وضع آرسطو أسس نظرية الدراما فى كتابة "فن الشعر" فى القرن الرابع قبل الميلاد. ورغم أنه ركز بشكل مبدئى على وصف طبيعة التراجيديا، فقد أشار إلى أنواع أخرى مثل الشعر الملحمى والكوميديا والشعر الديثرامى والموسيقى والرقص وفن الرسم، وقال إن أشكال المحاكاة هذه تختلف عن بعضها البعض فى ثلاثة أمور: موضوعاتها ووسيطها وأسلوبها.

والشىء الذى تتم محاكاته فى الدراما هو الناس أثناء الفعل. وتتسم الدراما والكوميديا بسمات البشر وطبيعة الحدث. إذ يمكن تصوير الناس باعتبارهم "أفضل" أو "أسوأ" مما هم عليه فى حياتهم، وقد يكون الحدث جادا ًأو غير جاد. ولكن الصورة المهمة هى صورة الناس أثناء الفعل.

ويقول "فيرجسون" فى مقدمته لكتاب"فن الشعر" عام 1961، عن فهمنا للحدث الدرامى عند أرسطو يجب أن يكون فى ضوء كتاباته فى فلسفة الأخلاق. فالحدث عنده يعنى الممارسة – الحركة العقلانية الفاعلة للنفس، والموجهة إلى الخارج، إنه الحدث الذى ينشأ من الفكر، ويركز على هدف معين ، كما أن دوافع الشخصية ضرورية لهذا النوع.

ويقول أرسطو أن موضوعات الحدث الدرامى الثلاثة هى "الحبكة". (بمعنى ترتيب الأحداث)، والشخصية وأفكارها.

والفن يمكن ان يمثل الأشياء من خلال مجموعة مختلفة من الوسائل – اللون والشكل والصوت والإيقاع والتناغم والتراجيديا بالتحديد تنتقل من خلال البيان والأغنية بمعنى أن الممثلين يغنون ويتحدثون لكى ينقلوا الحدث إلى المشاهدين.

وربما توجد داخل نفس الوسيط أساليب تقديم مختلفة أخرى. فمثلاُ يتم نقل الشعر من خلال الشخصية، وتروى بواسطة الشاعر نفسه أو يتم تجسيدها بواسطة الشخصيات. وهذا هو الفرق بين التراجيديا والملحمة – يتم سرد أحداث الملحمة، بينما يتم تجسيد التراجيديا – ويسمى أرسطو هذا التجسيد فى التراجيديا "العرض".

وقد رتب أرسطو هذه العناصر الستة بحسب أهميتها فى التراجيديا: "الحبكة"، "الشخصية"، "الفكر"، "البيان" و"الأغنية". والبيان هو الأكثر أهمية عند "أرسطو" وقد وضع أسلوب العرض فى نهاية القائمة لأنه أقل أهمية فى الحكم على التراجيديا.

ويستكشف "سام سمايلى" الكتابة بأستخدام نموذج "أرسطو" كإطار، فمن خلال القول بأن الفنون الجميلة تنتج أشياء مصطنعة، يكتشف "سمايلى" يملل "أرسطو" الأربعة فى الحصول على منتج "عرض مصطنع.

ولعل السببين الملائمين هنا هما السبب المادى والسبب الشكلى. فالسبب المادى للبيت هو الخشب والمسلح المستخدم فى بناءه، والسبب الشكلى هو شكل الشىء.

ويقدم "سمايلى" باختصار عناصر الدراما الأرسطية الستة فى ارتباطها بالسببين المادى والشكلى. ورغم أن الأسباب "العلل" اربعة هى مفاهيم أرسطية إلا أن أرسطو نفسه لم يضعها بين عناصر الدراما الستة فى كتابة "فن الشعر" ويضعها "سمايلى" بنفس الترتيب الأرسطى: "الحبكة"، "الشخصية"، "الفكر"، "البيان" اللغة، الأصوات، العرض، ويؤكد أن كل عنصر يحدد شكل العناصر الأخرى، ويقدم كل منها المادة اللازمة للعنصر الذى يليه.

وبالنسبة لـ "سمايلى" يتم بناء الحبكة فى إطار أفعال الشخصيات. والمادة التى تنشأ منها الشخصيات هى "الفكر" وينشأ الفكر نفسه من البيان أو الكلمات أو اللغة. وتصاغ اللغة من الأصوات (لاحظ الاختلاف عن الأغنية عند أرسطو. والعرض (الأداء) – لحركات البدنية التى تصاحب الكلمات – هى المادة الأساسية لكل ذلك. فالكاتب المسرحى يتشبث بأن النظام الشكلى هو الأهم، لأن الحبكة تفرض صفات الشخصيات التى تتبنى أفكاراً معينة. والممثلون وباقى فريق العرض يميلون إلى تقديم العمال المسرحية وفقاً للترتيب المادى من بداية العرض. ولابد لنا هنا أن نلاحظ أن قد تم تجاهل الموضوع والوسيط والأسلوب الذين ميزهم أرسطو.

