**بالتطبيق على لوحات ماء و زهور و صباح جديد و البوم و فرحة!!

 

تعددت الأبحاث والرؤى النقدية التحليلية حول أثر الاتجاهات التشكيلية الحديثة فى تطور الصورة المرئية المسرحية خاصة مع تزايد إسهامات الفنانين التشكيليين الرواد بإتجاهاتهم التشكيلية المختلفة والمتباينة فى مجال المسرح، بعمل ديكورات لأعمال قدمت على مختلف خشبات المسرح العالمية والمحلية بعدما أجتذب الفضاء المسرحى هؤلاء الفنانين لتقديم إبداعاتهم فى مجال تشكيل الفراغ المسرحى من مناظر وملابس, وهى إبداعات تعكس إرتباط كل منهم بأسلوبه ومنهجه التشكيلى فى التعامل مع المنظر المسرحى، ويذكر منهم هنرى ماتيس- بابلوبيكاسو- مارك شاجال – سلفادور دالى- فيكتور فازاريلى وغيرهم.

منذ بداياته الأولى أعتمد المسرح أعتماداَ كبيراَ علي التصوير في تشكيل مناظر العرض المسرحى ومشاهده، وإن اختلفت في الشكل والوظيفة فتمثل في البرياكوتا او المنشور الثلاثى في العصر الإغريقي متجاوراَ مع البناء المعماري لواجهة المعبد – المسارح التى أتخذت بدورها أشكالاَ قصورية مجسمة منحوته علي واجهة المعبد والتى عرفت باللوحات المصورة أو" البيناكس" التى تمثل موضوعات للآلهه.

وفى العصور الوسطى فى ظل هيمنة الكنيسة علي الحياة الدنيوية والدينية كان التصوير لغة اساسية فى التواصل بين القائمين علي الدين والمرتدين للكنائس بأستخدام التصوير لتجسيد قصص بهدف تبسيط الدين ثم كان لخروج المسرح من إطار الهيمنة الكنسية إلى الساحات والفنادق، وظهور نوع جديد من العروض، ان أستخدم التصوير في رسم الخلفيات كستائر خلفية للعربات المتنقلة المستخدمة كمسرح أقتصر معظمها علي رسم لبيوت متراصة خطية الطابع أكثر منها تصويرية.

مع عصر النهضة وتنامى الأهتمام بالمعمار المسرحى، ظهرت الحاجة إلى تقنيات خاصة بالعرض تتطلبه طبيعة المعمار المسرحى فظهرت الحاجة الماسة إلى الاستخدام الضوئى لإنارة خشبة المسرح والمناظر المسرحية التى توجهت نحو رسم المناظر المنظورية في محاولة تجسيد الفراغ واعطائه الطابع المسرحي.

ومع امتداد التأثير الإيطالي لأوروبا فى القرن السادس عشر وما تلاه، كان لظهور فن الأوبرا في القرن السابع عشر أثره الكبير فى تقنيات رسم المناظر المسرحية وقد تبلورت فى الأعمال المبهرة لأفراد عائلة بيبيانا الذى وضعوا أسس فن رسم الناظر لأجيال متعاقبة، وأصبحت اعمالهم نموذجاَ يحتذى به لما تميزت به من طرز ورسوم منظورية دقيقة التنفيذ، وإتقان لرسم المناظر بإستخدام الظل والنور كوسيلة للإيهام بالواقع المعماري لرسومهم.

ومع بدايات القرن الثامن عشر في إنجلترا أتخذت تقنيات المناظر المسرحية منحى آخر بالإضافات التى اسهم بها كل من جون ويب، وجيمس سورنهل، فيليب لوثربرج الذين أضافوا الاشكال المجسمة إلى الاشكال المرسومة في محاولة لدمج المستوي الافقي لخشبة المسرح بمستوياتة مع المستوي الرأسى بستائرة المرسومة.

وتعد أعمال لوثربرج خاصة علامات بارزة في تاريخ المناظر المسرحية الإنجليزية بإضافاته لتقنيات تنفيذ ورسوم المناظر وإضائتها إضاءات خاصة بحيث تتبدل وتتغير بفعل المؤثرات الضوئية في علاقاتها بالستائر الشفافة .

