**بندقية صغيرة تصوب طلقاتها ضد المخرجين والممثلين.

المؤلف المسرحى الأمريكى الشهير دافيد ماميت بعد 40 عاماً من العمل فى مجال المسرح وصاغها فى كتابة "المسرح" الذى ضرب فى محتواه عرض الحائط بالعديد من المسلمات والحقائق، وبلغة لاذعه وقاسية هدم ماميت المسرح القديم ليعيد بناء تصور جديد للمسرح والقائمين عليه، ورواده وقد أثارالكتاب ردود فعل رافضة من النقاد الذين صدموا ليس فقط بمحتوى الكتاب ولكن الصدمة كانت فى أن هذا الكتاب يتضمن أفكار أحد أعمدة المسرح الأمريكى.

وقد ولد دافيد ماميت فى شيكاغو عام 1947، وهو مخرج، وكاتب مسرحى، وشاعر وناقد وكاتب مقالات، ولكنه وبالرغم من هذه المواهب المتعددة اشتهر أكثر ككاتب مسرحى، حيث فازت العديد من مسرحياته بجوائز مثل البوليتزر وتونى، وله العديد من الكتب مثل: الدين القديم 1997، وتضمن قصة اعدام ليوفرانك، وكتاب "خمس مدن من اللاجئين" 2004، وابن الشرير 2006، وقد اشتهر ماميت بنمط خاص فى كتابة الحوار أطلق عليه "حديث ماميت".

وقد كتبت مراجعات نقدية عديدة لكتاب ماميت "المسرح وكانت فى مجملها تتضمن هجوماً عنيفاً على الكتاب وكاتبه بلغة قاسية توازى فى قسوتها تلك اللغة التى استخدمها ماميت فى كتابه، وإن بدأ "تشارلز سبنسر" أقل حدة فى مراجعته للكتاب والتى نشرت فى صحيفة تلجراف البريطانية، حيث اكتشف فيه أن هناك "ليس فقط دافيد ماميت واحد ولكن اثنين دافيد ماميت" حيث قال: "منذ سنوات طويلة كانت تربكنى الأشكال أو الأنماط شديدة الاختلاف للكاتب المسرحى دافيد ماميت، وشعرت بما يشبه لحظة الوحى أو الإلهام عندما اكتشفت أنه "ليس هناك دافيد ماميت واحد، بل اثنين دافيد ماميت، ويستطرد مبرراً تصوره عندما يقول إن لغته أو حديثه الفنى يوحى بأن له شخصية مزدوجة".

ويحاول شرح أبعاد كل دافيد ماميت من الاثنين، حيث على أحد الجانبين نجد "ماشوديف" والذى يميل بشدة إلى الحبكة المسرحية التى تتضمن التحدى أو الصدام والتى تستخدم فيها اللغة المعقدة والصادمة مصاحبة لمواجهات مثل طلقات المدافع بينما نجدها تنجز لنا فى النهاية نوعا من أنواع شعر الشارع. ويعلق سبنسر على هذه الحالة قائلاً:

عندما يكون ماميت فى هذه الحالة المزاجية يكون هناك عدد قليل للغاية من الكتاب المسرحيين الأمريكيين الذين على قيد الحياة ممن يستطيعون مضاهاته فى مدى الإثارة المسرحية التى تتضمنها مسرحياته،ولكن يكمن بداخل ماشوديف الذى يعشق القنص ويكره التصحيحات السياسية دافيد آخر حساس يكتب مسرحيات حالمة تتضمن خيالات جامحة وذكريات أليمة مستمدة من فترة طفولته فى شيكاغو.

ولعل الشىء المبهر فى هذا الكتاب الجديد المثير الذى يقطر فيه ماميت أفكاره عن المسرح الذى ظل يعمل فيه لمدة 40 عاماً، هو أن ماشوديف يظهر فيه مسترخياً أو مستقراً على مقعد القيادة ومن هنا يتوقع الفرد أن ماميت الحساس فى موقع المقود.