وتبدأ "بريندا لوريل" بنموذج "سمايلى" ولكنها اعادت تسمية بعض العناصر من جديد كالتالى: "الحدث"، "الشخصية"، "الفكر"، "اللغة"، "الألحان"، "الأداء"، وتصف هذه العناصر فى إطار الدراما أولاً، ثم توسع معانيهم لكى يتلاءموا مع كل انشطة الكمبيوتر البشرية (مثل القصص التفاعلية المرتكزة على الكمبيوتر). ومن خلال البداية من أدنى المستويات، تعرف "لوريل" الأداء (العرض) بأنه كل شىء مرئى، والألحان هى كل شىء مسموع،ورغم ذلك لم يتطابق هذا التسلسل السببى، لأن "الأداء، (العرض) لا يشكل أساس اللحن. ويبدو أن هذه الصيغة الأرسطية الجديدة لا تسمح للإرشادات البصرية أن الصيغة الجديدة لا تسمح للإرشادات البصرية أن تنتقل إلى أعلى التسلسل لكى تصبح أساس اللغة وفهم الدراما.

وبدلاً من ذلك نجد أن "لوريل" تسمى "الأداء" (العرض) بأنه التجسيد، وتعيد تسميته من جديد لكى يعنى كل الأبعاد الحسية للحدث الذى يتم تمثيله – الحواس البصرية والسمعية واللمس، وأى حواس أخرى.

ومن خلال هذه الحواس ينشىء المستخدم النماذج، فاللغة الآن لم تعد تعنى اللغة المنطوقة، بل إن أى ترتيب للعلامات السمعية والبصرية والشفاهية، وكذلك الظواهر غير اللغوية الأخرى عند استخدامها بشكل دلالى، هى لغة أيضاً. والفكر والشخصية يظلان بلا تغيير عند "لوريل"، إذ أنهما ربما ينشآن من أصول تقوم على الكمبيوتر، فضلاً عن الأصول الإنسانية.

وقد فحصت "لوريل" الجزء السفلى من تسلسل "سمايلى" فى محاولة لملاءمة متطلبات العلاقات السببية وسوف نلاحظ فيه بعض العناصر الناقصة.

ويتبع "مايكل ماتياس" نموذج "لوريل" سواء فى المصطلحات المستخدمة أو الأسباب المادية والشكلية. ونراه يضيف إليه مفهوم "جانيت موراى" القوة AGENCY الذى يعرفه "ماتياس" بأنه الاحساس بالتعزيز الذى يعنى القدرة على القيام بالأفعال التى ترتبط مؤثراتها بقصد المؤدى. ففى الدراما التفاعلية يتم تجسيد القصة بمؤدى يقوم بدور إحدى الشخصيات. ولتدعيم التفاعل عند مستوى هذه الشخصية يضيف "ماتياس" تسلسلين سببيين – تسلسل مادى للحدث وتسلسل لقصد المستخدم. وعندما يتفاعل المستخدم فى العالم الافتراضى، تتحمل الشخصيات والأحداث أفعال المستخدم. وفى المقابل تقدم القصة بعض المعوقات السردية أو على الأقل عند الاتجاه من أعلى.

وعندما يتفاعل المستخدم مع الشخصيات الأخرى، يصبح قصده سبباً شكليا ًبنفس الطريقة التى تشكل بها احتياجات الحدث الشخصيات فى السرد التقليدى، فاللاعب سوف يمارس هذه القوة عندما يكون هناك توازن بين القيود المادية والشكلية.

ويمكننا أن نلاحظ أن نموذج أرسطو قد تعايش مع هذه الإضافات والصياغات. ورغم ذلك، نتيجة لتقديم المادة والأسباب الشكلية فقد قمنا ببعض اعمال الحذف.

أولاً، حذفنا معنى "الأسلوب MANER" الموجود فى نموذج أرسطو. وفضلاً عن التمييز بين ما إذا تم تقديم القصة أو تمثيلها. نجد أن العرض (الأداء) هو الشىء الذى يمارسه المشاهدون.

