**جماليات ليمان تهدف الى خلق الموقف الذى يتخلى فيه المتلقي عن مشاعر الخوف
**اللغة تتحد عندما ينطقها الممثل ويتشجع المتلقي لأخذ كل العلامات الدالة
يساهم الممثل في السرد والدراما بغض النظر عن هدف المؤلف ،فالممثل في رأى علامة ايقونية لا تجسد فقط افكار النص الدرامي بل تبتكر ايضا واقعا له ابعاد جديدة ،وقد نقل المسرح الرمزي المبادئ المجازية الموجودة في العرض الذى يتم تنقيته من خلال جماليات المخرج ، وبذلك يهدم شرعية اساليب التمثيل الطبيعي وقد ناضل "فيسفولد ميير هولد" لتطوير طريقة في التمثيل وهبت نفسها لهذا النوع الجديد من الاداء ،فباستخدام اساليب السيرك والكوميديا دى لارتى سعى " ميير هولد " لابتكار نسق تمثيل تصويري يمكن ان يستخدمه الممثلون بأسلوب منتظم ويفسره المتلقي وكان نتيجة ذلك هو الاسلوب الذى يسمى "البيوميكانيكية" ويبدو ان بعض منظري المسرح قد ذهبوا الى ابعد من مجرد اثارة مشاعر المتلقين وايقاف تفكيرهم فمثلا تهدف جماليات " ليمان " الى خلق الموقف الذى يتخلى فيه المتلقي عن مشاعر الخوف والقلق التي يرتد خلالها الى خوائه.
والشيء الاكبر من هذا التقييم الميتافيزيقي هو مفهوم "ليمان" للمسرح بعد الدرامي "postdramatic theater" الذى يعد تعليقا ضروريا على التفسير التقليدي المحدود للنص الدرامي ،اذ يوضح "ليمان" حتمية توسيع مفهوم النص ومجال تطبيق علم السرد ،لان تفسير كل اشكال الرقص والمسرح الهجين الذى تمتزج فيه وسائل الاتصال مع فروع العلم الاخرى ،لم يعد ممكنا باستخدام ادوات الفن الدرامي والسرد التقليدي.
في نقده لأعمال الكاتب المسرحي الألماني "هاينز موللر" طور "لوك فان دين ديرس" تعليقا على النظريات الموجهة للعرض المسرحي نموذجا ديناميا وصيغة متناغمة في التحليل ،اذ اخذ في اعتباره خصوصية العلامة المسرحية وفى هذه الصيغة اشار الى الفاصل الثلاثي الطبقة بين تحليل الاداء الفعلي وتحليل العرض – الذى يمكن ان يوضع في مستوى الاداء المقصود وتحليل تلقى المشاهدين حيث يتم تذويب هؤلاء الثلاثة في صياغة واحدة هي تحليل المنتج المسرحي في سياق التفاعل مع المناخ الاجتماعي والثقافي . وبالنسبة لــ"فان دين ديرس"
فإن خصوصية التفاعل المسرحي هي النتاج الفوري للمكانة المزدوجة للمثل الذى يؤدى وكانه "هوية للانا " و"هوية للدور الذى يلعبه" وعند التعامل مع هذه الهوية المزدوجة ،لابد ان يعتاد المتلقي على السيطرة على الممارسة الاجتماعية الرمزية التي يجب ان تكون عقدا اجتماعيا مزدوجا ،انه اتفاق يعتمد بشكل عام على السياق الذى يحدث فيه الاداء والتلقي ،المسرح اذن يجب ان يعد مجالا لتقديم التفاعل الإنساني في عملية مشتركة يتم تنفيذها بواسطة كل من الممثل والمتلقي والتي يمكن في سياقها ان نعتبر ان كلا الطرفين منتج ومنتج للأخر.
ويرى " باتريس بافيز" ان اللغة تتجسد عندما ينطقها الممثل بمعنى ان ما ينطقه الممثل يصبح تمثيلا لشيء مساو له بشكل مفترض وفى العروض الطبيعية يتم تشجيع المتلقي على اخذ كل من العلامات اللغوية والعناصر التمثيلية الاخرى باعتبارها مناظرة مباشرة للأشياء التي تشير اليها.
ومن منظور سيميوطيقى فإن فعل الاداء الذى يشير الى الواقع هو دلالة خالصة فعندما يؤدى الممثل على خشبة المسرح فإنه يقوم بتفعيل الحاجة القديمة عند الانسان لمشاهدة اداء ذي تحول ميتافيزيقي لعلامات واشياء داخل اطياف المعاني والمشاعر وبهذه الطريقة يكتسب الممثل قوة الواعظ ويمكنه بعث العالم من جديد ولا يهم كثيرا ما الذى يؤديه الممثل وكيف ،فعندما نتحدث عن اداء الممثل نقحم كلمات عاطفية مثل " رائع – ساحر – مذهل " وكل هذه الامور تتعلق بالجانب العاطفي في صياغة الرسالة.
