حالة من الحزن والشجن قد تشعر بها بعد مشاهدتك لفيلم " عصافير النيل " الذي كتب له السيناريو وأخرجه مجدي أحمد علي عن رواية تحمل نفس الاسم للروائي إبراهيم أصلان .. شاهدت الفيلم لاول مرة عند عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الاخيرة ، وخرجت من العرض وبداخلي الكثير من المشاعر المتناقضة ، وفي الوقت نفسه ظلت كثير من مشاهد وجمل حوار الفيلم حاضرة في ذهني لفترة طويلة ، وأعتقد أن هذا مؤشر مهم لتحقيق أي عمل سينمائي لهدفه وهو الوصول للملتقي والتأثير فيه ...

في البدايه اعترف انني منحازة كمتفرجة – لافلام أحمد علي ، وأري فيها تميزا يستحق التحية ، فهو مخرج لم يهتم منذ البداية بإيرادات شباك التذاكر بقدر ما وضع حبه لفن السينما نصب عينيه وأعتقد أن هذا الحب وهذا الاخلاص لفنه هو الذي يجعله مقلا في أعماله التي بدأها بـ " يا دنيا يا غرامي " عام 1996 ثم تبعه بأفلام " البطل " ، " اسرار البنات " ، " خلطة فوزية " ، واخيرا " عصافير النيل " إلا أن هذا الانحياز لاعمال هذا المخرج لا يجعلني اغفل بعض نقاط الضعف في أفلامه وهي قليلة بالفعل وإلا ما كانت لتحقق هذا النجاح في " عصافير النيل " يقدم مجدي احمد علي تجربة سينمائية مختلفة تمام خاصة انها المرة الاولي التي يقدم فيها فيلما عن عمل روائي ، وبالطبع هي مسألة شائكة ويختلف تقييم البعض لها ، إلا انني اري انه يجب ان يتم الحكم علي كل عمل في إطار الوسيلة الفنية التي يقدم من خلالها ولذلك فمن غير المفترض أن يتم عقد مقارنة بين الرواية التي كتبها إبراهيم أصلان عام 1999 ، أو الحكم علي التجربة الثانية من خلال الاولي فالرواية تختلف بالتأكيد عن شاشة السينما ومن ناحية اخري لم اكن حريصة علي قراءة الرواية قبل مشاهدتي للفيلم علي الاقل حتي لا اعقد – عن غير قصد – هذه المقارنة وقلت لنفسي ربما أقرأها فيما بعد حتي لايشغلني الفرق بين كلتا التجربتين في الاحداث والشخصيات عن متابعة عناصر العمل السينما في الاخري من تصوير ومونتاج وموسيقي وأداء تمثيلي . إلا اننا في كل الاحوال في فيلم " عصافير النيل " لا تبتعد كثيرا عن العالم الذي يعشقه المخرج مجدي احمد علي في اعماله ، فرواية " عصافير النيل " تدور احداثها حول " عبد الرحيم " المواطن البسيط القادم من الارياف إلي القاهرة والذي يحيا في منطقة شعبية قريبة من النيل ، من خلال هذه الشخصية التي قدمها فتحي عبد الوهاب بصدق وبساطة استحق عنهما جائزة احسن ممثل من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي – من خلالها ومن خلال علاقتها بالمحيطين بها نجد انفسنا امام حياة كاملة بكل ما تحمله الكلمة من تناقضات ، فالحياة تعني اليأس والامل ، الموت والحياة ، الصحة والمرض ، طموحات وإحباطات ، فقر وغني ...

كما نجح السيناريست وهو المخرج في رسم تفاصيل الشخصيات وتحريكها داخل عالمها بشكل جيد سواء تلك الشخصيات النسائية التي مرت في حياة البطل عبد الرحيم ، أشجان وبسيمة أو شخصية نرجس شقيقته التي قامت بدورها دلال عبد العزيز وكذلك زوج شقيقته البهي الذي قام بدوره محمود الجندي .

ومن ناحية اخري استخدم المخرج عدة أصوات للسرد منها صوت الراوي وصوت عبد الرحيم نفسه الذي يروي ويعلق علي بعذ الجوانب والاحداث من وجهة نظره وكذلك صوت بسيمة التي علقت علي احداث قليلة واعتقد انه كان يمكن الاكتفاء بصوت الراوي فقط اما انطباعات الشخصية فكان من الممكن ان يتركها صانع الفيلم لاستنتاج المتفرج وربما اتفقنا مع رؤية المخرج التي ذكرها ، بأنه من غير الممكن تجاهل فكرة المد الديني في الثمانينيات في " عصافير النيل " كما ورد في الرواية الاصيلة إلا ان طرح ذلك دراميا من خلال الاحداث لم يكن بنفس مستوي التمكن الفني في باقي الفيلم وكان يحتاج لمزيد من العمق في التناول وايضا هذا المشهد الذي يقول فيه البهي " محمود الجندي " منولوجا طويلا لشكسبير كان طويلا بعض الشئ وربما لم يكن هذا الطول فقط نقطة الضعف الوحيدة فيه وإنما خلفية هذا المشهد لم تكن مناسبة حيث يمارس عبد الرحيم نزواته النسائية وكان من الممكن ان يتم التعامل مع هذا المشهد بشكل اخر لا يفسده قيمته ولا يضعه في خانة المشاهد التجارية .

يظل اجمل ما في " عصافير النيل " هو نجاحه في اجتذاب المتفرج حتي اللحظة الاخيرة رغم بطء اللايقاع في بعض الاحيان كما تميزت عناصر فنية اخري اهمها تصوير وإضاءة رمسيس مرزوق الذي قدم صورة وإضاءة بديعة كما تميزت الموسيقي التصويرية التي لا تخطئها اذن للموسيقار راجح داود .

بالفعل هناك الكثير الذي يمكن قوله عن " عصافير النيل " فهو حالة حب للحياة اكثر من كونه فيلما سينمائيا اقول حالة حب للحياة رغم حضور فكرة الموت بشكل لا يمكن إغفاله في معظم الاحداث .

بقلم/ عصمت حمدى المصدر/مجلة الاذاعة و التلفزيون 24/4/2010 العدد 3919

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,912,154