**المخرج وهو كاتب السيناريو جمع بين كل قضايا وهموم الشعب المصرى
خرجت من فيلم "بنتين من مصر"وأنا أكثر اكتئاباً من الحالة التى تمر بها بلدنا ... حقيقة أننى اعرفها جيداً ... ولكن حين تقدم كل السلبيات والهموم التى نعيشها مرة واحدة أمام أعيننا بشكل درامى فهذا عبء نفسى ثقيل .. خاصة المواضيع الحساسة التى نخجل من أن نتناولهال بصراحة حفظاً لماء وجه كل من مر بها.
كاتب الفيلم ومخر جه هو محمد أمين الذى كتبت شهادته كمخرج متميز فى أول فيلم له "فيلم ثقافى" .. والذى قدم الشباب الذى يعانى من الكبت الجنسى .. أما فيلمه الثانى فكان .. "ليلة سقوط بغداد" .. وهى أفلام تعتبر من نوعية الكوميديا السوداء ، أما فيلمه "بنتين من مصر" الذى يعرض حالياً فهو يقدمه بشكل ميلودرامى ... ليقدم شخصياته من لحم ودم تنفعل معهم وتبكى لبكائهم .. لدرجة تنسى معها ممثلتاهما وتحس بواقعهم الآليم.
أنها نفس فكرة فيلم أحمد حلمى "عسل أسود" مع الفارق طبعاً .. فالعسل الأسود قدم أحمد حلمى سلبياته وهمومه بأسلوب الكوميديا السوداء .. حيث قدم بطل الفيلم العائد من أمريكا بعد ان ترك مصر صغيراً وعاش هناك 20 عاما .. وحين توفيا والداه قرر العودة إلى مصر ليستقر فيها .. وليجد ان القاهرة التى كان يعرفها ليست هى القاهرة الآن .. فقد وقع فى كثير من الأزمات وتعرض للسجن دون ذنب .. وحجز مع اللصوص وتجار المخدرات .. ولأن الفيلم عولج بشكل كوميدى فقد انهاه المخرج نهاية سعيدة .. وهى ان البطل بعد ركوبه الطائرة التى ستقله الى أمريكا قرر العودة الى مصر .. لأنه كما قال أحس ان مصر فيها حاجه لا يستطيع ان يفسرها .. وهى نهاية غير مقنعة .. هل عاد لأن أم صديقه كانت تعطف عليه وتعطيه مصروفاً؟
أما فى بنتين من مصر فقد بصق أحد الشبان قبل أن يدخل الطائرة فى منديل ورقى ألقاه فى الزبالة.
فيلم "بنتين من مصر" يتناول مشكلة العنوسة .. لكن المخرج استعرض كل المآسى والهموم التى تعيشها مصر وتعتبر سبب أزمة الزواج للفتيات اللاتى بلغن سن الثلاثين فما فوق أة العنوسة .. وهى قضية فى منتهى الحساسية .. لم أكن أتوقعها من رجلا هو كاتب السيناريو لأنه كشف عما لا تعرفه المرأة، قصة فتاتين من مصر هما اقرباء وصديقتان حنان "زينة" 30 سنة، وداليا "صبا مبارك الأردنية" 32 سنة، وقد قدم المخرج نموذجين لفتاتين تتمتعان بالجمال والثقافة .. الاولى تعمل فى مكتبة جامعة وتصبح الموظفة المثالية، والاخرى طبيبة تعد لرسالة الماجستير، وفى رايى أن مثل هذه النماذج موجودة ومشكلتها أكبر من اى فتاة عادية .. فهى تسعى فى البداية لكى تختار العريس المتكافىء معها ثقافياً واجتماعياً لكنها لا تجده وحين يتقدم بها العمر .. تبدأ كل واحدة منهن لتقديم التنازلات للحصول على الزواج .. هذه المشكلة يعانى منها كل بيت مصرى بالرغم من التفاوت بين الطبقات.
