**الشباب يرسمون صورة جديدة للمستقبل

قليلة هي التجارب المسرحية الجديدة والمتميزة في نفس الوقت .. ومسرحية "هنكتب دستور جديد" إخراج مازن الغرباوي والتي تعرض حالياً على خشبة مسرح ميامي بوسط القاهرة. من إنتاج فرقة مسرح الشباب واحدة من هذه التجارب .. فمن المعتاد ان يجلس المتفرج على احد كراسي صالة العرض ليشاهد عرضاً مسرحياً لفرقة ما .. اما أن يتطور دور هذا المتفرج ليشارك في العرض المسرحي .. بل ويشكل ويختار المشاهد واللوحات التي تروق له .. فهذا هو الشيء الجديد الذى يقدمه مازن الغرباوي في عرضه .. فهو يدعو مشاهديه كل ليلة ليكونوا جزءاً فعالاً في العرض..

تبدأ المسرحية أو الدعوة المسرحية كما يحب أبطال العمل أن يسموها بمجموعة شباب يخاطبون الجمهور ويشركونهم في الحدث المسرحي.. يفكرون في ماذا يمكن ان يقدم على خشبة المسرح بعد ثورة 25 يناير يحدث هذا من خلال تجسيد بعض المشاهد الكوميدية بين مجموعة العمل .. ثم بعد ذلك يسقط عليهم كتاب من مكان ما .. عندما يمسكون به يكتشفون أنه الدستور .. فتظهر هنا الفكرة .. ويقول أحدهم إيه رأيكم نكتب دستور جديد؟؟! ثم تبدأ المسرحية وهى عبارة عن لوحات منفصلة يضعون من خلالها تصور لما يأملون أن يكون عليه الدستور الجديد القائم على الإنسانيات وكفالة حرية التعبير وتأمين حقوق المرأة وحرية الإبداع والارتقاء بالسلوكيات العامة والاخلاق ويقدم العرض دعوة مسرحية لتطبيق هذا الدستور بين أفراد المجتمع على مستوى المعاملات بينهم.

اعتمد المخرج على إعطاء مساحة لكل ممثل وممثلة ليظهر من خلالها موهبته في كل لوحة .. والعرض هو نتاج ورشة ارتجالية .. صاغها بحرفية في قالب مسرحي المؤلف والدراماتورج محمود جمال .. كما يتم تخصيص جزء مفتوح لاشتراك الجمهور مع فريق العمل.

وبعيداً عن أننا اليوم نشهد العديد من العروض التي تتحدث عن الثورة والتي في الغالب ما تكون مستهلكة أو غير ناضجة فإن "هنكتب دستور جديد" أبتعد تماماً عن تأريخ الثورة .. وناقش سلوكيات الشعب نفسه في قالب كوميدي .. فظهر كعرض يجارى هذه الفترة الزمنية التي تعيشها مصر .. ولكن في ثوب جديد .. جذب المتفرج حتى الدقائق الأخيرة من العرض..

ولعل اللافت للنظر هو الصدق .. الذى كان هو سمة أداء المجموعة كلها فقد كان من الممتع أن نشاهد الأداء المتميز لمجموعة الممثلين (أحمد، سمير، محمد يوسف، محمد جبر، نجاح حسن، سارة إسماعيل، رحاب رسمي، سحر إبراهيم، محمد مهران، حنان عادل، أحمد خالد، سمر نجيلى، محمد حمامصى، نور الهدى، وبالطبع عازف الكمان والممثل إسلام خليفة).. فكلامهم وحركاتهم وحتى سكناتهم كانت دائما صادقة .. نابعة منهم وليست مستعارة أو صناعية .. فقد كانوا يخرجون ويدخلون فى شخصيات مختلفة ولكنها كلها تشبهنا وتشبههم..

