هي بيوت الله في الارض وحيثما يذهب اليها المؤمنون يشعرون انهم اكثر قربا من الله سبحانه وتعالى . وهو الموجود في كل مكان بالارض والسماء . كما ان الاديان حثت البشر على الذهاب اليها , فهي ملتقى المؤمنين من نفس الدين , وفي الملتقى تحت هذا اللواء المقدس , كثيرا ما يحدث التآلف , وتذوب الخلافات , وتتجدد مشاعر, الحب بين الناس.
وفي الإسلام يذهب المصلون الى المسجد خمس مرات يوميا للالتقاء بالله سبحانه وتعالى من خلال الصلاة , كما يتقابلون مع اقرانهم من المؤمنين سواء بشكل عابر , او متأصل . ولذا سميت بيوت الله . وفي هذه البيوت تحدث ايضا قصص كثيرة , ومن هذه الحكايات عاش الناس في الكثير من الحالات الانسانية و الوجدانية في السينما المصرية.
وقد ظهرت المساجد في السينما المصرية باشكال عديدة سواء من حيث شكلها المعماري الخارجي , او تبعا لاهميتها الاجتماعية ودوافعهم للحضور بشكل متكرر , او متقطع , بل ايضا من حيث الرمز الذي يدل عليه الآذان الذي يتردد صداه في كل انحاء المدن و القرى خمس مرات , ينادي الناس ان حيوا على الصلاة و الفلاح.
و الموضوع بالغ الاتساع, لذا اخترنا ان نقدمه من خلال قسمين كبيرين وفي داخل كل قسم يمكن ان نرى عدة تقسيمات تحتية هذان القسمان هما المساجد و الاضرحة التي تكتسب شهرتها من اولياء الله الصالحين المدفونين فيها سواء كانت هذه المساجد كبيرة الحجم و المكانة مثل السيدة ينب , والمسجد الحسيني , ومسجد سيدي احمد البدوي , او المرسي ابو العباس وغيرها بالمدن المصرية ثم مساجد اصغر حجما موجودة في القرى تحمل اسماء بعض هؤلاء الاولياء واغلب هذه المساجد اما جامع يؤمه الناس للصلاة , او اوية صغيرة يتبرك بها الناس وبترددةن عليها من الخارج فقط للدعاء و البحث عن حل لمتابعهم.
ويتمثل القسم الثاني في مكانة المسجد لدى الناس بشكل عام . وما ارتبط من حكايات ابطال الكثير من السينما المصرية بالمسجد بشتى الصور التي سبقا الاشارة اليها .
ولذا , سوف نحصر حديثنا هنا حول مجموعة قليلة منهذه الافلام , باعتبار ان سلوك الناس فيها يعد نموذجا واختيارا امثل لما قدمته السينما من هذه الحكايات عن علاقات الناس بمساجد بما يليق بها من مكانة لدى الناس . وبما يليق باولياء الله الصالحين الذين لهم اضرحة في داخلها , ومن ناحية اخرى فان هناك اضرحة في اماكن اخرى لاشخاص تختلف مكانتهم الدينية و الحياتية بما اكتسبوه , بعد حياتهم , في قلوب الناس.
في فيلم (الزوجة الثانية) لصلاح ابو سيف 1967م , قرر كل من الزوجين المنكوبين ان يذهبا الى ضريح السيد البدوي والدعاء لله و التشفع باسمه من اجل ان يرد عنها شرور العمدة عثمان الذي قرر فجأة ان بفصل بين الزوجين , كي يتزوج من رقية , باعتبار ان الزوجة الاولى عاقر , ولن تنجب له الوريث .
و الزوجان هنا منكوبان فعلا , والزوج الضعيف , عليه مغادرة القرية بعد ان سلبه العمدة بيته , ولذا , فانه ليس هناك شخصا كبيرا يلجأ اليه يفصل ما بينه وبين العمدة .
هو ظلم بائن ونهائي . ولذا فانه يتجه الى المسجد ليتضرع الى الله وهو يتلمس الضريح وعلى جانب اخر تقف الزوجة فاطمة في مشهد اخر تفعل نفس الشي .
ومن الواضح ان الدعاء في هذه الاماكن المقدسة , مستجاب , فمثلما عاد الابن المفقود الى امه في المولد فان الله ينصر الزوجين , ولكن بعد حين , بعد ان تتزوج فاطمة شرعيا من العمدة , بعد ان يتم طلاق الزوجين طبعا , اي ان الظلم هنا قد طال.
وتكشف لنا السينما كيف استجاب الله للدعاء الذي انطلق من حناجر يتألم اصحابها بشدة . فاقعد المرض العمدة وكان شديد الوطأة على الرجل , واشتدت الكوابيس من حولخ , ثم دفع حياته امام عيني الزوجة الشابة التي عادت مرة اخرى الى زوجها بعد وفاة العمدة.
