أثارت اقتراحات البعض بتعديل قانون الآثار بمجلس الشعب في الآونة الأخيرة حتي يتاح التجارة بها وبالتاريخ صخباً شديداً وغضباً أشد في الشارع المصري، وقد لعب من قبل سماسرة العقار دوراً خطيراً في السنوات الأخيرة في رفع أسعار الأرض والبيوت مئات المرات بشكل ليس له مثيل في العالم كله، وقد تلا ذلك قوانين الضريبة العقارية التي أثارت استياء الشعب بكل طبقاته خاصة البسطاء من الناس وهي قضايا اجتماعية جعلت البشر يعيشون علي سطح صفيح ساخن.

أنها قراءة أولية ومعاصرة، ربما حاول أن يقترب منها صناع عرض حمام روماني للكاتب البلغاري الساخر جداً ستانيسلاف ستراتييف، والتي كتبها عن واقع اجتماعي سياسي انتشرت فيه قضايا الفساد، بسبب طغيان المصالح الشخصية للمنتفعين الذين سحقوا بأحذيتهم ضمائرهم تحت شعارات رنانة.

حمام روماني

يحصل إيفان "محمد محمود" علي دعوة يقضي بها اجازة علي شاطيء البحر، كان من المفترض أن يسافر بها مديره في العمل، وحين يعود الرجل من اجازته، يفاجيء بحفريات في منزله تكشف عن حمام أثري يمتد إلي عصر الرومان، وهو اكتشاف يبث تليفزيونياً لحظة وصول إيفان صاحب المنزل، الذي يجد نفسه في النهاية وجهاً لوجه أمام الأستاذ أيمن الشيوي مدعياً انه صاحب الأكتشاف ومتحدثاً بأسم الأنسانية والدولة والجميع، وفي الوقت نفسه يرفض نقل الحمام إلي المتحف حتي لا يستفيد منه غيره، وحين يسأل ايفان الأستاذ" هل تملك ضميراً" يرد عليه بقوله "أملك شهادة" اذ أنه يعترف بأنه لا يملك ضميراً، وإنما يملك علماً يسخره لقتل الأنسانية وسحق البسطاء من أجل مصلحته الخاصة، فالانسانية ليست من اختصاصه كما يقول إيفان.

ثم يتوافد الأنتهازيون علي المنزل لتحويل الأكتشاف إلي مكسب شخصي بأسم الأنسانية أيضاً، فها هو تسيكوف "جميل عزيز" سمسار التحف الفنية, يغرى إيفان بفيلا على أحد شواطئ سويسرا والمال فى مقابل أن يتنازل له عن الحمام, فالرجل أخرج سراَ إلى خارج البلاد آثار نصف المقابر القديمة لحسابه الخاص.

يأتى المنقذ "أشرف عبد الفضيل" الذى تم تعيينه منقذاَ للمشرفين على الغرق فى المسبح, ورغم ان الحمام يخلو من نقطة ماء، إلا انه تم تعيينه وفقاً للقوانين البيرواقراطية والتي تزيد الأمر تعقيداً، ولهذا يقوم بواجبه مع إيفان وغيره، فهو يجعله يغرق، ثم ينقذه وبعدها يجعله يوقع علي دفتر الأنقاذ حتي ينال رضا مديريه.

إنه الواقع الذي يتحول إلي كابوس عبثي:

المنقذ: يجب أن أمارس مهنتي، وإلا سيطردونني من العمل

إيفان: لا أرغب في أن تنقذني الآن

المنقذ:لماذا؟ الوقت مناسب، يوجد علي البرج علم أحمر، الماء بارد انه مناسب لتقلص العضلات

إيفان: لا أحب أن أغرق في الماء البارد كي لا أصاب بالبرد.

حمام فرانزكافكا

بالطبع لا يوجد ماء في الحمام ولا مجال بالتالي إلي الغرق، فهو حوار عبثي "واعي" كما يقول فرانزكافكا في إحدي رواياته،إذ نجد رجلاً يجلس أمام حمام سباحة، ويلقي بسنارته فيه، وحين يسأله آخر عما يفعل؟ يرد عليه بقوله

 "اصطاد سمك" وحين يسأله مرة ثانية : "وهل اصطدت سمكا؟" فرغم أنه يعرف أنه ليس بالحمام ما يدعوه إلي صيده، إلا أنه يمارس الصيد في الوقت نفسه. وهو تماما ما يحدث في عرضنا المسرحي، فالحمام لا ماء به، ولا يصلح للغرق، إلا أن المنقذ يمارس مهنته وينقذ الغرقي أنه واقع يتحول إلي كابوس عبثي ويجعلنا نضحك بمرارة.