ثانياً، حذفنا فكرة أن الوسيط قابل للاختلاف، مع أنه يضل ذا خصوصية. وعندما نعرف "الوسيط"، يقرر أرسطو أن الوسيط يمكن أن يكون اللون والتناغم والإيقاع .. إلخ.

وعندما يصف "التراجيديا" (وأنواع الدراما الأخرى مثل الملحمة) يحصر نفسه فى "البيان (اللغة) والأغانى. وظللنا منذ ذلك الحين نعتقد أن الدراما يتم تقديمها من خلال "البيان" (اللغة) والأغنية، وهما بالأساس قنوات سمعية. ومن خلال نموذج "لوريل" وسعنا مفهوم الأغنية والبيان إلى النموذج واللغة، فضلاً عن صيغ خاصية الوسيط. فالنماذج يجب استيعابها داخل شىء محدد بشكل جيد مثل اللغة، لكى تعمل كأساس للفكر والشخصية والحدث.

والأهم من ذلك أن التسلسل السببى يتضمن علاقات تتابعية حصرية بين المستويات. بمعنى أن المستوى الأدنى يجب أن يشكل الأساسى للمستوى الأعلى. فمثلاً نحن نقيم فهمنا على اساس اللغة المنطوقة، ورغم ذلك تساهم الملامح البدنية والتعبيرات والايماءات والملابس والموسيقى فى معرفتنا بماهية الشخصية.

ومع ذلك يبدو أن هذه الخصائص تعمل كأشياء مادية للشخصية دون حاجة لنقل الفكر أو استخدام اللغة.

التجسيد يعتمد عدداً من القنوات الحسية ...

ويواجه "ماتياس" هذه المشكلة عندما يصف التفاعل مع الأشياء الموجودة فى مكان ما بين الأداء والنموذج، ولكن ما هى القدرات المقدمة من خلال خبرات هذا الحس الخام لنماذج مثل "جاكيت وردى اللون"، او قطعة موسيقى متفاىء له؟ ومع ذلك قد لا يبدو من الصواب أن ننقل الأشياء إلى مستوى الشخصية، لأن لا يمكن استيعابها بواسطة الفكر المنقول عبر اللغة.

ولم يذكر أرسطو المشهد أو الادوات، ربما لأن تجهيز وإعداد المشاهد فى عصره كان محدوداً، ورغم ذلك تلعب الأشياء دوراً هاماً جداً فى صورة الدراما التفاعلية التى ترتكز على استخدام الكمبيوتر، لأنها الوسيلة التى يستطيع أن يؤثر بها اللاعب فى الحدث.

ويقدم لنا أرسطو الأساس لوصف العمل الفنى فى إطار الموضوع والوسيط والأسلوب. ويقدم لنا "سمايلى" فكرة الأسباب المادية والشكلية بين هذه العناصر. وتكتشف "لوريل" هذه العملية التى وضع "سمايلى" شكلها التخطيطى ووسقت هذا الاطار لكى تصف الدراما التى ترتكز على الكمبيوتر.

وعالج "ماتياس" مشكلة الكيفية التى يتلاءم بها التفاعل وممارسة القوة مع هذا النموذج.

وهو يعتقد أنه يمكننا أن نحتفظ بكل هذه الإسهامات، مع أننا ننقل الكثير من التوتر إلى هذا النموذج.

الوسيط يمنح للتفاعل التحكم للتأثير فى الأشياء ...

وعودة إلى "أرسطو" يمكننا القول إن موضوع المحاكاة يتم تقديمه خلال وسيط معين. إذ نستطيع أن نتأمل هذا الوسيط بأعتبار أنه يمثل خبرتنا بالنص، سواء كان ذلك قراءة للنص، أو مشاهدة فيلم، أو مشاهدة مسرحية، ولا يفرض هدف المحاكاة على المستوى الشكلى اختيار وسيط معين – فالقصة تقدم إما باعتبارها رواية أو مسرحية. ورغم ذلك لا يفرض الموضوع بناءة داخل وسيط محدد – فحوار الرواية مكتوب بين أقواس، وحوار المسرحية منطوق بواسطة الممثلين. ونحن ننشىء الإحساس بالشكل من خلال خبرتنا بدرجة إلحاحه داخل وسيط معين.

ربما تستخدم تجربتنا عدداً من القنوات الحسية – السمع والبصر واللمس ... إلخ. وتتطابق هذه الخبرة الخام مع تعريف "لوريل" للتجسيد. ففى المستوى الأعلى نتنبأ بنماذج مبنية على الخبرة الحسية.

