منذ عدة اعوام .. اعتادت السيدة ماريان خوري ان تفأجئا بأسبوع سينمائي اطلقت عليه اسم " ايام السينما الاوربية "تعرض فيه نماذجا مختارة من افلام انتجتها بعض الدول الاوربية وحققت نجاحا نقديا كبيرا وحازت علي جوائز في عدد من المهرجانات الدولية الكبري افلام عجزت احيانا المهرجانات العربية رغم نفوذها الكبير علي الحصول عليها ...

وقد كان واحد من هذه الاسابيع .. يحتوي علي فيلم مفاجأة لمخرج كبير نترصد افلامه ونتمني رؤيتها وهكذا مثلا من خلال احد هذه الاسابيع شهدنا افلاما لبدرو المردوغار المخرج الاسباني الشهير عجز مهرجان القاهرة علي الحصول عليها كفيلم الاجنحة المتكسرة او فيلم الحديث معها وحتي فيلم ايمنايار الشهير " اجورا " استطاعت ماريان خوري ان تحصل علي حق عرضه مرة واحدة رغم تحفظ الرقابة عليه ... ورغم عجز احد المهرجانات العربية الكبري ذات النفوذ المادي الشديد الاغراء عن عرضه .

إذن في كل اسبوع اقامته ماريان خوري كانت هناك مفاجأة سينمائية هامة تتمحور حولها الاهتمامات وتتصاعد صيحات الشكر والاعجاب ولكن المفاجأة التي اعدتها لنا السيدة خوري هذا العام هي حزمة مفاجأت حقيقية قد يعجز حتي مهرجان كمهرجان كان عن جمعها مرة واحدة لقد حصدت ماريان خوري بذكاء وثقافة سينمائية بالغة كل الثمار اليانعة والزهور الفائحة الرائحة التي اطلت في مهرجانات السينما العام الماضي ... لتعرضها مرة واحدة في هذا الاسبوع الجديد الذي تقدمه لعشاق السينما في مصر .

رجال والهة للفرنسي لكزافييه الدخرا الذي يروي قصة مقتل مجموعة من الرهبان الكاثوليك المحتمين في دير نائي في احدي المناطق البعيدة في الجزائر علي ايدي الثوار الجزائريين إبان حرب الاستقلال وقد اثار عرض الفيلم في مهرجان كان الاخير زوبعة من ردود الفعل ولكن كان هناك ما يشبه الاجماع علي ان الفيلم يستحق الجائزة الكبري اكثر من جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي حصل عليها إلي جانب هذا الفيلم الكبير والمنتظر هناك فيلم المخرج المكسيكي الجاندرو انياريتو الذي بهرنا قبل عامين بفيلمه " بابل " والذي يعود الينا اليوم بفيلم " بيوتفول الذي يروي قصة مقال انفار قاسي القلب لا مبدأ له يتاجر بأرواح المهاجرين غير الشرعيين ويستغل بؤسهم وحاجتهم اسوأ استغلال إلي ان يحس بأعراض مرض خطيرة يتهدده ويتهدد اسرته المكونة من زوجة واطفال ويجبره هذا المرض مراجعة حياته ملها ... الفيلم يتمتع بأسلوب ايناريتو العصبي والحاد كالسكين ويلقي ضوء باهرا له صفرة الموت .. علي موضوع الهجرة غير الشرعية وان كان ذلك بطريق موارب وعلي حدود الشرط الانساني والمسئولية الخاصة " تجاه الواقع العام " كما يحتوي علي تأمل في قالب شعري وواقعي بنفس الوقت علي الحياة في المكسيك و " تعقيداتها " ونقاط الظل والضوء فيها فيلم عصارة فن هذا السينمائي الكبير الذي لايكف عن ادهاشنا بأفلامه فيلما بعد الاخر .

