تعددت أدواره وتنوعت كما تنوعت طرق تقديمه لفنه، فاخترق المسرح والسينما والتليفزيون، ونجح فيها جميعا دون استثناء .. فلم يحصر نفسه في شكل فني واحد وعمل مع معظم ممثلي السينما والمسرح منذ بدايته وحتي أواخر رحلة مرضه، وكان بالنسبة لهم قدوة كبيرة، ومع ذلك لم يأخذ حقه في أدوار البطولة، كما أنه لم يلق اهتماما من نقابة الممثلين أو الدولة بشأن علاجه برغم من كونه من عمالقة التمثيل في مصر ومن رواد زمن الفن الجميل، وكنا نتوقع عند تشييع جنازته أن نجد الآلاف في مظاهرة حب كبيرة .. انه نظيم شعراوي الذي كان يتمتع بأدائه الرائع الذي يتميز بصدق مشاعره، وكنا نتوقع أن يكون لرحيله ألم عظيم في قلوبهم جميعاَ، بينما أقتصر وداعه بمسجد الخلفاء الراشدين علي عدد قليل من الفنانين يعرفون معني الوفاء أمثال أشرف زكي، ومحمود ياسين، ونهال عنبر، ودلال عبد العزيز، وجمال إسماعيل، ومحمد فريد، وسمير خفاجة مدير عام فرقة الفنانين المتحدين الذي حرص علي الحضور رغم حالته الصحية المتدهورة.
رحل شعراوي ولم يترك وراءه ثروات بالملايين ولكنه ترك الكثير من الأعمال الفنية التي أثرت في السينما والمسرح العربي.
بدأ نظيم السيد شعراوي، وهو من مواليد الإسكندرية عام 1921، مشواره الفني في نهاية أربعينيات القرن الماضي، من خلال دوره كطيار في فيلم "فتاة من فلسطين" عام 1948 وعمل في مسرح "رمسيس" والمسرح القومي ، ونال شهرته من خلال أدواره المسرحية التي قدمها مع الفنان الراحل فؤاد المهندس.
ثم التحق بالمعهد العالي للتمثيل، وكان من بين زملائه في المعهد كل من الفنانتين سناء جميل، وبرلنتي عبد الحميد، بالإضافة إلى الفنان الراحل محمد رضا، وبعد تخرجه عام 1953 انضم إلى فرقة يوسف وهبي المسرحية، وعمل معه في العديد من مسرحياته، منها "كرسي الاعتراف" و"راسبوتين".
ويعد شعراوي أشهر من قدم شخصية المسئول المهم في السينما المصرية نظراَ لملامحه وبنيته الجسدية التي أهلته لذلك وكان شريكا في معظم أعمال عادل إمام ومن أهم أعماله المسرحية دوره في "شاهد ما شافش حاجة" مع عادل إمام، حيث جسد شخصية رئيس المحكمة التي تعد واحدة من أشهر المحاكمات التي شهدها المسرح العربي.
ورغم أدواره الثانوية إلا أن حضوره علي الشاشة كان قويًا من خلال أفلام "آه يا ليل يا زمن" و "الرجل الذي فقد ظله" و"طيور الظلام"..
أما بالنسبة للمسرح العربي فقد عرفه جمهور المسرح من خلال مسرحية "سيدتي الجميلة" مع الثنائي شويكار وفؤاد المهندس، والتي جسد فيها شخصية الخديو الذي كان يطلق عليه لقب "أفندينا"، كما عمل مع نفس الثنائي في العديد من الأعمال المسرحية الأخري، منها "أنا فين وانت فين"، وللفنان الراحل سجل حافل من الأعمال السينمائية منها "الواد محروس بتاع الوزير" و"يا عزيزي كلنا لصوص"، بالإضافة إلى عدد من الأعمال التليفزيونية، منها مسلسل "ساكن قصادي" مع زميليه في معهد التمثيل محمد رضا وسناء جميل. بالإضافة إلى القدير عمر الحريرى.
ومن الأعمال التي ساهمت في شهرته، دوره في مسرحية "مدرسة المشاغبين" حيث قام بدور "أباصيري" والد الطالب بهجت، الذي كان يجسد شخصيته عادل إمام بالإضافة إلى العديد من الأعمال المسرحية الأخري مثل "هالو شلبي" و"غراميات عفيفي" و"السكرتير الفني و "لوكاندة الفردوس" كان آخر أعماله التليفزيونية مسلسل "الرجل الآخر" عام 2000 مع الفنان نور الشريف، حيث جسد دور رجل قعيد أنهكة المرض من مآسي الحياة وظلم الناس، ولم يعرف الكثيرون أن جلوسه علي كرسي متحرك في هذا الدور لم يكن من باب تجسيد شخصية العمل فحسب وإنما لمرضه الفعلي وعجزه عن الحركة في الحقيقة.