ومن مختلف الأصوات نميز الكلام والموسيقى. ومن خبرتنا البصرية تميز النص والكتابة والرسوم البيانية والصور المتحركة والحدث. وربما نسمى نماذج الحواس هذه "خصائص الوسيط"، مع أننا لا نقصد ذلك هنا، فالخصائص كما يتم تعريفها هنا تتطابق مع تلك الأجزاء التى يسميها "أرسطو" (الوسيط) – اللغة المنطوقة والإيقاع والموسيقى واللون والشكل.

وربما نعتقد، كما تقول "لوريل" أن هناك تقاليد معينة (أشبه باللغة الأولية) يمكن أن تتطور من أجل هذه الخصائص المختلفة. فمثلاً لقطة معكوسة ومظللة يمكن أن تعنى "فلاش باك" فى فيلم سينمائى. وتستخدم كتب الكوميديا تقاليد كتابة الحوار داخل بالونات لتوضيح ما إذا كانت الشخصية تتحدث أو تهمس أو تفكر.

تعتمد الحواس والخصائص والتقاليد على الوسيط المستخدم. ويقدم كل مستوى المادة اللازمة لبناء المستوى الذى يليه، بينما تعيق المستويات السفلية.

وإعادة صياغة الوسيط تفتح الطريق لتحليل متخصص لوسائل الاتصال الذى نادت به كاثرين هايلز عام 2002.

وسواء تم نقل القصة فى عرض مسرحى حى، أو فى رواية أو فى فيلم سينمائى، فلابد لنا أن نكتشف تفاصيل معينة من مادة التجسيد فى الوسيط، وكيف أن ذلك التجسيد يؤثر فى مفهومنا للعمل ككل، ومفهوم الوسيط هذا أوسع من مفهوم أرسطو الذى يتطابق فقط مع ما نسميه "الخاصية".

هدف الدراما هو "الشخصيات أثناء الفعل". والشخصيات هى الأسباب المادية لهذا الفعل أو الحدث، وفى المقابل يحدد الحدث نوع الشخصيات المطلوبة التى تقدمه. وبالنسبة لأرسطو فإن دوافع الشخصية أو فكرها ضرورى لفهم تلك الشخصية. والأفكار ليست هى المادة الوحيدة التى تتكون منها الشخصية، فهناك عدد من الخصائص المادية الأخرى، فيمكن مثلا استنتاج الفكر من المظاهر والملامح الخارجية للشخصية فقط. ولذلك فإن الفكر، رغم أهميته للشخصية، فإنه لا يتوافق تماماً داخل تسلسل الأسباب المادية / الشكلية.

كما أن مفهوم البيئة المحيطة بالمشهد ليس موجوداً عند "أرسطو"، ومع ذلك فإن الحدث ينشأ جزئياً فى مكان حدوث الأشياء وماهية الأشياء المستخدمة. وهذا صحيح على وجه الخصوص فى الدراما التفاعلية، التى يقوم فيها المستخدم بدور الشخصية، ومن خلال هذه الشخصية يتفاعل مع العالم الافتراضى للقصة. وعلى الرغم من أن هذا التفاعل يعنى التأثير فى الشخصيات الأخرى، فإن المستخدم ينفق الوقت فى معالجة الأهداف والأشياء وسمة مكانها احالى. ولابد لنا أن نشير إلى الشخصيات والمشهد معاً باعتبارهما عالم القصة.

إن أفعال المستخدم فى مستوى العالم الافتراضى تستخدم كمادة فرعية للمساعدة فى تقديم الحدث، بينما يضع السباق السردى للحدث بعض القيود أمام المستخدم، وهذه هى القوة كما يصفها "ماتياس"، رغم أنه يوضح فى هذا النموذج نفس السياق السردى. واهداف القصة، التى تتم محاكاتها مثل الشخصيات لها حاله داخلية لابد للمستخدم استنتاجها من المظاهر الخارجية للأشياء (وفقاً لطريقة نقلها خلال الوسيط).

ورغم أننا مهتمون جداً عادة بالقدرات المتاحة لعالم القصة، فمن المفيد أن نتذكر أن الوسيط نفسه يجب أن يمنح للتفاعل التحكم المطلوب للتأثير فى هذه الأشياء.

زاك توما سفسكى، كيم بتستيد هما أستاذان بقسم المعلومات وعلوم الكمبيوتر بجامعة هاواى بالولايات المتحدة المريكية.

 

تأليف/ زاك توماسفسكى - كيم بنستيد

ترجمة/ أحمد عبد الفتاح

المصدر/ جريدة مسرحنا العدد188

21 من فبراير 2011

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,821,302