أري أن مبدأ اندثار الفيلم السينمائي تماماً أمر غير مُحتمل الحدوث، فالفيلم السينمائي سيظل في الوقت نفسه هو الوسيط السائد من أجل التصوير السينمائي لأفلام السينما، مثلما كان دائماً منذ بداية صناعة الصور المُتحركة،  وحتى ظهور وسيط يثبت أنه بنفس مرونة وتنوع الفيلم، فستبقى للفيلم مكانته الكبيرة في صناعة الترفيه.

فالفيلم السينمائي يُعد جزء من ثورة السينما الرقمية، مثله مثل أي شكل من أشكال التقنية عالية الوضوح HD، أو المُعتادة SD، إن لم يكن أكثر من ذلك، فلقد أعاد ظهور الوسيط الرقمي Digital Intermediate(DI) بمرحلة ما بعد الإنتاج، التأكيد على دور الفيلم كوسيط للحصول على الصورة، فلا حصر لإمكانياته الفنية، والتي ستمتد لفترة بعيدة بالمستقبل.

فمن خلال أنظمة DI تمكن مخرجي الأفلام السينمائية من التمتع بجمال التصوير على الفيلم السينمائي وتعددية استخداماته بالإضافة إلي استخدام الأدوات الهائلة المُبتكرة، والتحكم الفني الذي يُتيحه النظام الرقمي.

وكلمة فيلم بالطبع مثلها مثل النظام الرقمي لا تُشير إلى شكل واحد، فهناك فيلم 35 مللي، و16 مللي، 16 سوبر، 35 مللي Four-perf، 35 مللي Three-perf، كما أن هناك أشكال من خام الفيلم نفسه Kodak، Fuji، لذلك فإن للفيلم اختيارات عديدة تقريباً مثل النظام الرقمي – أو حتى مثل الفيديو التناظري- ومن ثم يختار مُبدع الفيلم من بين كل هذه الأشكال وفقاً لاحتياجاته الجمالية، ووفقاً لنوع الصورة التي يرغب في صناعتها.

وكم قرأنا جميعاً مقالات الصحف مُعلنة أن (الفيلم قد مات)، وكم أحزنتني هذه العبارة، ليس فقط لأنني من أشد المُتحمسين للفن السينمائي وصناعته، ولكن أيضاً لأن هؤلاء المحررين قد تحمسوا بشكل مُتحيز جداً لفكرة إنتاج أفلام رقمية، وأنهم قد تسرعوا في استنتاج أن تلك هي نهاية الفيلم السينمائي، دون دراسة فاحصة لهذا الموضوع، بل أنه من العجيب أن تُكتب هذه المقالات وبجانبها إعلانات عن فيلم سينمائي جديد قد تم تصوير سينمائياً.

ومع الأسف أن وسائل الإعلام تُفضل أن تصدم القراء من خلال مُبالغات خاطئة تحوز على انتباههم بدلاً من إعطائهم تقارير قائمة على البحث الدقيق من خلال وجهات نظر مُتعددة. فعلى سبيل المثال نجد أنه في 14 مارس عام 2004 نشرت مجلة نيويورك تايمز New York Times مقالاً ذكرت فيه أن مخرج ومؤلف فيلم (Sky Captain &The World of Tomorrow)، لعام 2004 (كيري كونران Kerry Conran)، قد صنع الفيلم بأكمله بداخل الكمبيوتر الخاص بمنزله، ذلك على الرغم من أن المقال نفسه يوضح أن ميزانية الفيلم قد بلغت 70 مليون دولار، وأنه قد تطلب 3 غرف كبيرة من أجهزة الكمبيوتر، بالإضافة إلى المهارات الإبداعية المُتعددة"([1]).

إن الادعاءات التي تقول بأن الفيلم قد مات أو أنه يُمكن صناعة الأفلام كاملة على كمبيوتر شخصي، لا فائدة منها سوى حيرة الجمهور حول التقنيات الحديثة، كما أنها تضر بالوسيط الرئيسي وهو الفيلم

السينمائي.

إن المنطق الذي يقول أن الفيلم قد مات، هو ببساطة منطق خاطئ، فبالرغم من تزايد أعداد أفلام السينما التي تم تصويرها تصويراً رقمياً والتي تبدو قريبة في جودتها من جودة الفيلم السينمائي، وبالرغم من وجود تقنية HD، والنظام الرقمي لم يمت الفيلم تماماً، مثلما لم يمت الفيلم من قبل مع دخول الراديو ثم التليفزيون.

