تناولنا في كتابنا الأول فكرة تاريخية عن فن الرقص ثم كتبنا عن أنواع عروض فن الباليه وهيئة العمل في تخصصاته المختلفة وعن الفنون المشتركة في عرض الباليه من موسيقي وديكور وملابس ومكياج وغيره... ثم ختمنا الجزء الأول ببعض النماذج من الباليهات العالمية والمصرية.
أما هذا الكتاب فهو يتناول تحليل درامي شامل عن الفصل الأول لباليه جيزيل وذلك الآن فكرة سريعة عن هذا الباليه.
كان أول عرض لباليه جيزيل في 28/6/1841 علي مسرح أوبرا باريس وقامت ببطولته ( كارلوتا جريزي مع لوسيان بيتيبا ) وهو عن قصة للشاعر والناقد الفرنسي جوتييه تيوفيل ( Gautier Theophile ) ( 1811- 1872 ) وهو من أكبر أعلام الحركة الرومانسية في الأدب وفن الباليه.
وقد كتب موسيقاه أدولف أدم وهو موسيقي فرنسي ويقال أن بعض النمر من تأليف بيرجمولر وقام بالتصميم الحركي ( الكوريوجرافي ) جان كوراللي بيراتشيني
Coralli-jean Peacini وهو راقص إيطالي ومصمم رقص ولد في باريس 1779 ومات فيها عام 1854 وفي بعض الكتب ومنها كتب معجم الباليه كتب أن "جول بيرو" وهو راقص ومصمم رقص فرنسي ( 1810- 1892 ) قدم مع كوراللي باليه جيزيل في أوبرا باريس وعلي الرغم من أن اسمه لم يكتب في البرنامج إلا أنه يبدو من المؤكد أنه صمم ونسق كل الرقصات والمناظر التي أدتها ( كارلوتا جريزي ) التي رقصت في العرض الأول وهي كانت تلميذة " لجول بيرو " وأيضا عشيقته لمدة سبع سنوات.
ومنذ أن عرض علي مسرح أوبرا باريس باليه جيزيل وهو يعرض علي مسارح أوبرات كثير من دول العالم فعلي سبيل المثال قدم باليه جيزيل في لندن سنة 1842 وفي سان بطرسبرج أيضا عام 1842 وفي أوبرا لاسكالا بميلانو بإيطاليا عام 1842 وفي أمريكا بمدينة بوسطون عام 1846.
وقدم أيضا هذا الباليه في مصر عام 1968 وقد قامت بدور جيزيل الفنانة مايا سليم مع الفنان عبد المنعم كامل علي مسرح دار الأوبرا وتوالت عروضه وأصبح ضمن ريبرتورا فرقة باليه أوبرا القاهرة.
وقصى هذا الباليه بها بعض الاختلاف في الكتب ليس هذا مجالاً للكتابة عنها بتوسع ولكن لنذكر منها علي سبيل المثال ما كتب عنها في كتاب معجم الباليه في صفحة 225 عن الفصل الأول هذا الباليه من أعظم باليهات العصر الرومانسي ، وقد أوحت به فقرة عن المؤلف ( هينى Heine ) ( 1799 – 1856 ) وهو شاعر الماني له قصائد بديعة فيها شجن وسخرية تحكي الأسطورة أن الفتيات المخطوبات اللواتي يمتن قبل زفافهن يظهرن في صورة ويلز Wilis ( أطياف العذاري ) فيرقصن في ضوء القمر المغلف بالضباب. ففي الفصل الأول جيزيل وهي فتاة ريفية ، تقتل نفسها بسيف حين تكتشف أن حبيبها (البرشت) قد غرر بها.
هذا ما كتب عن الفصل الأول ولكن تناول موضوع باليه جيزيل مصمم الباليه الروسى يوري جريجروفيش ( 1927 ) ببعض الاختلاف فلم يجعل جيزيل تقتل نفسها بسيف. ولكنها كانت مريضة بالقلب وصدمت في حبيبها الذي أحبته. هذه الصدمة أدت إلي وفاتها.
وعلي ذلك تكون الفكرة الدرامية أوقع خاصة أنه من خلال الأداءات الحركية قد مهد للنهاية التي نسج نسيجها الدرامي من محتوي مرض جيزيل بالقلب وهذا ما سوف نراه من خلال صفحات وسطور هذا الكتاب.
والذي دفعني أن أكتب هذا الكتاب عدة نقاط هامة فعندما كنت في البعثة الدراسية بأكاديمية ليننجراد للفنون الكوريوجرافية كنت أتابع الباليهات التي تقدم علي مسارح ليننجراد سواء في مسرح الكيروف أو في مسرح "المالي تياتر" وكان باليه جيزيل من ضمن ريبرتوار مسرح الكيروف أما مسرح المالي تياتر لم يكن هذا الباليه ضمن ريبرتواره وقد سألت عن ذلك فقيل لي أن باليه جيزيل لا يعتبر من الباليهات ذات الأهمية. وهنا تعجبت جداً كيف يمكن أن يكون هذا رداً علي هذا الباليه وأدهشنى أن أسمع ذلك من شعب يحب الباليه بل يعشقه وعلي أيدي الروس تطور فن الباليه بشكل كبير وباتت الفكرة في رأسي سنين طويلة حتى وجدت بعض الراقصات بفرقة باليه أوبرا القاهرة يرددن أن باليه جيزيل من الباليهات الضعيفة فنياً.
