**حكاية "فرحات عمر" من الفلسفة إلى الفن والصحافة
الدكتور شديد .. أو "محمد فرحات عمر" نموذج فني لن يتكرر مرة أخري بسهولة في نواحي الفن المختلفة، صحيح انه لم يحظ ولو لمرة واحدة بدور البطولة وظل طوال حياته في دور السنيد، لكنه استطاع أن يكتب اسمه في تاريخ الكوميديا بطلاَ بلا منازع .. يكفي جملته الشهيرة التي يحفظها الجميع "وماله يا خويا .. يارب يا خويا يارب" في السطور المقبلة .. أسرار جديدة من خزائن فيلسوف الكوميديا .. ترويها ابنته الوحيدة "أمنية فرحات عمر".
أمنية بدأت حديثها معنا بسرد سريع لقصة الدكتور شديد، قالت لنا:
أسمه بالكامل "محمد فرحات عمر" مواليد 12 أغسطس 1931- جده "عمر" جاء إلى مصر مع جيش "إبراهيم باشا" وكان متزوجا بامرأة تركية ولم ينجب منها، وعندما جاء لمصر تزوج من امرأة تصغره بسنوات كثيرة من الدقهلية وأنجب منها ولدين فرحات وإسماعيل .. أما والده "فرحات" فكان مهندسا للآثار ووالدته مدرسة هو وحيدها وله أربعة أولاد غير أشقائه من والده .. حيث توفي والده وهو في عمر عامين وترك له ثروة عبارة عن 17 فدانَ ومنزلاَ، وتولت تربيته والدته التي كانت تعامله بشدة للوصول إلى أفضل تربية ممكنة، وكان وهو طفل يذهب لصلاة الفجر كل يوم في الحسين وكان حافظا للقرآن ويرتله بصوت جميل ويجوده، كان يقيم بشارع رمسيس بجوار "الكاتدرائية بالعباسية"، وفي مدرسة بحي العباسية تعلم فن الإلقاء والتمثيل وكان من بين زملائه في المدرسة "الفنان محمد عوض".
وعندما أخذ شهادة "البكالوريا" أراد أن يلتحق بمعهد التمثيل وتقابل هناك مع الفنان "حسين رياض" الذي أقنعه باستكمال دراسته أولا ثم الفن لان التعليم مهم لثقافة الفنان وذهب من هناك مقتنعا بكلامه وقدم أوراقه في كلية الآداب، قسم فلسفة جامعة القاهرة، وهناك التحق بفريق التمثيل الذي كان يدربه الفنان "زكي طليمات" وفي الليسانس شارك في مسرحية "30 يوم في السجن" علي مسرح الريحاني، وقدم دور"أمشير أفندي" وحصل علي كأس "يوسف وهبي" علي مستوي الجامعات، واشترك في حفلات أضواء المدينة في عام 1965.
وبعد التخرج عمل فترة بالتدريس، وجاءت بداية فرقة "ساعة لقلبك الإذاعية" فالتحق بها، بالمشاركة مع الخواجة بيجو ..المعلم شكل .. والرغاية .. وأبو لمعه، ولنجاح فرقة "ساعة لقلبك" الإذاعية كونوا ساعة لقلبك المسرحية وقدموا مسرحيات كثيرة جدا وكانوا يعرضون كل صيف علي مسارح الإسكندرية، وظل يمثل في الإذاعة والتليفزيون والمسرح حتى عام 1968.
- نسأل أمنية .. كيف جاءت فكرة الدكتور شديد؟
مؤلف اسكتشات فرقة "ساعة لقلبك الإذاعية" "عبد الفتاح السيد" هو الذي ابتكر فكرة شخصية "الدكتور شديد" الطبيب البيطري الذي يتردد علي مطعم كل يوم ودائم النسيان ويسأل الجارسون ويقول له ( قولي يا ابني هو أنا أتعشيت ولا لسه) وهذه اللازمة كانت مكتوبة وقام بإلقائها فنالت استحسانا من الجمهور وطلبت منه في جميع الأفلام الذي كان يؤديها .. وكانت مسرحية ذات فصل واحد علي مسرح الأزبكية عام 1956، والتصقت به شخصية "الدكتور شديد".
- ما هي الظروف التي جعلته يترك الفن لفترة ما يقرب من عشر سنوات؟
لأنه انضم لهيئة الإذاعة البريطانية حيث عمل بالقسم العربي بلندن وكانت وظيفته النقد والتعليق علي الأفلام العربية والمسرحيات الكوميدية من عام 1968 إلى 1977 .. بعد تلك الفترة عاد للقاهرة وشارك في عدة مسلسلات أمثال "زينب والعرش" .. ""أوراق الورد" .. "أصل الحكاية كدبة" .. "عودة الروح" .. وتوقف نشاطه فترة وبعدها عاد مرة أخري عام 1996 وشارك في فوازير رمضان مع حنان شوقي ووائل نور في فوازير "غلطة في صورة" وفوازير "عملت الواجب" من إخراج "سعد فودة".