لذا اري أن هناك احدي عشر سباباً يُعلل لماذا لن يندثر الفيلم أبداً :

1-  لقد نجح الفيلم كما ثبت بالتجربة، كوسيط ناضج حيث أن تجهيزاته متوفرة على نطاق واسع، وهى قابلة للتعديل والضبط، فضلاً عن تنوع عناصرها التكميلية تنوعاً ضخماً.

2-  بالأرشيفات العالمية ما يزيد عن قرن من الأفلام، أي جزء حيوي من الإرث الثقافي، لذلك فإن نقل كامل هذه الأرشيفات إلى وسيط إلكتروني يُعد باهظ التكلفة إلى حدٍ بعيد، ولماذا نضطر لذلك في حين يُمكننا الآن تحويل ما تحتاجه لشكل الفيديو. إن مثل هذه الأرشيفات كفيلة لإبقاء الفيلم لدى بعيد بالمستقبل.

3-    كيمياء الفيلم تستمر في التحسن.

4-  تطور تقنية Film CoatingÕ، وحيث أصبح الفيلم الآن يُغطى بمادة البوليستر الشفاف، والتي لا تؤثر على وضوح صورة الفيلم، بالإضافة إلى أنها تحافظ على الفيلم بشكل أفضل بدرجة كبيرة من ذي قبل، فتمنع الأتربة أو خدش الفيلم، ومن ثم تُطيل من عمره.

5-    قد يمضى زمان أشكال الفيديو في غضون بضع سنوات، لكن الفيلم السينمائي فهو يبلغ من العمر أكثر من قرن.

6-  يستمر التحسن في التقنيات الرقمية المُستخدمة من أجل نقل وترميم الفيلم، ومن ثم أصبح الفيلم يتميز بمعلومات صورة أكثر من أي وقت سبق.

7-    يبلغ عمر خامات الأفلام اليوم قرن على الأقل، في حين يُعرف عن مدى رسوخ الشريط الرقمي ووسائط التخزين الأخرى زمناً أقل بكثير.

8-    يتسم الفيلم بوضوح أكثر من تقنية HD، كما أن للفيلم مدى حركي Dynamic Range أكبر بكثير.

9-  تتميز بنية حبيبات الفيلم بأنها عشوائية، لذلك لا توجد مُشكلات Alias، فضلاً عن أن بنية الحبيبات تختلف من كادر لآخر، مما يحول دون إمكانية وجود عناصر صورة معيبة.

10-   الفيلم السينمائي يمنحنا اللون من دون فصل ألوان تعتمد على المنشور أو مرشحات لون Prism Color Separators، واللذان من شأنهما أن يُخفضا من وضوح الصورة.

11-      خاصية النقل التي يتميز بها الفيلم جزء من المظهر الفيلمي المرغوب فيه، إنه المظهر نفسه الذي يُحاكيه الشكل HD 24p.

وأخيراً أريد أن أضيف أن بقاء الفيلم لا يعنى تقليل أهمية النظام الرقمي، إنما يعنى أنه قد أتيحت أدوات من

 

أجل صناعة الصور المُتحركة أكثر وأفضل من ذي قبل. فالتقنيات الحديثة جاءت لتعزيز فن الفيلم، وأتاحت العديد من الوسائط أمام صناع الفيلم لاختيار أيهما أفضل بالنسبة له وفي نفس الوقت يخدم فكرته وإبداعه. بل أنه يمكن لمبدعي الفن السينمائي الجمع بين أكثر من وسيط، ليأخذوا الأفضل من كلاً منهم.

 المراجع

([1])      Steven Barclay,  The new in Digital Intermediate Cinema, Focal Press, 2005, p.68.

Õ          Film Coating: وهو عبارة عن تغليف الفيلم بمادة شمعية للحفاظ على الصورة من أي خدوش أو أتربة  يتعرض لها الفيلم أثناء عملية العرض، ولكن بعد أن أثبتت التجربة أن هذه المادة الشمعية هي نفسها تتعرض للخدش، ومن ثم تتآكل بعد فترة، تم استبدال هذه المادة بطبقة من البوليستر الشفافة.

المصدر: بقلم / صفاء زهير - المعهد العالى للسينما - أكاديمية الفنون
  • Currently 259/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
86 تصويتات / 1968 مشاهدة
نشرت فى 28 ديسمبر 2009 بواسطة egyptartsacademy

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,205,392