وفى نهايات القرن التاسع عشر أمتد التأثير إلي روسيا من خلال جونزاجا الذى تتلمذ في ايطاليا ليبدو أثره واضحا علي اعمال من تلوه من الفنانين الروس أمثال "الكسندر بنو- ليف باكست – الكسندر جالوفين – كونستانتين كاروفن " الذين تميزت أعمالهم بروعة اللون وتألقه التأثيرى الطابع، وفى القرن العشرين بدأت المناظر المسرحية تشكل أهمية كبيرة فى العرض المسرحى، بالإبتعاد عن المألوف والخروج عن الاشكال النمطية، فأصبحت أكثر بساطة توحى ولا تقلد وتعبر من دون إطالة أو سرد تفصيلى وتواكب ذلك مع اعمال ستانسلافسكى فى روسيا.

وماكس راينهارت فى ألمانيا وساهم فى ذلك أستخدام خشبات مسرحية غير تقليدية، وبأستخدامات تقنية ميكانيكية جديدة ساعدت علي تحريك المنظر المسرحي وسرعة تغيره بمناظره الواقعية المبهرة علي رغم بساطتها ، فكان يكفى تأكيد علاقة تشكيلية بين واحد او اثنين للدلالة على الكل وظهرت بذلك سمات الواقعية الجديدة فى تلك الفترة من بدايات أولى للقرن العشرين ثم جاءت أعمال "ماييرهولد – والكسندر تايروف" ضد الواقعية كإتجاه.

والغيت المناظر التقليدية لتستبدل بها المنصات الخالية المتدرجة حيث يشكل الضوء وتشكيلات الممثل والحركة عنصراَ اساسياَ فى التشكيل مع استخدام الأساس والإكسسوار والمصطحات الهندسية المختلفة كقيمة تشكيلية.

وكان لظهور الإتجاه التعبيرى الالماني في المسرح علي يد بسكاتور أثر كبير في تحقيق المزيد من التطور في مفهوم المنظر المسرحي الذي استخدم فيه الآلات المسرحية والسقالات والتشكيلات المعمارية البنائية العارية وكأننا نرى معه الاشياء من الداخل لا من ظاهرها.

كما أثرت نظريات اودلف ابيا وجوردون كريج وفلسفتهما الخاصة عن المسرح باعتباره مزيجا من التاثيرات المرئية الضوئية والصوتية وتركزه علي سيكولوجية اللون والضوء .

لقد كان تأثيرهما عظيماَ في راسامى المناظر في القرن العشرين حيث شهد هذا القرن التطور الكبير في التقنيات المسرحية واستخدام التكنولوجيا التي ساعدت إلى حد كبير في تجسيد الرؤى المعاصرة للفنانين التشكيليين والمسرحيين، ومع هذا لم تستطع تلك الحركات المضادة للواقعية أن تقضى عليها حيث ظل للواقع سحره ومنطقة ، الا انها كشفت الكثير من معانيها ونقائصها مما غير سير الواقعية او علي الاقل عدلها الي حد كبير، فالواقعية مازالت تسيطر علي المسرح إلي الآن ولكنها قد عدلت وتغيرت نتيجه لأثار الرمزية والتعبيرية والمسرح الملحمى والدراما الموسيقية، فهذه المدارس قد عودت الجمهور الحديث ألا يتطلب الامانة المطلقة في محاكاة الواقع، وأن يقبل التبسيط والايحاء ومن جهة أخرى فهى قد شجعت المشتغلين بالمسرح علي تأكيد" التمسرحية" أو بعنى آخر الاعتراف بأن المسرح شئ يختلف عن الواقع فمثلا اصبح الديكور المسرحي يعتمد علي الإيحاء بالواقع من دون رسمه تفصيليا وقد يشار إلى مكان الحدث أعتماداَ علي خيال المتفرجين.

الواقعية الجديدة

وبحثاَ عن الواقعية الجديدة في الفن التشكيلي نحاول التعرف علي الاتجاهات التشكيلية المتخلفة وعلاقتها بالواقعية، آخذين فى الإعتبار انه ليس هناك فن أدنى من الآخر فلنبدأ من أكتشاف الفوتوغرافيا حيث كانت دهشة المتلقى كبيرة عندما رأى للمرة الأولى بلاط الشارع مصورا بمستوى الأرض وأن الأشياء المألوفة مصورة من زوايا غير عادية. هل هذا واقع أم طبيعة؟

وحتى تتضح الرؤيا يجب أن نفرق بين مصطلح الواقعية ومصطلح الطبيعة "فالواقعية تعبير عن موقف، والطبيعة تعبير عن أسلوب ومن ثم يمكن ان يوصف عمل فني واحد بأنه واقعي وأنه طبيعي كذلك، فوصفه بأنه واقعي أو طبيعي إنما يأخذ في الاعتبار مضمون هذا العمل الفنى ".