الكتاب عبارة عن بندقية صغيرة تصوب طلقاتها ضد الطامحين من المخرجين ومصممى العروض والمممثلين الذين يعذبون أو يحتضرون بفعل بواعثهم أو دوافعهم وشخصياتهم ويقول ماميت: "إذا كان المسرح دينا، فالعديد من المقرحات والملاحظات هنا قد تكون بدعاً أو انشقاقاًعن الدين".

ولقد تلقى النهج المسرحى للمخرج الروسى العظيم ستانيسلافيسكى كثيراً من النقد فى كتاب ماميت، حيث يشجع النهج الذى تنتهجه مدرسة التمثيل المسرحى الخاصة به الممثلين على أن يقوموا بالتقاط أو إعلاء أكثر ذكرياتهم الشخصية ايلاما وتطبيقها على الأجزاء المسرحية التى يقومون بتمثيلها.

وقد كان نقده لاذعاً لستانسلافيسكى عندما يقول "لقد جعل نظام ستانسلافيسكى الشهير، والذى يعتمد على التحليل المفصل لدوافع وانفعالات شخصية، الممثلين يضيعون وقتهم لمدة مائة عام فى بحث أحمق"،وقد كان ماميت عضواً نموذجياً فى فرقة مسرح شيكاغو المشاكسة التى تتبنى نهج رائد المسرح كونستانتين ستانيسلافيسكى والكاتب المسرحى الماركسى بيرتولت بريخت، ثم تحول ليتبنى اتجاهاً متشائماً.

 

* الهدف الوحيد للمسرح هو تسلية الجمهور الذى يدفع مالاً من أجل ذلك *

يقول ماميت :"لقد استغرق منى سنوات طويلة كمخرج عرفت أننى ليست لدى أدنى فكرة عما تحدث عنه السابقون، ولكن – وهذا هو الأكثر احتمالاً – أنهم هم أيضاً لم تكن لديهم فكرة عن ذلك"، وهو ينصح الممثلين الذين يهتمون بشكل أكبر بدوافع أو بواعث شخصياتهم عن اهتمامهم بما اذا كان الجمهور الذى دفع أموالاً لقاء مشاهدتهم يضحك أو يبكى ليقول لهم "لاأحد يهتم بما تشعر به!!!، إن ماميت ليس لديه وقت لتدليل الذات، هو يكتب وتقويه ثقته فى حقيقة ما يقوله وهى السمة التى تميز الكتاب،

قواعد ماميت غالباً ما تتضمن هذه اللغة اليقينية والبساطة التى تبدو ساذجة ومدمرة أو صادمة أحياناً، ولعل أكثر ما يصطدم به من يقرأ الكتاب هو رؤيته أن المسرحيات يمكن أن تخرج جيدة جداً بدون وجود مخرج!!!

يقول ماميت: "المخرج الفطن يجي أن يكون مثل المعلم بدلاً من أن يكون مثل المدير "ويضيف" يتم اختيار المخرج وفقاً للقدرة والعمل على اقناع النابغين على العمل فى وحدة من أجل هدف عام وهو المسرحية.

 

*حين تكون البساطة ساذجة ومدمرة وصادمة أحياناً *

 

ويصر ماميت على أنه خلف العادات غير المستحبة مثل الكسل والتذمر والجموح والخروج عن النص، وعدم انتهاء الممثل من الكلمات التى تمثل دوره فى المسرحية، تكمن مدى مهارة المخرج وظواهر كتلك تدل على أن قدرته على التأثير فى الممثل ضئيلة للغاية وفى أدنى درجاتها. ولكن ما هى مهمة المخرج كما يراها ماميت؟! يرى ماميت أن ما على المخرج أن يفعله سوى : "أن يقترح بلطف على الممثل طبيعة المشهد حيث يتركه ينصرف أو يؤنبه، ويمنع ما يعتبره رديئاً أو غير ملائم، ثم يذهب للخارج لينتهى من تدخين السيجار".