الفنان محمود ياسين الذي كان من القلائل الذين أدوا واجب العزاء قال:"رحل عن عالمنا قيمة فنية كبيرة هو نظيم شعراوي واعتقد أنني كنت من المحظوظين في التعامل مع نظيم أمام الكاميرا وخلف الكاميرا وعملنا معا أكثر من عمل وأذكر منها فيلم "مع تحياتي إلى أستاذي العزيز" وهو من إنتاجي وكان فيلما كوميدياَ .. كان شعراوي يمتلك طلة كلها هيبة وفي نفس الوقت تخرج من هذه الهيبة بساطة شديدة وعفوية أشد، فقد كان شديد النقاء والصفاء وكان لديه منطقة من الصعب تقليدها وهي منطقة الكوميديا الإنسانية ببساطة وتلقائية وكان يتحكم في الإفيه لأقصي درجة ممكنة.
وعن قلة الفنانين المشاركين في العزاء قال محمود ياسين:"مبدئيا ما فيش أوفي من الوسط الفني واعتقد أن قلة الفنانين ترجع لأسباب أخري وهي زحمة الموسم ومشوار العزاء في مصر الجديدة بالإضافة إلى أن الكثيرين من الفنانين خارج مصر فهناك ثلاثة مسلسلات بالكامل تصور بالخارج، بالإضافة إلى أنه عند نشر الخبر لم تكن هناك أى تفاصيل تعطي تأكيدات بمكان العزاء لكن في النهاية أؤكد أن هذا الفنان غال علي كل الناس الذين عملوا معه رحمه الله عليه.
أما الفنانة نهال عنبر وكانت ضمن المشاركين في العزاء فقالت:"لقد خسر الفن المصري رجلاَ ببساطة وتواضع وعبقرية نظيم شعراوي، وقد عملت معه في طيور الظلام وهو من الفنانين القلائل الذي تتذكر لهم افيهاتهم أو مشاهدهم يعني في "طيور الظلام" لما قال اشتغل يا حبيبي اشتغل كان إفيه محفوظ لدي الكثير من المشاهدين، لقد حزنا كثيرا علي فراق مثل هذا الرجل ومثل هؤلاء الأشخاص المحبين لعملهم والمؤمنين برسالتهم الفنية.
الفنان جمال إسماعيل الذي جمعته صداقة قوية بالراحل نظيم شعراوي يقول إنه كان يكبره بدفعتين في معهد التمثيل، فعندما كنا في السنة الأولي في المعهد كان نظيم من العناصر الأساسية في فرقة يوسف وهبي فقد تتلمذ في زمن الفن الجميل علي أيدي "يوسف وهبي وعبد الرحيم الزرقاني ونبيل الألفي وحمدي غيث وزكي طليمات"
ويحكي لنا جمال انه كان قد اشترك معه في مسلسل "شباب بعد الستين" بطولة فريد شوقي وكان التصوير يستمر عدة أيام في جمعية تحسين الصحة بمنطقة الرماية وهي مصحة لكبار السن والمسنين وكان نظيم يسكن في منطقة مصر الجديدة وقرر نظيم الإقامة في دار المسنين مع كبار السن إقامة دائمة طوال أيام التصوير وكان يصادق كبار السن ويستمع إليهم وكنا نفاجأ في الصباح الباكر عند وصولنا لدار المسنين بنظيم بالشورت والفانلة يمارس الرياضة ويتبادل الإفيهات معهم فهو إنسان متواضع للغاية وطيب القلب بعكس ما يحدث الآن عندما يكون هناك أوردر تصوير في مثل هذه الفنادق يطلب النجوم أقرب فندق خمس نجوم للإقامة واعتقد أنه رغم عدم قيامه ببطولات في الأفلام والمسرحيات إلا أنه كان بطلاَ بالفعل فعندما تشاهده في سيدتي الجميلة في دور الخديو في الفصل الأخير تشعر انه بطل الرواية المطلق.
أما الفنان محمد فريد الذي كان متأثراَ للغاية بفراق نظيم شعراوي فقد قال: لم أحزن علي نظيم بقدر حزني علي الوفاء فقد كنت أتوقع أن يكون تشييع جنازته مظاهرة حب من الفنانين لمثل هذا الرجل الذي أعطي الكثير لفنه.
ويحكي لنا فريد عن صداقته بنظيم ويقول: لقد أقمت معه إقامة دائمة لمدة شهرين في البحرين فهو شخص محب لأصدقائه أما آخر مرة التقيته فيها فكانت عندما زرته في مستشفي الجلاء منذ فترة كبيرة.
بقلم / محمود صلاح الدينالمصدر / مجلة الإذاعة والتليفزيون العدد 393010 يوليو 2010
ساحة النقاش