إن سيطرة الفن القائم على النزعة الطبيعية التى ظهرت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ليست إلا مظهراَ لإنتصار النظرية العلمية والفكر التكنولوجى على روح المثالية والاتجاه الي التمسك بالتقاليد بعد ان انتقل الفن بعد الرومانسية خطوة كبيرة اكثر التصاقا بالطبيعة في الحركة الفنية الواقعية الحديثة ثم قادها الفنان المصور ( كوربيه) الذى كانت أعماله تنجه إلى التبسيط فى الخطوط الخارجية.

وقد مهدت لظهور التاثيرية التى تعتبر فناَ واقعياَ إلا أنه يخضع للاتجاه العلمي مثل دراسة الضوء دراسة علمية مستمدة من أبحاث تحليل الطيف الشمسى التى قام بها العالم إسحق نيوتن، وكذلك العالم هلم هولدس فى نظريتة الفسيوبوجية للبصريات وارتباطها بأعصاب العين ونظرية العالم شفريل فى رؤية الألوان للاشياء البعيدة في الافق متأثرة باللون الازرق.

تلك النظريات العلمية أثرت بشكل كبير في كل من الفن الفوتوغرافى والسينمائى الملون فى القرن العشرين بعد ان كان لها اثرها في الفن في نهاية القرن التاسع عشر علي يد الفنان مونيه رائد الاتجاه التاثيري الذى اهتم برسم الضوء في اوقات مختلفة للمنظر الواحد مع استخدام اسلوب النقطة اللونية المتجاورة، حيث يمكن للمشاهد عن بعد أن يري أنطباع اللون الذي يهدف اليه المصور في الصورة، إذ تتلاشي النقط عن بعد وتمتزج علي شبكية العين تلك العملية التى اطلق عليها طريقة " الامتزاج البصرى ".

وقد تطور ذلك الأسلوب علي يد كل من مانيه ورنوار حيث أصبح الضوء أهم شئ لدي التأثيرين في لوحاته حتى طغي علي الموضوع ذاته إلا انه كان لإمتزاج المساحات والبقعة الملونة علي سطح اللوحة أن كان البعد عن العمق يمثل إمتداد واحد لا عدة امتدادات، الا ان أهم مايميز تلك الفترة هو تحرر الفنان في التعبير مما مهد لنزعات واتجاهات فنية أكثر تحرراَ، واكبت ظهور الإتجاهات العلمية والنظريات الفلسفية والجمالية ومنها أبحاث العالم برجسون فى المذهب الحيوي وما يتعلق بالإدراك الغريزي أو الحدثي أو " العقل المبتكر " .

وكذلك كنظريات عالم النفس سيجمون فرويد، وماكان لها من أثر كبير فى ظهور ماعرف بالسريالية والنظرية النسبية لأينشتين وإنعكاساتها في الابحاث العلمية والفلسفية واثرها في الفن التشكيلي الذى عرف بالمستقبلية التي يعد البعد الرابع الزمني الذي يربط بين الزمان والمكان من أهم سماتها.

تلك الدعائم الأساسية ساهمت في تطور الفن وظهور الحركات الفنية الحديثة المنبثقة عن التأثير او الواقعية العلمية، فاصبح الفن اكثر اهتماما بجوهر الاشياء لسطحها الخارجي، والاهتمام بالمضمون المعبر عن المعاني الاصلية لذلك الشكل الظاهرى الخادع، فتوجه الفن نحو عوالم أكثر عمقا وفكرا وتحرراَ.

ويعد الفنان المصور سيزان حلقة الوصل المهمة والفاصلة بين الاتجاهات الكلاسيكية والمذاهب المعاصرة أنطلاقا من التاثيرية إلى المودرنيزم، وضع الباحثون الجماليون لفن سيزان نظرية يمكن أن ينطوي تحتها مختلف الاتجهات الفنية التي سلكها سيزان طبقا لنظرية الاشياء وطريقته في التعبير عنها، وفى نظرية " الإنفعال البصري " the optical

emotion  التى تقوم على أنه ليس المقصود رسم الاشياء كما تبدو لأعيينا، وانما هو رسم الأثر الناتج عن وقوع أشكال هذه الأشياء علي إحساسنا بمعني ان الاشكال عندما تنعكس عن مرآة الحس المقعرة تأخذ صورة تعبر عن تلك المرئيات في اوضاع تنحرف في تكوينها عن الصورة المرئية بطريقة مماثلة لإحساس الفنان الكاريكاتوري نحو الاشخاص الذين يرسمهم بأسلوبة التهكمي.