وفي فيلم (سارق الفرح) لداوود عبد السيد 1995م فان عوض ايضا يعيش في ازمة عاطفية , فوالد حبيبته احلام يرفض ان يزوجها له ما لم يدبر خمسمائة جنيه و ذلك خلال اسبوع , وذلك باعتبار ان هناك خطابا اخرين اكثر ثراء يمكنهم ان يكونوا بديلين عنه . وبينما يحاول عوض ان يدبر النقود بطرق كافة , فان احدى وسائله هي الذهاب الى الضريح المقام فوق تلة الجبل لشيخ يعرف اهل المنطقة اسمه , ولا نعرف عنه كمتفرجين سوى انه مبروك , وهو يبتهل الى الضريح ان يعطيه , وان يوفقه في طلبه وينتظر منه علامة , وبالفعل فانه تسقط فوقه , في احدى المرات العديدة التي يذهب فيها الى الضريح , علامة عبارة عن مخلفات احدى الطيور , وهي في الموروث الشعبي لدى البعض تعني الرزق و استجابة الدعاء , وعوض هنا مأزوم عاطفيا , وماليا , ولذا فهو لا يعود الى الضريح بعد ان تحقق له ما اراد..
اللجوء الى الضريح , حتى مع المخرجين المعاصرين , يعني ان الدعاء المنطلق هناك من الحناجر مستجاب , فهؤلاء الاشخاص يحتاجون الى دعم من السماء , وقد تكرر ظهور مثل هؤلاء المأزومين عاطفيا كثيرا , ففي " الكيت كات " لنفس المخرج انقلبت الآية , ورأينا فاطمة التي غاب عنها زوجها في السفر , تذهب الى ضريح الحي الشعبي , وتقف على اعتابه , وتدعو له , ان يكون يوسف ابن الشيخ حسني من نصيبها , وان يتقرب منها .. ويكشف الفيلم كم ان هذه المرأة في حاجة اليه , وانها مأزومة ايضا . وبالفعل فانها تزور امه ثم يبدأو حسب الفيلم ان الدعاء قد استجاب وفيما بعد تتوطد العلاقة بين فاطمة ويوسف ويصير عشيقها
و العلاقة هنا محرمة بالطبع , باعتبار ان هناك رجلا غائبا في حياة فاطمة لكننا لا نراه , وان كان يوسف لايرضى عن هذه العلاقة ... وهناك امرأة اخرى متدينة في فيلم " الارض الطيبة " لمحمود ذو الفقار عام 194 تتردد على ضريح سيدي الدكروري في احدى القرى المصرية . وهي مأزومة ايضا وان اختلفت الازمة هنا , وهذه المة فان المرء لا يدعو لنفسه , بل انها تدعو بالهداية للشخص الذي احبته , وتراه قد اصيب بالنزق , وهي تدعو له في صلاتها . وهذه هي احدة المرات القليلة التي نرى فيها شخصا يلتجأ الى الضريح ويدعو اثناء صلاته , فهي تعرف ان هذا الشاب يمتلك قلبا طيبا , كما انها واثقة ان بركات سيدي الدكروري ستحل عليه وانه سيهتدي . وبالفعل فان الشاب في تلك الفترة يكون قريبا من الضريح وتحدث بعد ذلك الهداية للشاب.
وهناك في فيلم " بين القصرين " نفس النوع من الدعاء حيث يلجأ الطفل كمال الى ضريح الحسين كي يلتمس اليه ان يعيد ابوه امه الى المنول بعد ان طردها منه, وقد لجأ كمال الى الضريح لعدة اسباب , منها قناعته الشديدة ببركات صاحب المقام , ومنها ان امه امينة قد تم طردها من المنزل بسبب رغبتها في الحضور الى المسجد للتبرك به حبا و تقديسا . بمعنى ان هذا الحب هو السبب . ويقف كمال يبكي الى جوار الضريح .
ومثلما كان الطرف الاخر قريبا من المرأة المتدينة في الارض الطيبة فان الاب احمد عبد الجواد يكون قريبا من الضريح في تلك اللحظات , فيقتربل منه , ويسأله عن سبب وجوده فيقول له : جئت لاجعل سيدنا الحسين يجعلك تعيد "نينا" ويكون هذا الموقف سببا لان يذهب الزوج في الصباح ومعه ابنه لاحضار زوجته.
وكما هو واضح فانه ايضا في حالة الدعاء من اجل الاخرين , فان هناك ازمة ما تستدعي الذهاب الى الضريح . كما يتم اللجوء الى الاضرحة حبا وتبركا.
