**الهزيمة، البشر، المكان:
اصبح السامري الان في الشارع تماما كالبلد كلها ، نكسة 1967م كانت حدا فاصلا لأشياء كثيرة تقلصت عدد فرق مسرح التليفزيون واغلقت فرق المسرح العالمي والتي كان ينتمي لاحداها ، ابوابها ، وتم توزيع فنانيها علي فرق اخري كفرقة المسرح الحديث وفرقة المسرح الاستعراضي ، فقضي السامري ما يزيد علي العام متنقلا بينهما لم يتحدد له اتجاه بعد لقد تعرف علي تيارات الاخراج العالمي المختلفة وعلي بعض نصوص المسرح العالمي ولكن هذه المعرفة له ولغيره لم تستطيع ابعاد الهزيمة لقد كان الجميع يعلق كل الآمال علي جمال عبد الناصر ، وبسقوط هذه الآمال سقطت ايضا فكرة المخلص الفرد انها لحظة فاصلة ما بين فهم وفهم اخر صدمة قاسية وزلزلة عنيفة تفكك الشخصية المصرية والعربية ايضا وتعيد البحث عن تعريف لها والمسرح سيد من يفعل ذلك ،لذا فقد بدأ يعيد ترتيب اوراقه بدأت افكار الخلاص البطل الجمعي الاقتراب من الناس البحث عن الاسباب وخاصة اسباب الهزيمة بدأت اسئلة المرارة وبدا الوجع يؤرقنا ظهرت فنون المقاومة واغانيها ، مسرح المقهى ظهرت ايضا دعوات يوسف ادريس لنحو مسرح مصري ولان النزعة كانت عروبية لذا فقد تحول الاسم الي نحو مسرح عربي واحدثت هذه الدعوي ضجة كبيرة في الوسط المسرحي آنذاك ايضا ساهم د0 علي الراعي برصده للظواهر الاحتفالية وتوفيق الحكيم في دعاواه التأصيلية ساهما في وضع تعريف جديد لشخصية ولشخصية المسرحي الاتجاه كله ، والسياق العام كان يحث الجميع علي التجاوز ، التماسك ، البكاء معا ،السير معا ، الاحباط معا ، وبالرغم من كل ذلك لم تستطيع هذه الدعاوي ان تخلق تيارا مسرحيا فلم يتأثر بها الا القليلين تأثر بها السامري مثلا ومعه نجيب سرور وهما ومن علي شاكلتهما لديهم الميل الطبيعي لمثل هذه الدعوات التأصيلية لأنها اتية كامتداد طبيعي لمكوناتهم الثقافية فالسامري من قرية الصنافين بجوار منيا القمح بالشرقية وسرور من قرية اخري " اخطاب الدقهلية " ولكنها لم تؤثر كثيرا في الاخرين.
وربما يكون كتاب نحو مسرح عربي هو اول دراسة نقدية يقرأها السامري ليضيف عبرها رافدا جديدا لثقافته التي تشكلت مفرداتها السابقة من التعلم عبر الاحتكاك الرؤية ،التأمل ،المعايشة، 0000 وهي ما فتحت له بابا علي مواضيع ودراسات اخري متشابهة 0000الان السامري ومعه سرب طويل من المسرحيين يقفون امام بوابة عريضة منقوش عليها الاف الاسئلة :من نحن ،ماذا حدث ،لماذا حدث هذا المسار ، والامر هنا لم يكن خاص بمجموع المسرحيين في القاهرة بل كان كذلك في ربوع مصر كلها وفي سوريا ايضا وقف سعد الله ونوس ليعلن مثل هذه التساؤلات في حفلة سمر من اجل 5 حزيران وغيره في كثير من البلاد العربية الأخرى الاردن ،فلسطين ،لبنان 0000
نقطة فاصلة اخري في حياة السامري انت بالصدفة اليه لنها صادفت هوي داخلي وجاءت كامتداد طبيعي لهذا المكون الثقافي المسئول عن تشكيله لقد كلفه سعد الدين وهبه وكان وقتها مديرا لجهاز الثقافة الجماهيرية كلفه بتكوين فرقة الحي الشعبي بوكالة الغوري بمنطقة الحسين الشهيرة 0
كانت الثقافة الجماهيرية آنذاك في عام 1968م تذخر بمجموعة كبيرة ومهمة من اهم رجالات الحركة المسرحية فعلي راسها سعد الدين وهبة ويوجد المخرج حمدي غيث كأحد قياداتها بجانب اسماء اخري من مثل :الفريد فرج ، محمود دياب ، حسن عبد السلام ، علي الغندور، وقد ساعد ذلك علي استقطاب عدد اخر من شباب مخرجي المسرح ومتمرديه لقد اخرج وقتها سمير العصفوري لفرقة بنها وعبد الغفار عودة لفرقتي الدقهلية وبني سويف ، فهمي الخولي لفرقة البحيرة ، سيد طليب للفيوم ، محمد سالم للمنوفية ، هناء عبد الفتاح لدنشواي ، ومعهم ايضا عبد العزيز مخيون ، حافظ احمد حافظ ، اميل جرجس عباس احمد ، احمد عبد الهادي ، شاكر عبد اللطيف ، رؤف الاسيوطي 000
والقائمة طويلة ومن المؤلفين : خرج ، دياب ، وحيد حامد ، نبيل بدران ، يسري الجندي، ابو العلا السلاموني ، سمير عبد الباقي ، يعقوب الشاورني....