إلا أن الوضع يختلف بالنسبة الي حالة سيزان حيث يلعب الاحساس البديهي دورة في ادراك الصورة المعبرة عن الجوهر لتلك المرئيات في اوضاع تقوم علي انحراف الخطوط المحددة للاشكال، بحيث تعمل هذه الإنحرافات علي الحد من واقعية الأشكال أو بمعنى آخر الصورة الجوهرية الممثلة للمعاني الكامنة في الاشياء التى تكون متألقة في العمل الفني .

ومن فن سيزان المنبثق من التأثيرية أو الواقعية العلمية نجد للواقعية صوراَ اخرى فى الأتجاهات الفنية الحديثة. حيث " توجد صور أخرى من الواقعية فى الإتجاهات ومذاهب الفنون المعاصرة، التى علي الرغم ما فيها من انحرافات وتحوير تحتفظ نسبياَ بواقعية أوضاع الطبيعة، حيث ينطبق هذا الرأى علي بعض النماذج التكعيبية التى لا يكون التجريب فيها شاملاَ بحيث لاتختفي فيه الأشكال العضوية نهائياَ .

وكذا التعبيرية والطراز الزخرفي لجوجان فى " التكوين الموحد" كما ان السيرياليزم يدخل ضمن نطاق هذه المجموعة لأنه في جوهره فن واقعي يعمل علي إدماج الواقعى في اللاواقعي الا انه يوجد مع ذلك نوع اخر تتخذ به الواقعية اتجاها يختلف عن الاتجاهات السابقة كالواقعية البدائية التى تعبر عن الاشياء غير المرئية او الظاهرة تعبيرا يوحي انها موجودة حيث نجد صدى لذلك فى المذهب التكعيبي التحليلي وكذلك في المذهب المستقبلي الذي يستخدم أسلوب الشفافية في النماذج  والاشكال كى تكشف عن ماهو قائم خلفها في حالة "الحركة" .

وهكذا نري انه على الرغم من اختلاف الاتجاهات الفنية وتوجهاتها فانها ظلت دائما ترتكز في منطلقاتها علي التجديد والبحث عن عوالم أخري تحمل طياتها أصولا وواقعية وإن إختلفت مسمياتها فتترتب فكرة الواقعية دائما بلا أمل في الاكتشاف ولا يتعلق الامر بمنحنى الإحساس بما سبق ان رايناه أو بتقديم أشياء او صور من حياتنا اليومية، بل يتعلق بإثارة دهشتنا حيث يبين لنا الفنان اننا كنا نجهل هذه الصورة وهذه الاشياء فى حين كنا نتصور اننا نعرفها، لذا ظهرت فى نهايات القرن العشرين اتجاهات ومصطلحات فنية جديدة منها ماعرف بالفكر المفاهيمي الذي يفضل ترجمتة في مجال الفن الى "المعلوم التصورى" أو التصويرية، وهو مصطلح فى الفن ينسخ الصورة الحسيه التي نراها لإحداث صورة ذهنية في الادراك, وقد بدأ التمهيد "للتصويرية" فى الفن فى أعمال الفنان دوشامب، ولكن المصطلح استقر في الستينيات على أساس أن العمل الفنى ليس منتجا فيزيائياَ بقدر ماهو مجموعة أفكار ولعل أهم فنان يمكن أن يذكر للدلالة على هذا المصطلح هو الفنان الأمريكي جوزيف كوست الذي عرض عمله الشهير "واحد وثلاث كراسي " سنة 1965 .

كذلك نشأت فى كل من إنجلترا والولايات المتحدة طريقة في الفن عرفت ب"مافوق الواقعية"super realism  ، وهى " تركز على حالة اللحظة الزمنية التي تكون عليها الاشياء والعناصر ويتميز أثنان من فنانى مايفوق الواقعية واللاواقعية المثالية، وهما دواندريا وهانسن اللذان يستخدمان الادوات التقليدية من دون تدخل في مجسماتها كالملابس والشعر وادوات النظافة وخلافه" .