- لماذا أطلق عليه فيلسوف الفن؟
لأنه كان متعمقا في العلم وبعد حصوله علي ليسانس الفلسفة استأنف مسيرته مع العلم وحصل علي شهادة الماجستير حول" طبيعة القانون العلمي" عام 1965 بتقدير جيد جدا، واشرف علي الرسالة في ذلك الوقت الدكتور" زكي نجيب محمود" ثم انسحب من الوسط الفني ليعمل في عدة وظائف حكومية من بينها عضو بلجنة النشر بهيئة الكتاب مسئولا عن كتب الفلسفة، وحصل علي شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1968، وكذلك ألف كتابا عن "فن المسرح" يدرس حتى الآن في معهد التمثيل.
- تاريخ الدكتور شديد مزدحم بالأعمال فماذا عنها؟
أشهرها مسرحية "جوزين ولا فرد" مع عبد المنعم مدبولي .. و"ملكة الإغراء" مع ماري منيب.. و"للحريم فقط" مع عمر الحريري.. وفيلم إسماعيل يس في مستشفي المجانين" و"إسماعيل يس للبيع" .. و"حماتي ملاك" مع ماري منيب وإسماعيل يس .. وإشاعة حب .. و"بنات بحري" إخراج "حسن الصيفي" مع ماري منيب وإسماعيل يس وعبد الفتاح القصري.. و"المجانين في نعيم" مع رشدي أباظة وغيرها، كما شارك مع نجوم كبار أمثال عبد السلام النابلسي ومحمد عوض وأمين الهنيدي وفؤاد المهندس.
- حاولت أكثر من دار نشر إقناعه بكتابة مذكراته ولكنه رفض.. لماذا؟
فعلاَ طلب منه كثيرا أن يكتب مذكراته وعلاقاته بنجوم الفن الكبار وكيف أستطاع أن يعاصرهم وكيف أستطاع أن يوفق بين التدريس في الجامعة وبين الفن، ولكنه رفض وقال: لا أتاجر بأيام الشقاء والتعب وكذلك الهناء.
- من الذي كان يضحك فيلسوف الكوميديا؟
كان يقول: الوحيد الذي يضحكني هو "عادل إمام" وشاهد له فيلم "الإرهابي"، وكان معجبا بتعبيرات وجهه وكذلك شاهد مسرحية "الزعيم" وكان معجبا بالمغزى السياسي لها وقال إن لعادل إمام أداء مسرحيا حيويا.
- وماذا عن طقوس حياته اليومية؟
أقام في بنسيون في منطقة الزمالك ليكون بجانب فندق الماريوت الذي كان يعشق الجلوس في الكافيتريا الخاصة به يتأمل ويقرأ ويحتسي القهوة ثم عصير الفراولة ثم المانجو ثم يعود للبنسيون للنوم مبكرا.
- ولماذا لم يذهب للإقامة معك؟
كان يفضل الإقامة بمفرده ليتمكن من الكتابة فكان يكتب مقالات سياسية ويراسل جرائد عربية، وكنت دائمة الزيارة له وكان يأتي إلينا بصفة مستمرة.
- وما هواياته غير الفن؟
هو عاشق للعبة "الشطرنج" ومثل نادي الزمالك ومصر في العديد من البطولات وحصل علي جوائز عديدة وكان في قائمة أشهر لاعبي الشطرنج .. وكذلك عاشق للفلسفة، وكانت حياته القراءة ومن رواد صالون العقاد ويملك مكتبة بها كثير من الكتب في مجالات مختلفة وكذلك جمع الكتب النادرة.. ويحب اللغة العربية.
- وماذا عن أصدقائه في الوسط الفني وخارجه؟
كان أقرب أصدقائه المنتج "سمير خفاجي" وجلال الشرقاوي والمعلم شكل "محمد يوسف" وهو ابن خالته وتربطهما صداقه قوية وأبو لمعة.
- كيف تعرف علي زوجته؟
كان أخوها زميلا له في المدرسة، كان يتردد علي منزلها وطلبها للزواج وكانت أرملة وعندها أولاد وطلبها للزواج وكان نعم الزوج الطيب والعطوف علي أبنائها.
- وماذا عن الجوائز التي حصل عليها؟
لم يحصل علي جوائز من الدولة في حياته ولا بعد وفاته، ومرة واحدة كرم في مهرجان الضحك الأول عام 2003 الذي كان ينظمه "أنور عبد الله" وهو مهرجان خاص.
- ما الذي كان يحرص علي أن يعلمه لك؟
كان دائما يقول لي إن أهم شئ هو القراءة.
- وماذا عن آخر أعماله ؟
مسرحية "كرنب زبادي" إخراج عصام السيد وكان يقدم دور "جواهرجي" وشارك في أربع بروفات فقط ولكن القدر لم يمهله ولفظ أنفاسه الأخيرة مساء السبت الموافق 12 يوليو 1997.
- وماذا عن ظروف وفاته ؟
جاءني تليفون من شخص من البنسيون بأنه مريض فذهبت إليه وأخذته إلى مستشفي في "مدينة نصر" وظل بها ثلاثة أيام ولم تظهر عليه أي علامات للموت وكان يشتكي من ارتفاع ليس كبيرا في السكر، وعمل الفحوصات اللازمة وقبل وفاته بخمس دقائق طلب مني "مكن للحلاقة" وبعدها نظر لي نظرة غريبة وتوفي في الحال.
بقلم / سماح جاه الرسول
المصدر / مجلة الإذاعة والتليفزيون العدد 3931
17 من يوليو 2010
ساحة النقاش