فالفن شكل نقى ولا يوجد في الحياة شيء له شكل او مضمون نقى ، ففي العمارة مثلا لا يكرر الخط البسيط الطبيعة ،انه التناغم الاصيل بين الافكار والواقع المحيط وفى الموسيقى لا تولد النغمة المتفردة اصوات الطبيعة بشكل شفاهي ،فالصوت في الموسيقى يمر خلال الروح قبل ان يتلاشى وفى الفنون التشكيلية لا يمكن ان تعكس اشد اللوحات واقعية العالم الحقيقي ،فإما ان تكون القصة متماسكة او الشخصيات متماسكة او ان الصورة تعبر بطريقتها الخاصة عن الحياة الروحانية للموديل او الرسام.
كما ان السينما ليست النظير النقي للواقع لأنها اختارت من بين عدد من المؤلفين واعدتها خطتها للمرئي بطريقتها الذاتية في النهاية ،وفى الفنون المتعلقة بالمناظر scenic arts فإن عملية الدلالة يجب ان تتضخم لأنها تختلف تماما عن سابقتها وهى مهمة لأن هناك رسالة يتم انجازها من اجل المشاهدين وليس فقط الجزء الخاص بالكلمات والجمل المأثورة التي سوف تثير الاعجاب الفوري ثم تنسى تماما قبل ان ينتهى العرض المسرحي.
ومن الممكن تحقيق تأثير كلى شامل لمشهد او افكار الشخصية من خلال نسق محكم ومتطور من الرمزيات المؤثرة والنماذج التصويرية المشاركة في فعل التركيبات والتكوينات البصرية – سواء كانت تمثل الحياة الداخلية للشخصية او سواء كانت امثلة ونماذج تم جمعها بدقة من الواقع لكى تؤثر في الخطاب.
وبالطبع يجب ان يتزامن هذا الفعل تماما مع طريقة تفكير المؤلف ان كان المؤدى هو تجسيد لتشخيص المؤلف ،وقد لا يتساوى مع الروايات الدقيقة بل يتساوى مع الاحتمالات التي يحض عليها النص من اجل الوصول الى ادق انعكاس مرئي او محسوس.
ولأن جوهر الفن في خصوصيته فإنه يعيش في القيمة اطول من الكم ،ان له اهمية اكبر في الوجود المشترك فضلا عن الذوبان – فمثلا لا يمكنك ان تكون شاعرا متميزا اذا كان شعرك مماثل لشعر شخص اخر – حتى لو كان هذا الشخص مرموقا وعندما نكتب ونلتقط الصور ونرسم او حتى نلعب فأننا نؤدى افعالا متاحة للموهوبين مثلما هي متاحة لأى شخص اخر ولكن ما يتم اداؤه بواسطة المؤدى المتمكن قابل للتمييز فورا لتفرده الذى يكمن غالبا في مجال الحواس التي لا مفر من استخدامها في هذه الحالة بينما يندفع الفهم العقلاني الى الخلفية ويتحقق الاتقان من خلال التمارين التي لا نهاية لها خلال فترة التعلم والملاحظة والتكرار.
وسعيا وراء الاتقان يطور الممثل موهبته عبر التشكيل ،لان تحت سيطرته كل امكانياته الانسان والنبات والحيوان فالمحاكاة تعرف التماثل الذى يذهب الى ابعد من مجرد التشابه وهو له علاقة حقيقية بين الممثل والكائن الذى يمثله والاساليب القديمة في الديانة الشمانية shamanism لها علاقة وثيقة بالفكرة والنقيض هو المساحة الداخلية للمؤلف – وهى الصمت فهناك نظرة مركزة على العالم والقدرة على اعادة تقديم الشيء المتأمل في شكل جديد ،وعندئذ يدرك ويتجسد في شكل ممكن ادراكه – وهو الشكل الذى يفهمه الجميع والمتلقي ينحدر ولا يمتهن بل تجذبه الرسالة.
ومن خلال التناغم المتجسد بين الارض والسماء وبين المادي والغيبي ( الطبيعي وفوق الطبيعي ) وبين النور والظلام وبين الفرح والحزن وبين المفهوم والغامض يحقق الممثل حالة من النشوة ويجلب البهجة لمتلقيه.
فأبداعه مماثل لتفجر النور- الوميض الخاطف فالممثل هو حارس النار المقدسة التي تصرخ داخل البشر ولكى يكون مفهوما ولا يبقى طويلا امام هاوية لا يعرفها او امام زحام صامت فلابد ان يقف المتلقي في الجانب الصحيح ويتحمل ولكن يمكن ان يحدث هذا فقط عندما يكون لدى المتلقي:
1- الخلفية العامة للمعرفة
2- المعرفة التقليدية المتعارف عليها
3- المعرفة المتعلقة بهذا الامر ( المسرح ) التي تكتسب اثناء التطور الزماني المتتابع للعرض المسرحي
فالممثل يبرز لنا الطيب والشرير على حد سواء ولا يؤكد على أي منهما تماما لعلمه ان هذا يمكن ان يجعله يفقد المصداقية والحقيقة فأولئك الذين يقلدون ويتبعون مجموعة من القواعد ليسوا الا اجساما عاكسة.
تأليف/ نادين يوتوف
ترجمة/ احمد عبد الفتاح
المصدر/ جريدة مسرحنا
12سبتمبر2011
ساحة النقاش