الكتابة والرسم بالجسد

 
"المسرح الراقص " مسرح درامي يختزل الدراما في التعبير الجسدي الراقص حيث تتحول فيه المادة الخام إلي مادة درامية من خلال الجسد المؤدي وبوجود في في الفضاء المسرحي .

 

ويشير " المعجم المسرحي الالماني , لمانفريد براونيك " إلي أن دائرة المسرح الراقص تشمل المسرح الطقسي الراقص , والمسرح الدنيوي أو العادي ثم الباليه والمسرح الرقص الحديث . والرقص في المسرح الموسيقي ويندرج تحت كل مصطلح من هذه المصطلحات عدة أنواع فرعية من الرقص تصل في مجموعها إلي العشرين ولكل مجموعة منها الخصائص والسمات .

 

وقد أفسح " المسرح الحديث " مكانا هاما وبارزا لذلك التعبير الجسدي الذي يعادل إن لم يتفوق علي التعبير الصوتي وذلك تحت تأثير الأراء التي تذهب إلي أن الممثل الذي يملك القدرة علي إلقاء روائع الشعر والنثر بلسانه يجب أن يدرك بأن له راسآ وعينين وذراعين وساقين يستخدمها في مئات الظروف والملابسات الحياتية , وهذا ما يؤكده " جان دوت " في كتابه التعبير الجسدي للممثل , كما شهد المسرح الحديث تقاربا وتداخلآ وتماسآ بين الفنون الأدائية المختلفة الأمر الذي يؤكد علي أن  " فن المسرح " ليس قاصرا علي العروض الدرامية الخالصة التي تعتمد علي الكلمة فقط , بل ويشمل الأوبرا والباليه وسائر فنون العرض المرئية والمسموعة والقائمة علي التفاعل الحي بين المؤدي والمتلقي .

 

والمكتبة العربية غنية بالدراسات عن الدراما ومبدعيها وعن تقنيات وأساليب فنون العرض المختلفة , ويقابل ذلك ندرة الدراسات عن فن الباليه والدراما الحركية , وتعد سلسلة الدكتور أحمد حسن جمعة في هذا الصدد بعد أكتمال صدورها موسوعة علمية تسهم ولا شك في التعريف بذلك الفن الذي يعد من أرقي الفنون التي عرفتها البشرية , وهذا الكتاب الذي بين يديك والذي أشرف بتقديمه لك عزيزي القارئ هو فاتحة هذه الموسوعة وأول حلقات تلك السلسلة , ويستعرض فيه المؤلف تاريخ الدراما الحركية منذ العصر الحجري , وبين لنا كيف يمكن للحركة أن تمثل عاطفة أو شعور أو أنفعالآ يصاحب الإنسان في الآمه وأفراحه ثم يقرب إلي أذهاننا الكثير من المفاهيم والمصطلحات بأسلوب سهل رشيق وذلك عندما يفرق بين الرقص الشعبي والرقص التاريخي ويشير إلي أشكال التقابل بين مختلف الأساليب ليقف بنا عند حدود الرقص الحديث .

 

ويقسم المؤلف عرض البليه إلي ثلاثة أنواع : الأستعراض أو الحركي , ثم عرض المنوعات , وأخيرا أبرز وأهم أنواعة وهو " الباليه الهادف " والذي يرتبط بموضوع درامي مستوحي من قصة أو مسرحية أو قصيدة شعريه أو أسطورة ويسعي ألي ترجمة مضمون ذلك العمل الدرامي أو الأدبي , وبدلآ من لغة الحوار يستخدم الفنان المبدع هنا لغة الأداء الحركي الذي يصل إلي أعلي الدرجات للبلاغة الجسدية إن صح التعبير .

 

إن أجتماع ووجود وتكامل وتضافر عناصر المثلث : العنصر البشري والموسيقي والحركة يولد الرقص .

ويختم المؤلف كتابه بفصل يحلل فيه عدة نماذج من الباليهات الهادفة يبدأ بباليه بحخيرة البجع وينتهي بأزوريس .

والدكتور  "أحمد جمعة " غني عن التعريف , فهو رجل أكاديمي متخصص , وصل في مجال تخصصه إلي أعلي وأرقي المناصب , وقد أستطاع في سنوات عمادته لمعهد الباليه أن يترك بصمة واضحة ومؤثرة في مجالات التدريس والتدريب وتحقيق المستوي الفني العالي لراقصي الباليه المصري .

 

لقد قفزت إلي ذهني عند قراءة هذا الكتاب تلك الصورة الرائعة التي صور فيها " رفاعة الطهطاوي " بقلمه الفرق بين فت الباليه وفن الرقص الشرقي وأظهر تحيزا واضحا لفن الباليه الذي تبدو فيه الراقصة وقد أنفلتت من أسر قوانين الجاذبية الأرضية , بينما تبدو الراقصة الشرقية كأمراة غاصت قدميها في الطين وهي تحاول في يأس أن تنزع قدما فتغوص القدم الأخري .

 

وهذه الصورة الأنطباعية الصادقة التي رسمها الشيخ المثقف في سطور قليلة ذكرتني بذلك المقال الذي نشره الدكتور , أحمد جمعة في العدد 96 من " مجله المسرح " الصادر في نوفمبر 1996 , وفيه دراسة تحليلية في إحدي عشرة نقطة قارن فيها بين " فن الباليه " و " فن الرقص الشرقي " ومن يقرأ هذه الدراسة لابد وأن يدرك الفرق بين مجرد الأنطباع والدراسة التحليلية النقدية .

 

إن الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ هو كتاب جدير بالقراءة وسوف يحقق لك ذلك متعة مزدوجة تتمثل الأولي في الحصول علي المعلومة وتتمثل الثانية في أمتلاكك لمرجع هام تعود إليه دائما كلما احتجت إليه .

 

المصدر/ كتاب الدراما الحركية وفن الباليه " الجزء الاول"

بقلم/ د. احمد حسن جمعه

عميد المعهد العالى للباليه - سابقا

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,203,311