انهم فنانون يريدون استكشاف فكرة الاختزال وغري المستقر والزائل فيما يفعلون ومن اهم العناصر المؤسسة لهذا الفن نجد" الدادية الجديدة" فى امريكا وقد تمثلت في أعمال روبرت راو شنبرنج، وجاسبرجونز، رسم راو سنبرنج في مطلع الخمسينيات سلسلة من اللوحات البيضاء حيث كان الرسم هو الوحيد الظاهر هو خيال المشاهد علي اللوحة، ثم رسم بعد ذلك سلسلة من اللوحات السوداء تماماَ ، ثم بدأ بعد هذه التجارب الاختزالية في التحرك نحو "التوليف في التصوير " حيث يجري الجميع بين السطح واللون واشياء مختلفة تثبت علي السطح ذاته، واحيانا تطور اللوحة إلى أشياء ثلاثية الابعاد ومن الاعمال المميزة لراو لوحة بعنون "سفينة" وهى هائلة الحجم ، وهي نوع من احلام اليقظة الذي يدعى المشاهدون الي المشاركة فيها، هو تدفق للصور التى لا تكون بالضرورة مثبتة أو ثابتة وغير قابلة للتغيير، هو التحرك نحو "التابلو" أو العمل المشهدى وهو عمل فنى يحيط بالمشاهد تقريبا اويحيط به كليا.

وقد ظهر في اوروبا مايعادل الدادية الجديدة في امريكا، واطلق علي النوع الجديد أسم الواقعية الجديدة بعد الحركة التي اسسها الناقد الفرنسي بيير روستانى بالإشتراك مع ايف كلين واخرين  وأدعى روستاني أن الواقعية الجديدة تسجل الواقع الإجتماعى بدون أي نية للجدل، وقد نستقرأ معني ذلك من عمل ارمن الذى كان احد الملازمين للمجموعة وتتألف اكثراعمال ارمن تمييزا من تكدس عشوائى من الاشياء لكنها اشياء من النوع نفسه موضوعه في بلاستيك شفاف ويمكن أن تكون هذه المكدسات في لوحة ثلاثية الابعاد، فوضع أرمن في سبيل المثال تمثالاَ غير كامل لإمراة وملأه بالقفازات المطاطية المجعدة، وهكذا اتجه الفن في عصر ما بعد الحداثة الى تجسيد الحقيقة الملموسة فيما سمى بمذهب الواقعيين الجدد، الذى أراد أزاحة الحواجز بين فروع الفن وقد أدخلت تقنيات شكل من اشكال فن في تقنيات شكل فني اخر، وابتكرت بذلك تركيبات تستجيب لحاجات الجمهور.

التقنيات المسرحية

وبعد هذا العرض لآراء النقاد، وتطور التقنيات المسرحية ومناظرها، وكذلك الاتجاهات التشكيلية ومذاهبها واعتمادا علي ماسبق يمكن الانتقال الي تحليل الأعمال التشكيلية في ضوء ماسبق عرضة حول التقنيات المسرحية باعتبارها وظيفة مسرحية تتطلبها طبيعة العرض المسرحي لايجاد حالة من التواصل بين عناصر العرض والمتلقي في الطرف الآخر، وسعيا للتقرب من خلال إبداع حالة تشكيلية معادلة أو محاكية للواقع الانسانى الممثل والمعيش، واعتمادا علي نص مسرحى مكتوب سلفا يحدد معالم الشخوص التى تحيا داخل الاطار المسرحى بابعادها النفسية والمادية، فقد كانت التقنيات المسرحية دائما متوافقة ومواكبة للشكل الدرامى المطروح، ولهذا فقد اختلفت باختلاف شكل الدراما ومضمونها، وتبعاَ لكل عصر ومعطياته الفكرية والتكنولوجية. كما تأثرت المناظر المسرحية وتقنياتها مع ماأفرزه كل عصر من اتجاهات تشكيلية، ولكن ظل للواقعية سحرها وجمالها وان أختلفت أشكالها وعلي الرغم مايمكن أن تصيبنا به من خيبه للأمل، كما تبرر "النتالى ساروت" السبب الذي من اجله تتعرض الواقعية المطلقة دائما للنقد بقولها"  تخيب الواقعية امالنا" لانها تولد فينا ذلك الاحساس الشاق الذى لابد ان احست به العصافير التي حاولت ان تلتقط بمنقارها عناقيد العنب الشهيرة التي رسمها وركسيس بمنتهي المتعة والاتقان.