هذه هي الصورة العامة لخريطة المسرح المصري في الاقاليم آنذاك...
اما الصورة التي تخص السامري داخل عالمه الصغير في حي الحسين والذي كان يذخر كما هو حتي الان بألوان ومشارب مختلفة من البشر انه يجمع ما بين الفلاحين ، الصعايدة ، القاهريين ، السواحلية وما بين تجار المخدرات ، العواطليه ، المثقفين ، الموظفين ، التجار ، اصحاب الحرف ، مجاذيب الحسين 000 يجمع ايضا معمار المنطقة ما بين الفن الاسلامي والعمارة الغربية عبق الماضي وحداثة الراهن آنذاك تركيبة غريبة جمعت البشر بالمكان في مزيج حياتي نابض بالصخب ومدهش بالنسبة لأى فنان فهو يشعر وكأنه يتحرك داخل لوحة فنية ، المشهد الحسيني بالباعة الجائلين ، التحف ، المزارات ، المقاهي ، طوائف البشر ، البازارات ، تعدد صور الملابس الطراز المعمارية ، الالوان كل ذلك يحيل الموضوع كله الي حالة فنية ومسرحية قادرة علي التنفس وعلي التحرك...
والسامري داخل هذه الصورة مشدودة من اطرافه الاربعة ومعلق في فضاء المشهد تارة تجده يتناول افطاره علي احد المقاهي التي تطل علي مسجد الحسين وتارة اخري يدور داخل الشوارع الصغيرة والضيقة المجاورة للمسجد او يجلس علي ارضية صالة وكالة الغوري متأملا ما يفرضه عليه طابع المكان المعماري والتاريخي فالوكالة كانت قديما مكانا لإقامة التجار الوافدين الي القاهرة كان صحنها مخصص لبضائعهم وبعض مواشيهم اما ادوار الوكالة الثلاثة بحجراتها الكثيرة فكانت مخصصة لإقامة التجار انشأت في العصر المملوكي اقامها السلطان الغوري في القرن التاسع الهجري
وزيارات السامري المتكررة للوكالة ومعايشته للبشر وللأماكن الهمته الفكرة الجديدة لقد تعلم علي مدار الخمس سنوات الماضية علي يد كبار المسرحيين والذين اتي معظمهم من البعثات وجاء ليكون فرقة مسرحية بعنوان فرقة الحي الشعبي وفي وكالة الغوري فهل يقدم لهم ما تعلمه ام يفكر في صيغة جديدة تناسبهم اكثر هل يناسبهم مسرح العلبة الايطالية الذي عمل عليه كمسرح الجمهورية بعابدين ومسرح دار الاوبرا الملكية القديمة بالعتبة والتي احترقت وتحولت الي جراج الان ماذا يقدم ؟ تحول هذا السؤال الي عشرات الاسئلة الي ان هداه تفكيره الي الاجابة
موت ناصر 0000 والموروث الشعبي
المصدر : جريدة مسرحنا العدد : 103
بقلم : ابراهيم الحسيني
بتاريخ : 29 يونيه 2009
ساحة النقاش