واحتل الموضوع حيزاً في رأسي وشغلني كثيراً وقبل أن آخذ أي خطوة نحو هذا الكتاب أردت أن أعرف من بعض المؤدين لفن الباليه وبعض الطلاب عن المعني الأدائي للخطوات والحركات التي في فصل الأول لباليه جيزيل وهل للتشكيلات أي معني وهل لدخول وخروج الراقصين من المسرح أي دلالة درامية ؟ فلم أجد أي رد مقنع وكانت الردود تعني معني واحد أنهم لا يعرفون شيء عن المفهوم الحركي الدرامي. قلت لا بأس قد يكون هؤلاء المؤديين والطلاب لا يعرفون قكررت السؤال علي بعض المتخصصين وكانت صدمتي أنهم أيضا لا يعرفون إلا الإطار العام أما التفاصيل الدقيقة التي تدور في رأسي فلا أحد يعرفها.
أما لمذا سألت.
والأجابة إنني اضطررت أن أسال حتى أعرف هل سأكتب واجهد نفسي في شيء الكل يعرفه ؟ ولما رأيت أن أحداً لا يعرف ما في رأسي من معني ومضمون شرعت في الكتابة. وقد سألت أيضا قبل أن أشرع في الكتابة حتى لا يقولوا بعد قراءة هذا الكتاب
(ما أحنا عارفين الكلام ده كله وهو ماجبش حاجة من عنده) وهذا كثيراً ما يحدث.
ولكن من يعرف ما بداخل هذا الكتاب فاليتركه لمن لا يعرف ويريد أن يعرف. ومن يختلف معي في المعني والمضمون فليكتب وسوف أكون قارئ جيد لما يكتبه.
أرجو المعذرة عزيزي القارئ. ولنعد مرة أخرى إلي هذا الكتاب.
هذا الكتاب لا يحتوي علي فهرس ذلك لأنه يحتوي علي الفصل الأول لباليه جيزيل وبين طيات الفصل كتبت عن كل رقصة أو موقف أو مونولوج أو ديالوج حركي عن جغرافية الحركة والصراع والحبكة الدرامية والحبكة الحركية الدرامية ثم أضفت بعض النماذج الجغرافية الحركية لبعض الرقصات والمونولوجات والديالوجات ..... ولم أكمل هذه الجغرافية إلي آخر الفصل حتى لا تكون إطالة ليس لها داع.
يعتقد الكثيرون أن فن الباليه هو رقص بلا معني وأن الاداءات الحركية في كل الباليهات هي نفسها ومكررة. هنا نقول أن رؤية الباليه بشكل سطحي دون التعميق
لا تري فيه سوى رقصات وأداءات حركية أما إذا تناولنا الموضوع بجدية وعن تفهم سوف نري شيئاً آخر. سنري دراما حقيقية نسيجها الحركة والشكل والإيماءة فنحن نري في باليه جيزيل أن النسيج الدرامي يعتبر النسيج الحركي الذي اتخذه مصمم الباليه خلال الفصل الأول نهجاً درامياً علي مستوى عال من الأداء فقد جاء كل تصرف وكل إيماءة وكل تعبير بل وكل خطوة وكل أداء لأي عنصر حركي في مكانه وفي حجمه الطبيعي مضافاً أيضا أنه لم يكن هناك زيادة أو نقصان في أي موقف فجاءت المواقف كلها معبرة تعبيراً صادقاًَ عن مشاعر المؤدين عايشها الجمهور وكأنه أحد أفراد المشكلة أو كأن هذه المشكلة تمسهم عن قرب وذلك يرجع لقدرة مصمم الباليه الخلافة ولا عجب في ذلك لأن يورى جريجاروفيتش هو من أعظم مصممي الباليه في هذه الحقبة الزمنية وقد جاء تصميمه لباليه جيزيل الذي قام به يورى جريجاروفيتش والذى قدمه بشكل معاصر يدل على فهمه الجيد لعناصر الإخراج المسرحي كما أنه قد التزم بقواعد أرسطو من حيث المثلث الدرامي وهو ( وحدة الحدث ووحدة الزمان ووحدة المكان ).
وإن دل هذا علي شيء إنما يدل علي ثقافة جريجاروفيتش المسرحية الواسعة وحرفيته العالية لفن الباليه.
المصدر/ الدراما الحركية وفن الباليه" الجزء الثانى" بقلم/ د. احمد حسن جمعهعميد المعهد العالى للباليه سابقا
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
ساحة النقاش