فمثلا قامت الممثلة نجاح حسن فى أكثر مشاهد المسرحية بدور فتاة ليل .. ولكنها فاجئت الجمهور بأداء متميزا وشديد العذوبة فى المشهد الذى جسدت به دور أم .. سافر ورحل عنها كل أولادها لتبقى هى وحيدة .. تبكى على هؤلاء الأولاد .. فى إشارة واضحة لمصر التي كان يتركها خيرة الشباب للبحث عن فرصة عمل بالخارج .. لم تكن نجاح وحدها المتميزة فى هذا المشهد بل زاده شاعرية وشجن الأداء المتميز لسمر نجيلى التى كانت طوال العرض تتلون ما بين الأداء الكوميدي والحزين .. اما محمد جبر فكان يتمتع بقدرا كبيرا من خفة الدم وحرفية تقمص حالات مختلفة طوال العرض .. يشبهه فى ذلك محمد يوسف .. الذى كان رائعاً فى مشاهده ورائعا ً أيضاً فى أداء الغناء والاستعراضات التي قدمت فى العرض..

أيضاً من المشاهد الجيدة في العرض، مشهد جسده (محمد مهران وأحمد خالد) .. فقد كانا يؤديان نفس الحركات والانفعالات بل ويتحدثان بنفس الطريقة ويستخدمان نفس الجمل .. بدأ الاثنان كأنهما أمام مرآه .. لكنهما رددا سويا (بس أنا عارف إنها مش مراية) .. فكلاهما مزيج واحد .. له نفس الافكار ونفس لون البشرة ونفس الروح .. عندما سألا بعضهما عن الاسم .. كان اسما واحدا .. ولكن عندما سألا عن الدين .. كان مسلم ومسيحي .. ولكنهما رددا سويا (انا مصري)..

ومن لوحات العرض المتميزة أيضا.. كانت لوحة يشارك بها الجمهور فيطلب أبطال العرض من أي مشاهد عنده موهبة ما أن يصعد إلى المسرح ويقدم موهبته.. تلت هذه اللوحة .. لوحة أخرى ارتجالية..

فيتقدم ابطال العرض مرة اخرى للجمهور الذى يختار لهم مشهدا ما فيجسده الابطال ارتجاليا .. وبالطبع هذا المشهد يتغير كل ليلة .. لأن كل ليلة هناك اختيارات جديدة للجمهور .. ودائما مباراة الاداء بين المجموعة ساخنة ومشتعلة .. فالجميع يتميزون بخفة الدم وسرعة البديهة والحرفية .. وفى نهاية العرض أيضا يطلب الأبطال من الجمهور أن يصعدوا على المسرح ويكتبوا على الديكور أفكارا يتمنون أن يروها في العرض فى المرة القادمة..

أشعار المسرحية لأحمد خالد.. كانت ذات طابع خاص .. فقد كانت أشعار كوميدية تنتقد العديد من الأشياء كالازدحام الشديد على استفتاء تعديلات الدستور الذى عقد في 19 مارس الماضي كانت هذه الاشعار تغنى على انغام عالمية معروفة .. ولكن طابعها الساخر كان موفقا إلى حد كبير ..

أما الديكور لعمرو الأشرف ، فلم يكن سيئاً ولكنه كذلك لم يكن مبتكرا .. فقد شعرت في كثير من الاحيان أنه مدرسي بعض الشيء .. ولم تعجبني كثرة الحروف والكلمات الفسفورية الظاهرة طوال الوقت من أجزاء الديكور وملابس الممثلين ..

ولكن في النهاية ، فإن العرض ككل يقدم لأول مرة شكلا جديدا للمسرح . بل تيارا جديدا .. يصنعه مخرج شاب هو مازن الغرباوي ومجموعة من الشباب الواعدين .. واتمنى أن يتم تطوير هذه التجربة فيما بعد لتصبح منهجاً مسرحيا يحاكى مناهج غربية وعالمية..

 

المصدر/ جريدة مسرحنا

العدد / 198- بتاريخ 2 مايو 2011

بقلم/ يسرا الشرقاوي

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,821,650