فاتح اكين المخرج التركي المقيم في المانيا والذي حقق شهرة سينمائية واسعة امتدت شرقا وغربا تعده ماريان لدربي هذا العام في اسبوعها المتلالئ ليكون فاكهة المهرجان من خلال افلام ثلاثة منها فيلم وثائقي عن حياته وفنه وبداياته اما الفيلم الرسمي الذي تعرض له فهو " مطبخ الروح " عن مهاجر تركي افتتح مطعما بالمانيا يقدم فيه المأكولات التركية حقق نجاحا ورواجا لدي الجمهور الالماني ولكن الرجل يشعروهو في اخر ايام حياته بالحنين الي ارض وطنه وسماء بلاده فيقرر منح مطعمه الي اخيه الخارج من السجن وما يترتب علي كل ذلك من احداث ومفاجأت الفيلم يختلط فيه الحنين بالكأبه والفرح بدموع مختفية في مأقي العين ويرسم صورة بارعة وشديدة التأثير لحياة الجالية التركية في المانيا " وهي من اكبر الجاليات الاجنبية في اي بلد اوروبي " ويصورها من الداخل بمبضع سحري يثير الدماء والشفاء معا .

فيلم " مطبخ الارواح " فرصة ذهبية كبيرة للتعرف في مصر علي مخرج سمعنا عنه وعن افلامه الكثير دون ان نري اي واحد منها في مصر وها هي الفرصة تلوح امامنا لنري اسلوب هذا المخرج التركي الذي يجمع بين الحساسية الشرقية والعقلانية الجرمانية .

اما " الانتصار " فيعود بنا الي مخرج ايطالي مخضرم يتبوأ منذ سنين كثيرة مكانة بارزة في جغرافية السينما الايطالية انه ماركو بيلوكيو الحائز علي اكبر الجوائز في اكبر المهرجانات .

في فيلمه يروي بيلوكيو حياة السيدة التي اجبت الطاغية موسوليني وهو في بدء حياته يرسم لنفسه ومستقبله طموحات لا تنتهي انها تقف معه بحب وثقة وايمان وتساعده علي صعود الخطوات التي ستقوده الي المحبة وستجعل منه امل ايطاليا الكبير ومحررها الذي تحلم به دون ان تدرك ان هذا " الجنين " الذي ترعاه سيتحول ليكون الطاغية الذي سيرعب العالم اجمع في حرب طاحنة قادت بلاده ايطاليا الي الخراب انها تدفع ثمن حبها وتضحيتها ووقوفها الي جانب الرجل الذي عشقته ثمنا غاليا يقودها الي نهاية تعسة وغير متوقعة بعد ان وصل حبيبها موسوليني الي ما كان يتمناه الممثلة التي تلعب الدور سحرت قلوب المتفرجين في العالم اجمع ورسمت من خلال الشخصية التي ادتها صورة لا تنسي لا مراة عاشقة يذهب بها حبها الي ابعد مدي يمكن تخيله .

فيلم يجمع بين التاريخ والاثارة والعواطف الملتهبة ويرسم صورة لايطاليا في الثلاثينات لا يستطيع إلا مخرج فذ كـ" بيلوكيو " ان يقدمها بهذه الصورة المبهرة والرائعة " فيش تانك " لاندريا ارنولد سيمثل انجلترا وسيروي علي طريقة الاسلوب السينمائي الانجليزي علاقة مراهقة متمردة بأمها وبمجتمعها المتزمت .. صورة شديدة القسوة ولكنها عامرة بالحنان عن جنوح الشباب وتمردهم ومواجهتهم لاسرهم ولمجتمعهم انه صورة عن جنوح الشباب وتمردهم ...

ومواجهتهم لاسرهم ولمجتمعهم انه صورة عن هذا المجتمع الانجليزي الذي لازال بعد كل هذه السنين يحاول ان يتمرد علي القمع الفكتوري والتعصب الاخلاقي الذي سيطر علي الحياة الانجليزية مدة اربعين عقدا او يزيد .

