهد وقدمت لأول مرة كما قلت على مسرح دار أوبرا القاهرة فى الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1871 وتولى قيادة الاوركسترا جافانى بوترينى.

الفصل الأول

المشهد الأول

فى بهو القصر الملكي بمدينة منف  تستهل الأوبرا بتمهيد اوركسترالى قصير جدل ، وترتفع الستار عن البهو الكبير بالقصر الملكى بمدينة منف ويفهم من الأحداث ان القوات الحبشية قد تحاول اجتياز الحدود المصرية ويقدم الكهنة للقرابين للإلهة ويعلن رامفيس كبير الكهنة بأنه سيجرى اختبار القائد الجديد للجيش المصري الذى سيقاتل الاحباش ، ويتمنى راداميس ان يكون هو القائد المختار لان انتصاره فى المعركة سيمكنه من الفوز بالزواج من ( عايدة ) جارية امنيريس ابنة فرعون مصر والتي كانت بدورها مولعة بالضابط الشاب وتحاول جاهدة معرفة حقيقة شعوره نحو جاريتها ( عايدة ) ونحوها ، ويدخل فرعون وحاشيته ويحضر رسول معلنا بأن الأحباش قد عبروا الحدود فعلا ، ويقرر فرعون مصر اختيار راداميس قائدا للجيش وكلمة الأحباش في الأوبرا لا تشير إلى سكان الحبشة ولكنها تعنى سكان البلاد التي يفصلها عن مصر شلالات نهر النيل.

المشهد الثاني

في معبد ايزيس

تجرى الاحتفالات بتنصيب راداميس قائدا للجيش ويفيض هذا المشهد بالألحان والترانيم التي تنشدها المجموعة وتبرز خلال هذا المشهد الألحان التي تقدم بمصاحبة من الة الهارب ومن الاوركسترا .

الفصل الثاني

المشهد الأول: داخل حجرة امنيريس تنفرج الستار عن امنيريس ابنة فرعون مصر تحيط بها نساء البلاد وهن يحاولن الترفيه عنها بالغناء والرقص بينما هي تفكر فى راداميس وحبها له ويجول بخاطرها أن تستدرج جاريتها ( عايدة ) لعلها تعرف منها حقيقة شعورها نحو راداميس وتخبرها بأنه قد قتل فى المعركة ثم تعود وتنفى لها الخبر مباشرة وتتمكن امنيريس بهذه الحيلة من التأكد من حب ( عايدة ) لراداميس ويعتبر الحوار الثنائي بين عايدة وامنيريس من أجمل ما أبدعته عبقرية فيردى.

المشهد الثاني : عند أبواب طيبة

يعتبر هذا المشهد من ابرز مشاهد الأوبرا وهو مشهد استعراض موكب النصر حيث يتم الاحتفال باستقبال الجيش المصري المنتصر وقائده راداميس ومن خلفه تمر صفوف الأسرى ومن بينهم اموناصرو ملك الأحباش وفى نشوة النصر يقدم فرعون يد ابنته للقائد المنتصر ولا يستطيع راداميس الرفض وينتهى المشهد بأن يطلب راداميس من الإلهة العون ليبقى على حب عايدة.

الفصل الثالث

المشهد : على ضفاف النيل

والفصل الثالث عبارة عن مشهد واحد تدور أحداثه على ضفاف النيل حيث تتوجه امنيريس الى المعبد لتقضى فيه الليلة الأخيرة قبل الزفاف ، وتفاجأ بسماع حديث يدور بين عايدة وأبيها وهو يحرضها على انتزاع بعض الأسرار الحربية من راداميس الهرب معها غالى الحبشة ، وتفاجئ امنيريس الجميع وتنذر بإشارة الخطر ويقبض الجند على راداميس وتهرب عايدة.

الفصل الرابع

المشهد الأول : قاعة بالقصر الملكي

تبدو امنيريس حزينة لخيانة راداميس ولعلمها بأن مصيره هو الحكم عليه بالموت جزاء خيانته وتحاول امنيريس ان تجعل راداميس يعدل عن حبه لعايدة وتخبره بأنها فى هذه الحالة ستتدخل لإنقاذه ولكن راداميس يرفض هذا العرض.

المشهد الثاني : فى المعبد

وفى هذا المشهد الأخير يقسم المسرح الى طابقين حيث تدور فى الطابق العلوي مراسم وطقوس دينية لتنفيذ الحكم بإعدام راداميس وتحضر امنيريس هذه المراسم وهى بثوب الحداد .

أما في الطابق السفلى فأننا نجد راداميس داخل القبر الذي سيدفن فيه حيا وتتسلل عايدة إلى القبر ويتبادل الحبيبان الحوار لأخر مرة في الثنائي الختامي ( وداعا حياة الحزن والبؤس )ويسدل الستار حيث تنتهي الأوبرا.

 

بقلم/ د. زين نصار

المصدر/ مجلة المسرح

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,831,406