وقد جمع المخرج وهو كاتب السيناريو كل قضايا وهموم الشعب المصرى من بطالة إلى حلم السفر للخارج والهجرة غير الشرعية التى تسببت فى غرق أخ أحداهما وصديقه .. ايضاً غرق العبارة التى كانت تحمل 1300 حاج .. وذلك بسبب عطل فنى أراد المخرج أن يقدم فى كثير من المشاهد التى غرقت العبارة بسببه من اجل الضغط الخارجى .. ايضاً عدم قدرة الشباب على توفير الشقق واسعارها الخرافية والآزمة السكانية التى اصابت الشباب ايضا بالعنوسة .. والاضرابات والمظاهرات التى تطالب بالتغيير ... موضوعات وقضايا كثيرة تفرعت من القضية الاساسية وهى مشكلة "العنوسة" فاحدثت شىء من الترهل فى الفيلم وبالطبع كانت مشكلة البطالة من اهم مشاكل خريجى الجامعات .. فبالنسبة لخريجى الزراعة مثلاً تمنحهم الحكومة قطعة أرض فى الصحراء لاستصلاحها .. ويضع "طارق لطفى" كل همه فى استصلاح الارض التى بدات تنتج ثمرا .. وهو يلتقى بالطبيبة ويخجل من ان يتقدم للزواج منها .. فهو يعيش فى الصحراء بين العقارب والثعابين .. ولكن الطبيبة التى اعجبت بدماثة خلقه وتفكيره تقرر الزواج منه، لكن الحكومة تخزلهما لأنه لم يدفع أقساط الأرض فيهرب إلى الخارج تاركاً إنسانه أحبها وأحبته وحلما معاً بمستقبل جميل!
أما صديقتها حنان "زينة" تحاول الحصول بكل الطرق على عريس ... فمشكلتها هى الامومة التى تحلم بها .. فالانجاب يهمها اكثر من العريس .. ومن المشاهد المؤثرة ذلك المشهد الذى ترى فيه حنان الخادمة وهى ترضع رضيعها .. فتطلب منها ان ترضعه لتحس بالامومة.
تذهب حنان الى طبيبة نفسية لتعالج مشكلتها لكن الطبيبة لا تجد لها حلا سوى أن تلتقى بهؤلاء اللاتى يعانين نفس المشكلة فى مكاتب التزويج .. ونجد مكاتب التزويج مكتظة بالفتيات .. وتاخذ حنان ورقة لتكتب اشتراطاتها فى العريس المجهول .. لكنه لا يجىء .. فتضطر لتقديم الكثير من التنازلات مرة بعد أخرى بلا فائدة .. لدرجة أن احد العرسان الذى تقدم لها اتهمها فى شرفها وطلب منها الكشف عن عذريتها عند الطبيبة .. ومع ذلك قبلت هذه الإهانة، واتضح ان العريس مريض نفسياً ولم يعد!
لقد اراد المخرج أن يجمع كل هذه السلبيات فى المجتمع "العفن" كما سماه "جلال" صديق داليا على الانترنت والتى تشكو له همومها وبالتالى يقول انه رافض الزواج تماما لنفس الاسباب .. وهو كاتب فى احدى الصحف القوا القبض عليه لكتابته مقال عن الحالة التى وصلت اليها مصر وموضوع التغيير.
وكان المفروض أن يقلل المخرج منتكثيف الأحداث وكثرة الحوار .. وطول المشاهد .. وأن يركز على القضية الأساسية وهى مشكلة العنوسة فى الفيلم .. لقد كدت أبكى فى ذلك المشهد الذى قدمته حنان "زينة" بتلقائية شديدة حين تكشف انها مصابة بأورام حميدة فى الرحم الذى يجب استئصاله خلال عام ونصف فتقول للطبيب بآسى .. الا يمكن أن يكون خلال سنتين فربما تتزوج وتنجب فى هذه الفترة.
ينتهى الفيلم نهاية مفتوحة تدر الشفقة حين تجلس الففتاتين فى المطار فى انتظار العريس الذى سينتقى واحدة منهماا قبل صعوده الطائرة مباشرة لكنه لا يحضر!
استطاعت زينة وصبا أن يقدما دوريهما على احسن وجه لدرجة تنسى معهما انهما ممثلتين .. وقد مرت كل منهما بظروف قاسية فحنان مرت بسفر اخيها وابن عمها الذى اصيب بالشلل وخطيبها الذى تركها.. وبالرغممن انها الطالبة والموظفة المثالية بعد ذلك – فان هذا لم يدخل فى قلبها الفرح .. كانت تريد ان تحس بالامان بالنسبة لها هو الرجل .. اما "صبا" الطبيبة الجميلة التىتتمتع بمركز ادبى والتى نسيت نفسها واهتمت بعملها لكى تخدم مجتمعها .. حتى بلغت سن العنوسة فقد كان آداؤها طيباً مؤثراً..
كانت المنافسة رائعة بين الممثلتين .. وكان هذا لصالح الجمهور .
ان بطلتا الفيلم بنتان رائعتا الجمال لا يمكن ان تقول انهما بلغتا سن العنوسة .. ولكن هذا كان يجب ان يكونا كذلك ليعوضا القبح الاجتماعى والسياسى الموجود بالفيلم.
لقد خرجت من دار العرض وانا احس بالاكتئاب الذى استمر معى طوال اليوم.
بقلم / ايريس نظمىالمصدر/ جريدة اخبار النجوم العدد 926بتاريخ 1يوليو 2010
ساحة النقاش