يدخل رياماندييف " طارق إسماعيل" السمسار" العقاري وقد باع نصف مدينة صوفيا، يسعي إلي بيع منزل زوجته، وبعده يصل جينتشيف عضو لجنة الحي

" طارق أباظه " الذي يريد أن ينسب الحمام إلي لجنة الحي كي يفوز بالجائزة.

ومن قبل أن تصل مارتا "نيفين رفعت" خطيبة الأستاذ التي تخيره بينها وبين الحمام، فيختار الأخير، وهنا تتعاطف مع إيفان بعد أن تؤمن بقضيته العادلة.

وفي النهاية تجتمع كل هذه الشخصيات في جانب، وعلي الجانب المقابل يقف إيفان ومعه مارتا ضدهم، وقد رفع معوله إلي أعلي فيسقط الجميع في الحمام وهم يرجونه بأسم الأنسانية والثقافة وغيرها من الشعارات، ثم تتقدم مارتا و إيفان لتحية الجمهور ليكونا علي مقربة من الناس، وهي نهاية تركها المؤلف مفتوحة في النص وقد غيرها المخرج هشام جمعة في النهاية، إذ جعل من مارتا و إيفان يقاومان كل هذا الفساد ويطردانه إلي خارج المسرح علي إيقاع أغنية "البيت لمن يحميه" وهو معني يمكن أن يتسع ليشمل الوطن و الأرض.

العرض علي خشبة المسرح

إن مساحة الديكور التي شكلت جزءاً من يسار الصالة وكل أماميتها، وجزءاً من اليمين بما فيها المطبخ والمكتبة وحجرة النوم والصالون والحمام، قد اتخذت مساحة مكانية كبيرة، كان يمكن لمهندس الديكور ومصمم الملابس ربيع عبد الكريم أن يتعامل معها بالترميز لصغر حجم المكان، إذ أن الأساس في الموضوع هو الحمام الروماني الذي جاء فقيراً لا يعبر ولا يثير كل هذه الصراعات الدرامية لفقره الشديد وعاديته. كما جاءت الملابس بدون وحدة عضوية، وكأنها من عصور مختلفة، إيفان يرتدي بيجامة أعدام، ولم يصل هذا الرمز إلي المتلقي كما أن سمسار العقار يرتدي ملابس الطائفة اليهودية، وهي ملابس قديمة تجاوزتها هذه الطائفة اليوم، وملابس الأستاذ عصرية، وخطيبته أكثر عصرية بما لا يتفق مع تركيبتها الدرامية، بسبب وقوفها إلي جانب الأنسان البسيط ووضوح رؤيتها الفكرية.

الإخراج

هشام جمعه فنان موهوب، واتصور أنه لم يوظف أقصي مواهبه في هذا العرض، إذ كان عليه أن يهتم أكثر بطبيعة الديكور التي لم تعبر تعبيراً حقيقياً عما وصفه أو جاء به المؤلف في النص الأصلي، كما أن الإيقاع طوال العرض يغلب عليه الرتابة رغم حدة الصراع الدرامي، وكان يمكن التركيز بشكل أكبر علي السخرية اللاذعة والعبثية في حوار المؤلف ولكن جاءت الخاتمة علي العكس جيدة تلخص الموقف التقدمي من العالم، وهو "البيت لمن يحميه" وكانت إيقاعات هذا الجزء سريعة تلائم ما يطرحه الموقف.

الأداء

تميز أداء محمد محمود بالتلقائية والطبيعية في تصوير الأنسان البسيط، وعلي العكس كان أداء أيمن الشيوي، حيث أظهر تقنيات أداء الممثل في محاولة لتصوير الشخصية الأنتهازية وتميز أداء جميل عزيز بالمصداقية، وكانت نيفين رفعت بسيطة وتلقائية، وعلي الرغم من امكانيات طارق إسماعيل الجيدة، إلا أنه قدم شخصية تقليدية لليهودي الذي دأبت السينما المصرية علي تقديمه منذ عشرينيات القرن الماضي، والعرض النهائي يقدم رؤية معاصرة لواقع مرير يعيشه الأنسان البسيط علي حافة الخطر.

بقلم/ احمد سخسوخ     مجلة اخبار النجوم 25/2/2010

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,273,175