صارت تلك اليافطة هى التى ترفرف فوق أغلب الأفلام المعروضة حالياً ... أنها وسيلة الرقابة حتى تستطيع أن تمرر ما تتحمس له من افلام بدون أن تصطدم بالمجتمع حيث يصبح هذا التعبير رخصة تعنى للأسرة المصرية ممنوع الاقتراب ولقد أعذر من أنذر؟!

والحقيقة أننى أعلم تماما المأزق الذى تعيش فيه الرقابة المصرية نظرا لتدخل العديد من العوامل والاعتبارات ... تقريبا كل الأجهزة فى الدولة تمارس رقابة على الرقابة حتى أنه أثناء تصوير أحد الأفلام قبل بضعة أشهر فى مترو الانفاق طلبت وزارة النقل قراءة السيناريو كاملاً وليس فقط المشهد الذى سوف يتم تصويره؟!

المجتمع المصرى صار يبعث بين الحين والآخر برسائل تطالب بقدر من التزمت والمراجعة لكل شىء بل إن أيدى المجتمع امتدت من توجيه رسالة سواء بالمعنى المباشر لها أو الرمزى إلى أن تتدخل أياديهم إلى كابينة العرض لمطالبة المسئولين عن السينما بالحذف حدث ذلك قبل عدة سنوات حيث استجابت بعض دور العرض الى ما تريده الأسرة المصرية وتم بالفعل الحذف بناء على طلب تلك الأسر رغم أن القانون صارم وهو أنه لا يجوز عرض ما لا تصرح به الرقابة وأيضاً ينبغى عرض كل ما صرحت به الرقابة أى أن هناك مخالفة فى الحالتين ثم وهذا هو الأهم لا يسمح لأحد بأن يمارس رقابة على الرقابة!!