ويتسم ماميت بالقسوة أو عدم التقدير تجاه موهبته العظيمة أيضاً والتى تتمثل فى كتابة المسرحيات. حيث أنه يرى أنه اكتشف شيئاً ما كريهاً أو مقرفاً فى لب المسرح بصفة عامة ومسرحه بصفة خاصة، لقد توصل إلى أن الهدف الوحيد للدراما هو "تسلية الجمهور". وكيف يفعل الشخص ذلك؟

مرة أخرى يقول ماميت بوضوح وصراحة صادمة: "مهمة الكاتب المسرحى هى أن يجعل الجمهور الذى دفع أموالاً يتساءل عما سوف يحدث بعد ذلك ... تلك هى مهمته.

ولكن وفجأة يبدو على السطح دافيد ماميت الحساس عندما يقول: التفاعل فى المسرح عبارة عن عشاء ربانى بين الجمهور والرب تتوسطه المسرحية، أو صلاة مؤلفه من ابتهالات يصوغها المؤلف المسرحى.

علق جوستين موير فى مراجعته للكتاب قائلاً: "بالرغم مما يسمعه الشخص من دعاوى وحجج كثيرة فى مجال المسرح، ولكن آراءءء ماميت صدمتنى، وكأنها ضربتنى فى رأسى".

يقول مامين :"إنك لا تستطيع أن تعيش حياتك تصدق كل معلم أو ناقد أو ممثل أو سواهم ممن باعوا أنفسهم بعشرة سنتات" هذا ما كتبه ماميت فى " صح وخطأ " وهو بحثه الذى نشر عام 1997، ويكتب ماميت لينصح الممثلين الشباب قائلاً: "إن أداتك الأكثر أهمية هى فطرتك السليمة".

ويعرف ماميت حيداً بوصفه مخرجاً وكاتباً مسرحياً محنكاً مثله مثل أى شخص آخر أنه هناك الكثير من الأعمال التافهة التى تقدم بشكل زائف فى صورة نظريات أو فنون مسرحية حقيقية.

ويتناول ستون كتاب ماميت ويعلق قائلاً: "يتعرض ماميت فى كتابة "المسرح"، وهو عنوان بسيط وملائم، تتضمن آراءه فى كل شىء من منهج كونستانتين ستايسلافيسكى إلى المسرح الأمريكى العظيم ومجموعة من الموضوعات الأخرى المتصلة بالمسرح فى 27 فصلاً مختصرا.

ويجه كاتب المقال نقده إلأى الكتاب بوصفه يثير عدداً من القضايا المذهلة والمثيرة ولكنها توجد بشكل أساسى فى صورة مناقشات رديئة بصورة مختزلة لا ترقى لأت تكون وحياً أو إلهاماً لكاتب مرموق، حيث يقول : النتيجة النهائية التى ستصل إليها بعد قراءة هذا الكتاب هى الشعور بالإحباط بسبب النغمة التى يغلب عليها الاهتمام بالذات والقضايا الهامشية"   ويستطرد : ان ماميت يتبنى دور المنشق عن عقيدة المسرح، المحطم للمقدسات".

ويبررذلك بأن ماميت كان يقضى الكثير من أجزاء الكتب فى محاولة تعرية وتفكيك الأفكار التى أوجدها صانعو المسرح لما يزيد على قرن من الزمان. وما يزيد على ذلك أن ماميت بدا وكأنه ليس لديه أدنى مشكله فى اتهامه أو شجبه غير الخجول لأسلافه من الرواد القدماء،ولعل ستانسلافيسكى كان له نصيب الأسد من النقد فى كتاب ماميت.

ويرى جوستين موير أنه وبالرغم من التحفظات على حديث ماميت والذى ذكر فيه ان الهدف الوحيد للمسرح هو تسلية الجمهور الذى دفع مالاً من أجل ذلك، ولكن هذا لا يمنع أن هناك أحد الأشياء المبهرة فى ماميت والتى تتمثل فى أنه مؤلف مسرحى عبقرى ومجادل عنيف على ثقة وإيمان بكل نطقها من كلامه المتناقض.

 

 

تأليف: دافيد ماميت

ترجمة عزة هاشم أحمد

المصدر / جريدة مسرحنا العدد 155

 28 يونيه 2010

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,255,401