إذا رجعنا إلى عمالقة الفكر اليونانى أمثال أفلاطون وأرسطو سنجد أنهم يركزون على الجوهر الأساسى فى العمل الفنى ألا وهو الفكر . وعلى سبيل المثال نجد أفلاطون يستخدم المنهج الديالكتيكى والذى يعتمد على البدء من الأمور الواقعية والرجوع بالتحليل للوراء للكشف عن الفكرة التى غالباً ما تكون دفينة فى أرض الواقع ، ولكنها تكون صافية من منظور الفكر المجرد . أما أرسطو فيبدأ بدراسة العمل الفنى قبل أن يتخذ إتجاهاً معيناً . وتعد هذه الطريقة هى الأفضل على نحو أنه إذا بدأ الناقد بدراسة العمل ذاته ، دون التقيد بإتجاه أو مذهب معين بمعنى أن يعكف الناقد على دراسة النص ذاته ، ومن زاوية معينه يختارها بذكاء بحيث يتسنى للمتلقى الكشف من هذه الزاوية عن باقى الزوايا الخافية داخل العمل الفنى .  

فالناقد فى هذه الحالة يسمى بناقد الفكر ، وهو فى موقع الفيلسوف المحلل لكل لفظ من أجل منطقة الأفكار وإتساقها . فالتساؤلات والتحليلات والإستنتاجات هى من أهم الأمور فى مجال تقييم بناء الفكر داخل العمل الفنى .

فناقد الفكر يستطيع أن يحلل وينقد أى عمل فنى مهما كانت طبيعته أو نوعه،  فمثلاً إذا تناول عملاً فنياً يتناول قضية مثل العدالة الإجتماعية . فإنه هنا سوف يبحث عن مفهوم العدالة بصورة مطلقة، ثم يتطرق إلى شق العدالة الإجتماعية ومضمونها الإجتماعى ، وبالتالى فهو تخطى مفهوم جامد ألا وهو العدالة إلى مفهوم جديد .

فقد كان على سبيل المثال يهتم زكى نجيب محمود بتحليل الألفاظ والمعانى  لأنه يرى أن كل أخطاء الفهم والنقد تنشأ من عدم تحديد المعانى ، أو الألفاظ غير المفهومة أو غير محددة المعنى.  وقد نشأ فى أوربا جماعة يقوم هدفها الأساسى على التحليل،  فيقومون بعملية تشريح للألفاظ للكشف عن معانى تلك الألفاظ والعبارات التى تحتويها ذلك على أساس منطق اللغة نفسه وليس على أساس النتائج المترتبة عليها كما يرى البرجماتيون . حيث أننا نجد أن كثير من الألفاظ تتراص بجوار بعضها البعض لتكون بناء يتبع قواعد النحو، وفى بعض الأحيان يرفض منطق العقل هذا البناء . وفى هذه الحالة غالباً ما يكون هذا البناء خالياً من المعنى.

ومن أهم الأدوات التى يستخدمها ناقد الفكر هى الأداة التى يبحث بها عن ما تحمله الأفكار فى جوفها من معانى، وفى حالة وجود معنى وجب عليه تفسيره وتيسيره. وهذه هى أهم وظيفة أيضاً لناقد الفكر ألا وهى تحليل العناصر التى تحتويها الفكرة وفهم ما تعنيه ، وهو فى هذه الحاله قد يدخل فى واحدة من عدة حالات : أولها : أن يجد ما تشير إليه الفكرة من سلوك أو صورة معينه،  وبهذا تكون الفكرة قد تأكد وجودها فى عالم الحقائق . وثانيها : هو أن يتأكد الناقد بذاته من طبيعة ما تشير إليه هذه الفكرة ، وفى بعض تلك الحالات تكون الفكرة ذات معنى ولكنه غير صحيح وتكون خاطئه فى تصويرها للواقع.

ثالثها : أن يجد الناقد أن الفكرة التى يحتويها العمل تنطوى على تناقض، لأن العناصر الكامنة فيها تعارض بعضها البعض.

رابعها : أن يكتشف الناقد بتحليله للفكرة ذاتها،  أنها بحكم تكوينها اللفظى لا تحمل معنى على الإطلاق ، وبهذا يستحيل أن تشير إلى موجودات أو حقائق فعلية، وبالتالى لا يمكن أن تتحقق.

ومن هنا نجد أن ناقد الأدب على سبيل المثال لابد أن يبث من خلال النقد الذى يقدمه تقويمه الخاص للعمل الأدبى،  فالناقد هنا بمثابة العدسة المكبرة التى تكشف دخائل الأفكار وعناصرها.  فهو الفنان الباحث عن النفائس وسط الزيف.  ولهذا فنحن فى حاجة ماسة إلى ناقد الفكر ليقدم لنا حقائق الأفكار ويوضحها ويسلط عليها الضوء لنستفيد منها ونرتقى فكرياً وفنياً.

بقلم/ا.د حسن يوسفوكيل المعهد العالى للنقد الفنى اكاديمية الفنون

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,204,373