يقول أسطورة المسرح الشعري صلاح عبد الصبور: المسرح لا يُكتب إلا شعرا”!
وبما إنني ممن وقع عليهم سحر الشعر والمسرح معا أومن بمقولته أشد الإيمان، فالشعر في المسرح ضرورة وهو أقوى من النثر وأن ثمة أمور تيسر الأداء الإبداعى في الشعر المسرحى منها على سبيل المثال الاستغراق في العمل..

وعلى الرغم من توالد أعداد الشعراء المصريين الموهوبين يسطع السؤال: لماذا تراجع عدد المنتج الجيد من النصوص المسرحية الشعرية على الرغم من قدرة فئة كبيرة من هؤلاء الشعراء المبدعين على امتلاك ناصية النسج الدرامي الذي بدا واضحا في نصوصهم الشعرية الطويلة والمتعددة الأصوات والمفارقة في المعنى والتي تمتلك حسا دراميا كبيرا؟
كثير من النقاد يستغربون من أن العرب هم أمة الشعر الأولى إلا أن تجذر المسرح الشعري لم يحتل مكانة متقدمة لديهم اللهم إلا تلك القصائد التي تحمل الشكل البدائي من الحكي الدرامي الذي احتشدت به قصائد عمرو بن أبي ربيعة والتي تسرد علاقاته ومغامراته العاطفيه في حين تصدر تراث المسرح الغربي متمثلا في الألعاب التمثيلية الأولى عند اليونان قائمة على مقاطع الشعر وهى عبارة عن التراتيل الأساسية التي ينشدها الكورس للإله باخوس إله الخمر. لدى اليونان والرومان، وكان لها ما لها من أثر في نقد المجتمع.
ولكن من بعد قام العرب فترجموا كتاب أرسطو في الشعر والذي تأكدت فيه أهمية المسرحية وتنوعها بين أجناس الشعر الثلاثة: الغنائي والمسرحي والملحمي فقد تأخر ظهور المسرحية الشعرية في أدبنا العربي فلم تأخذ حيزا حقيقيا سوى بعد الحملة الفرنسية على مصر، وفي العصر الحديث ومع بدايات بزوغ كتابة الشعر المسرحي وتطوره إلى المسرح الشعري كانت نصوص أمير الشعراء أحمد شوقي هى الدعامة الأساسية التي مثلت هذا النوع من المسرح ليسد فراغا كان موجودا منذ نشأة الكتابة المسرحية الشعرية عالميا.. فكان شوقي أول من كتب مجموعة مسرحيات شعرية بدأها بـ على بك الكبير عام 1898 أما بقية مسرحياته فبدأ كتابتها عام 1931م.
و على الرغم من أن المسرح في مصر بدأ مترجما إلا أن أصحاب الفرق كانوا يقحمون في عروضهم الشعر كوصلات غنائية .. لأن الجمهور كان يميل لسماع الغناء والأشعار عبر العروض.
والتأصيل للمسرح الشعري المصري في بداياته ذكرها من قبل د. مصطفى عبد الغني في كتابه المهم “المسرح الشعري العربي؛ الأزمة والمستقبل” حيث قال: إن حركات التأصيل الدرامي التي بدأها خليل اليازجي بمسرحية (الوفاء والأمل) في بيروت ثم في القاهرة في منتصف القرن التاسع عشر شهدت حالة الجزر الحاد الذي تعرفه دراما المسرح الشعري العربي اليوم” حيث مر المسرح الشعري في مصر بثلاثة مراحل ما بين المد والجزر ما بين عامي (1847 و 1980) الأولى شهدت ملامح التطوير في الفعل الدرامي لتصل إلى نهاياتها، والأخيرة شهدت صعودا للمسرح الشعري بل المسرح العربي عموما ، حتى أصيب المسرح في منتصف الثمانينيات بحالة من الركود الشديد تبعه بالطبع ركود خاد في المسرح الشعري..
وعلى الرغم من ظهور أصوات مسرحية مصرية كثيرة لشعراء كبار بعد صلاح عبد الصبور والشرقاوي ونجيب سرور كأحمد سويلم ومحمد إبراهيم أبو سنة وفاروق جويدة ومهدي بندق وأحمد الحوتي ود.محمود نسيم ومحمد فريد أبو سعدة وأنس داود ونبيل خلف.. وعادل البطوسي وكاتبة السطور وغيرهم.. إلا أن صوت المسرح الشعري ظل خافتا غير معبر في كثير من الأحوال عن القضايا العربية.. حيث يعيش الشعراء مثلهم مثل الكتاب أزمات واقعهم المرير على كل المستويات محليا وعربيا لكن لا تسعفهم قريحتهم المبدعة سوى في تدبيج القصائد المطولة في غالب الأحيان حيث تشوب الرؤى الدرامية في كثير من الأحيان ما يشوب الكتابة المسرحية عامة من ضعف البنية الدرامية وغوصها في الغنائية والوقوع في مأزق البوح على الرغم مما يقابل ذلك من قضايا كبرى تحتاج من هؤلاء الكتاب الشعراء أو الشعراء الكتاب الغوص في أتونها للانصهار معها ثم للتعبير عنها بشكل يسمح للنقاد بالقول أن هناك حركة مسرحية شعرية بالتوازي مع الحراك العربي والمحلي تعبر عنه تتأثر به ثم تؤثر به حين يقدمها المبدعون للجمهور على خشبات المسرح.
ولعل المشكلة الأزلية التي تواجه كتاب المسرح الشعري هى اللجوء للتراث والتاريخ لاستلهامه لى مستوى الأحداث الكبرى أو الصغرى أو الشخصيات، فالمسرح الشعري ربما لا يسعف كاتبه اذا كان موضوعه محليا وهنا لا يكون المسرح الشعري هو الاختيار الامثل خاصة وأنه جزء من الشكل الذى لابد أن يعبر به الكاتب عن بيئته .. لذا يسعى يجد الكاتب في البحث عن الثيمة الدرامية التي من خلالها يستطيع نسج عمله على أصول ثابتة وراسخة، وهنا عليه التمعن فيما يختار وفي ذات الوقت ابتداع رؤية فكرية ليتناول بها عمله الجديد، والعمل على خلق نص ينال إعجاب المخرج ليتحمس له بتقديم فرجة مسرحية يجذب بها الجمهور الذي هجر مقاعد المسرح لأسباب عديدة منها غياب الحكاية المعبرة عنه.. وهل لو بذل الشاعر سنوات عمره فى كتابة نصوص راقية من المسرحية الشعرية سيجد ذات يوم مخرجا يتحمس لتقديمها أم سيظل حلما بل مستحيلا.. كما ينبىء الواقع؟!

بقلم : صفاء البيلى

المصدر : موقع الفرجة للفنون العربية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1360 مشاهدة

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,254,447