" مرحبا " الفرنسي الذي فاز بالجائزة الكبري في مهرجان اسكندرية الي جانب جائزة السيناريو والي جانب جوائز كثيرة اخري حصدها في مسابقة الشيزار الفرنسية التي تعادل الاوسكار الامريكي ويروي قصة الهجرة غير الشرعية وموقف الفرنسيين منها من خلال نظرة فرنسية بحتة هذه المرة من خلال مدرب سباحة بلا مشاعر .... يرتبط بعلاقة غامضة مع كروي مهاجر بصورة غير شرعية يحلم بالوصول الي انجلترا ليتزوج من الفتاة التي يحبها قبل ان يرغمها اهلها علي الزواج من غيره انه يحاول المستحيل ويواجه التعصب الفرنسي والاهانات العنصرية ويقرر اخيرا اقتحام المانش سباحة كي يصل إلي الارض التي تحمل محبوبته .

هذا العشق الجنوني .... يفتح عين بطلنا الفرنسي علي حقائق تعيشها بلاده .. وكان معصوب العين لا يراها بل ان هذا الحب جعله يعيد النظر في علاقته مع زوجته التي وزصلت الي طريق مشدود جعلها تطلب الطلاق منه .

فيلم بالغ الحساسية والاهمية يطرح مشكلة حارة من المشاكل التي يعانيها الشرق واوروبا معا ولكن من خلال وجهة نظر غير متوقعة ونظرة مليئة بالتعاطف والفهم لهذه الفئة من المهاجرين التي يعاملها المجتمع الفرنسي كما يعامل الكلاب الضالة .

وهناك ايضا فيلم ميشيل خليفي المخرج الفلسطيني الاصل المقيم في بلجيكا " زنديق " والذي يروي قصة رجل فلسطيني كهل يضيع في متاهات ذاكرته ، ودروب مدينته الام .. التي عاد اليها بعد غياب طويل الفيلم حاز الجائزة الكبري في مهرجان خليجي كبير ويؤكد طاقة " خليفي كواحد من اهم المخرجين الفلسطينين الذين يخدمون قضية بلادهم من خلال افلام ذكية وذات مستوي سينمائي عالمي تحقق رعاية قضيتهم اكثر بكثير مما يفعله السياسيون باجتماعاتهم المحيطة التي لا تقود لشئ الفيلم يتمتع بإثارة داخلية متمردة وبأداء متميز لواحد من كبار الممثلين الفلسطينين " محمد بكري " ويجمع بين التأمل الداخلي والنقد الذاتي مع احساس مرهف بالمكان .. وجو من الحنين الدافئ المختلط بكثير من الالم والمرارة وهناك مفاجأت سينمائية اخري تخبئها ماريان خوري في هذا الاسبوع المدهش الذي اعدته وقدمته لنا علي مائدة ملكية لم نكن نحلم بها هناك اضواء علي السينما الهولندية من خلال اكثر من فيلم ربما سيكونوا بالنسبة لنا كشف سينمائي لا نتوقعه يقفون وقفة حازمة الي جانب هذه الافلام الكبيرة المختارة التي نجحت ماريان في ضمها في باقة واحدة بشكل اعجازي .

لا ادري كيف اصف هذا الاسبوع السينمائي الذي يأتينا في لحظة فراغ فنية تثير القلق ليقول لنا ان السينما التي نحبها يمكن ان تطل علينا من حيث لا نتوقع ويمكن ان تثير في نفوسنا شخصية الرؤيا والتأمل التي اعتقدنا اننا قد نسيناها او القيناها جانبا .

نعم انني لا ابالغ اذ اقول ان ماريان خوري قد حققت في اسبوع السينما الاوربية التي تقدمه لنا هذا العام حدثا سينمائيا خارقا للعادة علينا ان نقبله كمطر كريم يهبط علينا من سماء جافة ظننا للحظة انها عاجزة عن ارواءنا .

بقلم / رفيق الصبان

المصدر / جريدة اخبار النجوم العدد  943

2010/10/28

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,924,772