فى كل دول العالم تلعب الرقابة دورا مؤثرا ولا شك فى الحماية الاجتماعية هذا هو دور الرقابة الأول رغم أنها فى العالم العربى عادة لا تلعبه أما فى العالم الأوروبى فإن هناك دائماً ما تخضع التصنيفات إلى منطق اجتماعى وليس رقابى سياسى يفرض نفسه عند السماح بالعرض العام من خلال هيئة لها منطقها وقواعدها الاجتماعية وليست الرقابية وهى غير تابعة للدولة بعض الأفلام ممنوع عنها الأطفال وبعضها يشاهدها مع أحد أفراد الأسرة مثلا فى أفلام الرعب والعنف ينبغى أن يتم الاشارة على ذلك حتى لا يدخل المشاهد فيلم وهو غير مهيأ نفسياً أو فكرياً ... الرقابة المصرية وهى تقرأ النص تنظر دائماً برؤية سياسية بالمقام الأول أكبر من كونها رؤية اجتماعية وفى العادة قد تتسامح الرقابة فى مشاهد جنسية مكتوبة فى السيناريو على اعتبار أنها تستطيع بعد ذلك الحذف فى المونتاج قبل العرض الجماهيرى لكنها أبدا لا تتسامح لو قدم المخرج رؤية سياسية تتعارض مع توجه الدولة والحقيقة ليست مصر فقط ولكن العالم العربى يضع هذا المعيار أمامه ... الرقابة فى مصر عرفت منذ مطلع القرن العشرين وكانت تتبع وزارة الداخلية قبل أن تنتقل بعد ذلك فى منتصف الخمسينيات الى وزارة الثقافة ... كانت قد انتشرت فى مصر أغانى خليعة مثل "أرخى الستارة اللى فى ريحنا أحسن جيرانك تجرحنا"، "بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة".. أسندت هذه المهمة إلى شاعر تخصص فى كتابة هذه النوعيات وهو الشيخ "يونس القاضى" ولا يعلم الكثيرون أن هذا الشيخ هو الذى كتب أيضاً نشيدنا الوطنى "بلادى بلادى لك حبى وفؤادى" المأخوذ بالطبع عن شعار الزعيم الوطنى "مصطفى كامل" ... "يونس القاضى" كان يكتب كل النوعيات فهو مثلا مؤلف أغنية حققت شهرة لا تزال الاذاعة المصرية تبثها بين الحين والآخر تلحين وغناء "محمد عبد الوهاب" هى "فيك عشرة كوتشينة فى البلكونة .. بصرة باشكة عادة مجنونة... لاعبنى عشرة انما برهان" .. البصرة والباشكة والعادة والمجنونة أنواع يعرفها كل من لعب كوتشينة والدعوة صريحة جدا هى أن العشرة ينبغى أن تكون برهان أى "قمار" ولو أخذت الأغنية فى معناها المباشر بالطبع ما كان من الممكن أن يسمح بإجازتها خاصة فى إذاعة رسمية ولكن تعارفنا على أنها مجرد نكتة كتبها "يونس القاضى" ولحنها وغناها "عبد الوهاب" بخفة ظل.. "يونس القاضى" كان رقيبا صارما لأنه يعلم كل تفاصيل أهل الكار الذين يكتبون الأغانى الخليعة ولهذا كان اختياراً صائبا فى تلك السنوات وبهذا المعيار .. ومع الثورة لاشك أن الدولة رأت فى الرقابة قوة تمنحها القدرة على توجيه الرأى العام، وأيضا للسيطرة على صنع القرار.. اللواء "محمد نجيب" أول رئيس مصرى قدم مع بداية الثورة بيانا عنوانه "الفن الذى نريده" كان يعقب فيه على الأفلام المعروضة والسابقة على الثورة والتى تقدم مشاهد عرى وراقصات .. اللواء "محمد نجيب" هو رئيس مصرى مثقف وله رؤية سينمائية واجتماعية ولكن ما استوقف فى السينما هو زيادة عدد الراقصات داخل هذه الأفلام.. أشهر وأهم رقيب عرفته مصر هو بالطبع الأديب الكبير "نجيب محفوظ" كان بالطبع يميل للتحرر ولم تكن لديه تلك النظرة القاسية للأفلام كما يحسب له بعد رؤيته السياسية ولقد تصدى مثلا لمن يريدون منع أغنية "يا مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى" التى غناها "بوب عزام" ولحنها "محمد فوزى" وحققت شهرة عريضة حيث أن الرقيب وقتها اعتبرها دعوة الى عودة مصر للولاية العثمانية حيث أنه اعتقد أن المقصود بمصطفى هو "مصطفى كمال أتاتورك" مؤسس تركيا الحديثة ... ووجد الرقيب أن مقطع "سبع سنين فى العطارين" مقصود به عدد السنوات على قيام الثورة .. تدخل "نجيب محفوظ" وأباح الأغنيه لكنه مثلا اعترض على "صباح" فى أغنية "من سحر عيونك ياه" وجد أن "ياه" طالت أكثر مما ينبغى وكان يجرى بها إيحاءات جنسية وأعادت "صباح" غنائها بإشراف ملحن الأغنية "محمد عبد الوهاب" وهو التسجيل الذى لا تزال الاذاعة المصرية تبثه باستمرار ... هل دائما الحل يافطة للكبار فقط؟ الحقيقة هى أن هذه اليافطة تحمل فى جزء منها احساس بالكسل الرقابى مثلا تصدرت فيلم "احاسيس" لهانى جرجس فوزى ... فى نفس الوقت الذى تصدرت فيلم "رسائل البحر" لداود عبد السيد ... ما هى أسباب الدولة لكى تعتبر فيلم "داود" للكبار .. الفيلم يدعو للتأمل والتفكير فكيف صار التفكير حكرا فقط على الكبار رغم أنهم فى العادة لا يفكرون ناهيك على أن هذه اليافطة تهيىء الجمهور لمشاهدة فيلم به مشاهد جنس وعرى وكل من ذهب إلى "رسائل البحر" لهذا الغرض من المؤكد قد شعر بصدمة ... أن عشوائية استخدام رخصة للكبار فقط يفقدها معناها وجدواها ولهذا كان ينبغى دائما أن يتم وضع ضوابط اجتماعية لاستخدام هذا السلاح خاصة أننا نعيش فى ظل مجتمع مفتوح يستقبل كل شىء ... أنها يافطة تعود لعصر كانت الدولة تملك فيه كل الأوراق والقنوات وتستطيع أن تمسك الاعلام بيد من حديد ... الآن صارت اليد من حرير ولم تتغير النظرة ولا قسوة القبضة؟!             

 بقلم / طارق الشناوى المصدر/ مجلة اخبار النجوم25/2/2010 العدد 908

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,269,026