وحتى لاتخيب آمالنا كان الاتجاه نحو مايمكن ان يطلق علية الواقعية الجديدة وهى مزيج من صدق كوربيه، وتقنية مونيه ، وسحر مانيه ، وعلمية سيزان ، وتعبيرية جويا، ومثالية هانسن.

هى توافق بين الامتزاج والانفعال البصري هى الانطلاق من واقع السيكولوجي وتحليقاَ الى مافوق الواقع، لاستكشاف والرصد بعين الفنان الفوتوجرافية التى تلتقط وتصور وتتصور لتشكل واقعا جديدا سعى اليه انطوان – بشرائح اللحم الدامية -  وبريخت بشاشاتة المسطرة باخبار الساعة وتشيكوف فى بستان كرزة وتنس ويليامز فى عربة اللذة التى مثلت للتيارات المسرحية المختلفة التى صاغت وشكلت واقعية القرن العشرين.

تلك هى الواقعية المعاصرة التى نسعى إليها (واقعية جديدة) نتلمسها من خلال مجموعة اللوحات المقدمة بتقنياتها التشكيلية المسرحية وبإضافة العمق الثالث ليمتد البصر داخل اللوحة يستشعر الفراغ والشفافية فقد تعاملت مع لوحاتى من منطلقى كونى مصمما مسرحيا فجاءت التشكيلات ومفرداتها والتقنيات وأساليبها مغايرة لما أعتاد عليه مشاهدى اللوحة المعلقة المحاطة ببرواز فجائت اللوحات بلا اطر لتتماس معا .

مسرحية ليس على المستوى التقنى المادى للخامات المستخدمة من مجموعة الاقمشة المختلفة التى تحيط بنا ونراها فى كل مكان فقط ولكن فى الطرح الدرامى لموضوع اللوحة وتشكيلها ايضا فاللوحة أو المنظر المسرحى أو اللحظة الدرامية المقتطفة من تلك الحياة اليومية المعيشية تتضمن اهم سمات المنظر المسرحى كونه لابد ان تتمثل فيه الحالة المكانية والزمانية والاجتماعية والنفسية اضافة الى الحالة الجمالية المرئية فاللوحة –المنظر-لابد أن تعكس واقع الحياة داخلها وقد نختلف عن كيفية ذلك الواقع ولكنه يظل دائما واقعا متجددا بفعل الحركة المتموجة داخله.

التصوير في اللوحات ليس بمعناه التقليدى وانما هو بناء قاعدة تصور للاشياء لعلاقتنا بها ليس من خلال البصر فقط ولكن بحواسنا مجتمعة نستشعر الدفء كما فى لوحة "عباد الشمس "نشعر بالترقب والقلق والانتظار مع مراكب الصيد "البوم" والفرحة والبهجة "شمس الكويت" والفراغ وامتداد الافق فى ربيع "البر" والحفاوة والكرم العربى فى لوحة "القهوة" مع الدلة وفناجين القهوة المتطايرة .

ونتعاطف مع الابراج فى حزنها وانكسارها فتغطيها الغيوم السوداء ونترقب معا فى لوحة اخرى "صباح جديد" ثم نشاركها الفرح فى "نهار سعيد".

يلاحظ تمسرح الاشكال فى ابعاد اللوحة والانتقال من حالة الى حالة ومن مقصد الى اخر ومن بهجة الى اخرى فضاءات تشكيلية متعددة تسعى لبناء صلة ايجابية مع المتلقى كثير فرحا تلقائيا بدائيا يعود بنا الى فتراتنا الاولى نستشعر معها خفة مافينا من حث وندرك معها اننا يمكن ان نصبح جزءاَ من ذلك الوجود الملون الجميل المتلألئ وهو جزءاَ منا ومخيلتنا هى صدى لهذه الحقيقة فى الترابط ، حقيقة الواقع الذى نكتشفه من خلال التوحد مع العمل الفني علي رغم بساطة مفرداته.

