**اليد الخفية لبريخت وبيكيت في نشأة المسرح الفقير
قدمت فرق ثلاثة المسرحية مسرحيتها الثالثة ضمن الموسم المسرحي الثالث المستقل علي خشبة مسرح روابط وكانت بعنوان حكايات من أزقة العالم الثالث ترجمة وإعداد المسرحي الراحل قاسم محمد عن اوزفالدو داركون الأرجنتيني ومن إخراج هاني المتناوي .. وقد صرح الأخير بأنه يقدم هذا العمل لروح الراحل قاسم محمد – المسرحي العراقي الذي رحل عنا العام الماضي – بنفس الرؤية الإخراجية التي تم تقديمها بها في عام 2003 علي خشبة مسرح الهناجر من إخراجه أعني – قاسم محمد – وفي الحقيقة وقد أصابتني الحيرة فالي أى المخرجين أقدم تحليلي ونقدي المسرحي عن هذا العمل ولكن علي العموم فأنني بدأت صراحة بما يدل علي استخدام المنهج الجروتوفسكي الذي يدعيا إنهما بصدد استخدام طابعه فبعد أن شاهدت العمل المسرحي لم أجد أى طابع للمنهج الجروتوفسكي المسمي منهجيا بالمسرح الفقير وعلي ما أتذكر انه عندما اختاروا له لفظ الفقير كان اعتمادا علي فقر المنظر المسرحي من الديكورات المتكلفة التي تمتلئ بالتفاصيل قد تزيد من حاجة الرؤية الإخراجية ولكن تخدم جماليات المنظر المسرحي .. ولكن ليس هذا فقط هو ملمح أو طابع العمل بمنهج المسرح الفقير فان كان اعتماد هذا المنهج أساساَ يقوم علي انتفاء وجود الديكور المسرحي فانه يقدم بديلاَ عنه وذلك لكي لا يصيب المتفرج بأنه سلب احد المتع الأساسية في المشاهدة المسرحية فلو اعتبرنا أن اختفاء الديكور فقط واستخدام القليل منه ومن الموتيفات المسرحية الاخري أو أن مجرد ارتداء بعض الإكسسوارات التي تغير من ملامح الشخصيات ينسب إلى المسرح الفقير لكان بريخت صاحب هذا النوع من المسرح ليس وحده بل لأمكن لبيكت أيضا مشاركته أو ادعاء أنهما شركاء في اكتشاف هذا النوع علي انه يمكن لليونانيين أيضا بل وللفراعنة إن أرادوا أن ينسبوا هذا اللون من ألوان المسرح إلى أنفسهم ولكن ما الذي قدمه جروتوفسكي إلى هذا الحل عن غيره من المهتمين بالعمل المسرحي لكي يعوض المتفرج بما لم يستخدمه من جماليات فنون البصر التي يقدمها مهندس المنظر المسرحي – مهندس الديكور – في وقتها انه اعتمد علي أن يركز علي باقي العناصر التي يستخدمها المخرج من أداء تمثيلي ورقصات بواسطة إيقاعات ودلالات بسيطة تحقق ما يحققه الاوركسترا من متع سمعية أما علي المستوي البصري فلقد بدأ عنصر السينوغراف الذي لم يعتمد فقط علي الموتيفات البصرية المصنوعة من الخامات التي تشكل منظراَ بسيطاَ من المكونات وعميقاَ من الدلالات التي تخدم العمل المسرحي ولكن العامل الأهم والذي علي أساسه وضع ما يرهولد الأسس العملية لمنهج تدريب الممثل هو الطاقة الكامنة في الممثل جسدا وروحا وهنا يجب علي أن أعود إلى العمل المسرحي حكايات من أزقة العالم الثالث وأقول من من هؤلاء الممثلين استخدم منهج جروتوفسكي وبصراحة علي الرغم من أن الممثل "احمد التركي" يبدو عليه الاستعداد لأن يوظف جسده بمثل هذه التدريبات للقيام بدوره إلا أن وجوده وسط ممثلين يعملون بالأداء الكلاسيكي وفي بعض الأحيان كلاسيكي كاريكاتوري قد أعاقه عن الاستمرار في أداءه و الذي كاد أن يقرب من المنهج المعلن عن استخدامه فمثلا اعتمد كل من محمد الصعيدي وسامح عزت علي أداء كاريكاتوري عندما كان يلجأ إلى التشخيص بينما كان كل من محمد عبده وهاني المتناوي ومحمد إسماعيل مغرقين في الكلاسيكية في التشخيص لأدوارهم داخل العمل المسرحي من خلال الاندماج.