واذا كانت نوعية التوحيد بين العقل وميتافيزيقا العقل، فإنه في الواقع الجديد ليس هناك مجال لشطحات ميتافيزيقية بعيدة عن الواقع فاذا كان لابد من الحلم باعتباره تعويضا عن رغبات مكبوتة وامنيات مجهضة، ففى الواقعية الجديدة يحلم الفنان وهو مفتوح العينين فالواقع ماهو قائم ملموس مرئى ومحسوس يحيا ويتألم يفرح ويحزن معه وعلينا أن نجسد حلمنا من خلال هذا الواقع ومفرداته ومعطياته نحلله ونعيدة الي عناصره الاولى المكونه له ثم بإعادة تشكيلة وصياغة مفرداته ودقائقه المشكلة لذاته والمنعكسة فيه والمعبرة عنه، التى قد لاتري وسط الزخم الحياتي والنظارات العابرة ولكن علي رغم ذلك لا يعدم وجودها وحضورها الإنساني .

تحليل اللوحات

وفيما يلي عرض تحليلي للوحات المعروضة: لوحة " مسقط أفقى" خامات متعددة واصباغ(100×90)

تعكس اللوحة الانطباع الأول للهابط بالطائرة إلى مطار الكويت حيث يري المنظر كأنه مسقط أفقي- نظرة من أعلى – يظهر فيها خزانات المياه وهي من المعالم الاساسية للكويت، حيث تري بكثرة وقد صممت علي شكل تخيلي ولونت بخطوط رأسية ذات ألوان زرقاء وقد رأيت فيها امتداد لهذه الخطوط الرأسية لتتجمع في المركز مشكلة مجموعة من الزهور أو المظلات التي ينعكس ظلها بما يحمله من ماء ليروي الارض الصحراوية المحيطة بها بالوانها الصفراء، ويمتد الظل لينبت الشجر والنخيل ويتلاقي الأزرق والأصفر والأخضر ليثمر الاشجار قطوفا حمراء تبدو في أسفل اللوحة، فالماء حياة

لوحة (ماء وزهور) خامات متنوعة – صبغات – (100×90)

تبدو خزانات المياه مساء في مسقطها الراسي هذه المرة وقد اضيئت من اسفل لتبدو شاخصة متلألأة بالوانها الزرقاء وخطوطها الفضية اللامعة الرأسية، علي خلفية ذات خطوط افقية ذهبية تزدان بنجوم وسحب سابحة، في حين يشاهد اسفل اللوحة نباتات وزهور - سقي الماء- فتبدو خزانات الماء كانها زهور عالية وقد احيطت بهالة من النور، ويلاحظ في اللوحة الايقاع المتنوع للخطوط الراسية في امتدادها وتميلها وتنوع الفواصل بين الخطوط الراسية في علاقتها مع الخلفية الذهبية ذات الخطوط المتوازية الممتدة، ايقاع ثابت يعكس هدوء الليل وصمتة الذى تتخلة المساحات الزرقاء للسحب الافقية بدورها وبتناغم الإيقاع الأفقي والرأسى وبامتزاج الزهرات في الاسفل التي تشكل قاعدة متناغمة تنطلق منها التشكيل الاساسى للوحة.

لوحة ( أتفضل قهوة ) خامات متعددة – أصباغ - (100×90)

القهوة العربية من المشروبات التي يجتمع عليها الناس، يدور بها حامل "الدلة" ومعه الفناجين يصب للشاربين قليلا قليلا، ولايتوقف الا باهتزازة من يد الشارب حامل الفنجان، وبالنسبة الي الغريب الذى لايعرف التقاليد فيظل الساقى يصب له من دون توقف كلما فرغ فنجانه وهذا ماتعكسه هذه اللوحة فى حركة الفناجين التي لا تتوقف تلف وتدور وتتطاير مهللة مرحبة وسط زهور وزخارف عربية فوق المائدة التى تحمل "الدلة" او ابريق القهوة النحاسي الواقف في استعداد وترقب ترحيبا بالضيوف الشاربين فتبدو اللوحة مهللة " ياهلا ياهلا.. قهوة.. تفضل".

لوحة ( صباح جديد أبراج الكويت) خامات متعددة- صبغات- (100×90)

اللوحة لأبراج الكويت، وهى من المعالم السياحية الرئيسة في الكويت تبدو البهجة والسعادة علي الالوان والإنعكاسات الضوئية المنبعثة من الخامات ذات الاسطح اللامعة في ضوء الشمس الساطع المنعكس علي التكوين المعماري للأبراج بنهاياته الفضية المدببة يطل علي الخليج بصفحة مياه الهادئة ينعكس عليها ضوء الشمس ليتلاقي مع نهاية الافق سطح الماء والسماء .