وإذا كان المخرج أيا من يكون لهذا العمل لم يستخدم المنهج الذي أعلن عنه في بداية عرضه فماذا استخدم، إذن دعونا ندخل العالم الخاص بالعرض ونتعرف.
لقد قسم المخرج خشبته إلى يمين ويسار ليقدم حكايتين لنفس الحي بل والشارع وبالطبع الزقاق كما هو مبين بالعنوان الخاص بالعمل ولكن حكاية فريق مكون من أربعة ممثلين يعترفون مقدما بأنهم يقدمون حكاية منفصلة عن حكاية جيرانهم في الجانب الأخر وإن كانت لنفس العالم الذي يحيون فيه جميعا فقر وبطالة وجهل واستغلال من جانب الأغنياء أصحاب العمل العارفين ببواطن الأمور بطلا قصتنا لا يختلفا أو يتميزا في البداية ولكن في مرحلة ما يفترق مصيرهما حيث يصيب احدهما في الحصول علي وظيفة كلب لحراسة احدي الشركات أو المصانع بينما يعود الأخر إلى احد أقاربه حيث يعمل في مصنع يصدر اللحم لدول العالم الثالث يستخدم المخرج أسلوب المونتاج بين القصتين اللتين تتقاطعا وتتقابلا وتتداخلا أحداثهما في أحداث الأخري بشكل من المهارة تكشف لنا الفروق والتشابهات التي تقترب بإنسان العالم الثالث تجعل احدهما في غير مهنته بل وغير إنسانيته وأيضا غير آدميته من الممكن أن يحبط من التفكير أو يجن من جراء اختلاط المشاعر.
إننا أمام عالم متساو من الأفراد أصحاب السلطة المتوفرة لديهم لأسباب سبق ذكرها تتسلط علي الأسرة التي تحلم بمستقبل سعيد أو تحلم بالانتحار أفراد يتجردون من الإحساس بالأخر وآخرون يتجردون من أدني حقوقهم الآدمية إنهما حكايتان مأساويتان يقدمان اختيار عملي إلى كل الحلول التي يفرضها الواقع من أزقة وشوارع وأحياء العالم الثالث حتي يصل إلى أن يصاب المجتمع بالطاعون من جراء التهامه للحم الجرذان المفروم في ظل أزمة الفقر ويتحول الشاب إلى مجرد كلب للحراسة أو التسلية في ظل أزمة البطالة وبينما يسود الجهل لا نجد حلولاَ لهذا العالم اعتقد أن العمل المسرحي حكايات من أزقة العالم الثالث هو اقرب إلى المنهج التغريبي الذي يعتمد علي أن يضع المتفرج في غربة عن إحساسه بالبطل و الأحداث ليصنع بعقله حوارا مع الأحداث غير المعرفة في الكلاسيكية التي تعتمد في الأساس علي الحائط الرابع فلقد قام الممثلون في تعريف أنفسهم في البداية وكذلك كانوا يقاطعون التمثيل بتعليقاتهم علي الحكاية في الجانب الأخر من طابعهم جاعلين من عملية التمثيل احد عناصر تقديم القضية التي هم بصددها فتارة نجد احمد التركي يصف أفعال الكلب ثم يجسد هذا الكلب كما نجد محمد عبده يعلق علي شخصيته التي يلعبها مما يغير في أدائها لقد اهتم الكاتب اوزفالدو دراكون بهذا النمط من البناء في الشخصية حتي يصل إلى اختبار حلوله أو فرضياته محل العمل الذي يناقش القضية المطروحة ولقد ناصفه هذه الرؤية مبدعو العرض المسرحي. فكيف يضع الممثل المتفرج محل الشخصية ويجعل في افتراض مجموعة من الحلول بل ويذهب لمناقشتها بشكل واقعي ثم يعود إلى نفس النتيجة حتي يصل بنا إلى أن الجهل هو مشكلة اكبر كثيرا من ذلك الفقر وهذه البطالة حيث أن ثلاثتهم حولوا كل من كان يتصف بالإنسان إلى شئ آخر.
بقلم / أشرف فتحي
المصدر / جريدة مسرحنا العدد 154
21 يونيه 2010
ساحة النقاش