يؤكد امتداد الافق والعمق المنظوري للنخيل الموجود في مقدمة اللوحة أعلى اليسار بينما يؤكد الفراغ مجموعة الحمامات البيضاء في الوسط، وتمتد الزهور الحمراء في المقدمة لتربط عناصر التشكيل بصريا الذي ينبع الضوء من داخلة بفعل شفافية الخامات.

لوحة (فرحة) خامات متعددة- صبغات- (100×90)

25 و 26 فبراير هما عيدا الاستقلال والتحرير ويحتفل بها علي المستوي الرسمي والشعبي، حيث تزدان الشوارع والنخيل والاسوار وواجهات المبانى بإضاءة الملونة والمتحركة ترسم صورا واعلاماَ، تبدو المدينة خاصة في الليل محتفلة مبتهجة فرحة ومضيئة ذلك ما ألتقط في هذه اللوحة ولكن نهارا حيث تحول جزء من خريطة الكويت المطلة علي الخليج الي مجموعات من الزهور والالوان تكون شكل علم الكويت تغطي الارض، بينما يسطع عليها ضوء الشمس التي اتخذت شكل زهرة عباد الشمس الذهبية تنثر ضوئها وعبيرها في حين تحلق حمامة بيضاء كبيرة في الوسط تجمع بين الشمس والعلم وبين السماء والارض والماء بزرقته والفيروزية.

لوحة ( البوم) خامات شفافة – صبغات – (100×85)

هى نوع من مراكب الصيد الشراعية القديمة التي كان يستخدمها الكويتيون في صيد الؤلؤ الحرفة الاولى قبل ظهور البترول التي كان يعتمد عليها اما الآن فقد انتهي به المطاف ليصبح جزءا من التراث القديم، يزين به احد اهم الاماكن السياحية الحديثة في الكويت وهو مبني المركز العلمي المطل علي الخليج فياتى التشكيل هنا يعكس حالة من الشجن للمركب وقد حط شراعه ووقف تتقاذفه الامواج وتحيط به سحب وسماء ضبابية قاتمة إلا من ضوء خافت لقمر يطل وسط الغيوم، والمركب بين الماضي الملئ بالذكريات، والمغامرات والصولات والجولات المنعكسة اعصارها علي سطحه وسواريه القديمة، وبين الحاضر الذى تحول فيه الي شكل تراثى يرفع العلم الكويتي الجديد... إنها رأسية في صمت مطبق .

لوحة (طبيعة غير صامتة) صورة تفصيلية – خامات + صبغات – (100×90)

يتركز التشكيل عادة في لوحات ضوئية بعينها والتشكيل عادة مايكون في حالة سكون، أما في هذه اللوحة فيلاحظ أن عناصره غير ساكنة تتسم علاقاتها التشكيلية بالإيقاع المتعدد المتنوع الناتج من تنوع خطوط التشكيل مابين الرأسى والأفقى الدائري والمقوص والمموج والمنحني، مما يعكس ايقاعا متجددَا من خلال تنوع الخامات المستخدمة وانعكاساتها الضوئية المختلفة بفعل اختلاف الملامس والسطوح، كما تسبح الأشكال وتتطاير روائح في الفراغ المجسم الناتج عن تعدد مستويات التشكيل التي يتخللها الضوء من زوايا مختلفة، فيتغير بتغيير مصادر الحالة التشكيلية للوحة.

لوحة( فى البر) خامات أقمشة + صبغات – (120×80)

رحلات البر – أو مخيمات الربيع- أمتداد الافق الصحراوي برماله الصفراء في تلاقية مع الازرق السماوي بتدرجة ، ونباتات صحراوية هنا وهناك وخيام متناثرة، أفترش مخيموها الارض للشواء والسمر، وبعض خراف ترعى من عشب الصحراء، يلاحظ اعتماد التشكيل علي الخطوط والمساحات الافقية في تداخله، لتعكس الشعور بالاسترخاء والراحة لما للخطوط الافقية من دلالات سيكولوجية، كما يلاحظ ان العناصر الرئيسية في التشكيل هي العناصر الخارجية المضافة الي الطبيعة والمتمثلة في مجموعات الخيام واعمدة الاضاءة وتعكس الالوان في اللوحة بدفئها وتوهجها أحيانا طبيعة المناخ الصحراوي الحار، المشمس الرطب، وهو ما يعنية التشكيل في اللوحة.

بقلم/ د. عبد المنعم مبارك عميد المعهد العالى للفنون المسرحية المصدر/ مجلة فنون اغسطس2006

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,283,924