وتصبح لدى الناس عادة دون ان يعرف الناس ماذا هناك بالضبط ولا ما هي الشخصية التي يتبركون بها , فالناس تذهب الى ضريح سيدي التلاوي في فيلم (للحب قصة اخيرة) رأفت الميهي تبركا به وخاصة في المولد الذي يقام باسمه ويلجأ اليه الزوج المريض زيتوهم في البداية انه قد شفى بفضل بركات صاحب الضريح . كما ان امينة في بين القصرين لحسن الامام 1964 تتمنى من الله ان تذهب لزيارة الحسين وتنتهز سفر زوجها الى خارج القاهرة كي تخرج مع ابنها الصغير للقياك بهذه الزيارة وهي تفعل ذلك حبا في صاحب الضريح وتبركا به وتردد وهي في طريقها الى هناك "شئ لله يا حسين" باسلوبها الملئ بالطيبة و النقاء .. وترفع رأسها الى السماء ابتهالا ان يستجيب لدعائها , لكن من الواضح ان السماء حسب السينما لا تستقبل محبي الاولياء قدر ما هي تميل الى استقبال المأزومين نفسيا و عاطفيا . فيحدث ما يمنع المرأة من الوصول الى الضريح وتصدمها عربة حنطور فتقعدها , بل انها عندما تعود الى منزلها ينكشف امرها انها قد خرجت بدون اذن زوجها الذي يعيدها الى منزل امها.
وكما نرى فان امينة رغم كل ما فعلته لم تتمكن من زيارة الحسين بعد ذلك وحسب النص الادبي في الثلاثية فانها فعلت ذلك في مرحلة لاحقة , بعد ان اصابت الشيخوخة زوجها واصبحت اكثر تحررا بعد الفترة التي تدور فيها احداث بين القصرين وهي المرحلة التالية على ثورة 1919م.
كما ان الفتاة الطيبة في فيلم محمود ذو الفقار تذهب دائما الى ضريح الدكروري من اجل الصلاة والتعبد , ولم نرها تدعو الله في الضريح ان يهدي حبيبها الا بعد ان زقعت في الحب فعلا حتى ولو من طرف واحد , باعتبار ان هذا الشاب التي تدعو له الفلاحين ايمانا بمبدأ تقسيم الروة على الفقراء و المحتاجين . اي ان زيارتها للضريح بشكل متكرر كان بدافع الحب , والتبرك في المقام الاول , اما مسألة الدعاء فقد جاءت في وقت ازمة.
توجد الأضرحة في المناطق الشعبية وفي القرى الصغيرة ويومها كل الناس وعلى رأسهم ابناء الحي .. هؤلاء السكان يعيشون تحت لواء بركات هذه الشخصية كما صورت السينما , وفي الاحياء الشعبية هناك السيدة زينب في فيلم (قنديل ام هاشم) وهناك ( جامع الاقمر ) في فيلم يحمل نفس هذا الاسم اخرجه هشام ابو النصر في فيلم 1978م .. وايضا في ( طريد الفردوس ) لفطين عبد الوهاب عام 1966م .. اما ضريح الحسين فيظهر في فيلم بين القصرين وهناك اصرخة صغيرة ليست مساجد في منطقة شعبية من المقطم , هي منطقة عشوائية بلا هندسة معمارية , ولعل الناس جاءت الى هناك علة حس الضريح , ولم نشهد احدا يتردد على هذا الضريح سوى عوض في سارق الفرح . كما ان ضريح التلاوي يقام في منطقة عشوائية اخرى في جزية الوراق في اطراف القاهرة ,وهو حي شعبي بدائي كما صوره الفيلم .. اما ضريح السيد البدوي .
فقد رأيناه في فيلم الزوجة الثانية و اللص لسعد عرفة .. كما ان هناك اضرحة في القرى التي تدور فيها احداث افلام الارض الطيبة و الطوق و الاسورة .
في مقابل الأضرحة التي تلقى كل هذه المهابة و المكانة الدينية الاجتماعية وتعاملها السينما بما يتناسب مع قداستها , فان هناك تدخلا واضحا من السلطات الرسمية لوضع حد لتقديس شخص لا يستحق كل هذه المكانة من الناس . ولعل اشهر نموذج على ذلك هو فيلم للحب قصة اخيرة لرأفت الميهي .. فالتلاوي لديه امكانة مقدسة في قلزب الناس , يقيمون له الموالد ويتبركون به , بل ان المرأة الثرية ام رفعت ترى ان التلاووي قادر قادر على شفاء ابنها . ام الزوجة سلوى فتردد في اسى : ( مش ممكن ربنا يحكم على حبنا بالبساطة .. جايز التلاوي دة دجال و نصاب لكن ربنا اكيد حاجة تانية ) ... وقد تولد مثل هذا الاحساس بعد ان ثبت ان الدعاء و اللجوء الى الضريح لم تكشفا عن معجزات صاحب الضريح .
ويقول مجدي الطيب في مقالة عن الفيلم في نشرة نادي سينما القاهرة : ( وفي اللحظة التي تكشف فيها الزوجة حقيقة الوهم تداهم قوة من البوليس مقام التلاوي وتهدف اركانه فلا يبقى منه شئيا ومع ذلك فلا يصدق الاهالي السذج الحقيقة المجردة اما اعينهم ويظن البعض عن التلاوي هرب قبل ان تمسه يد الاذى ويستكمل الطيب حديثه عن نفس الشخصية التلاوي قائلا وتعلم الزوجة بوفاة الزوج فتذهب الى مقام التلاوي , ورغم الدمار والخراب الذي حل بالمكان والحرائق المندلعهة فيه الا انها ترفع رأسها وتنهال على الكرسي الذي ارتبط لدى البعض بكرسي العرش وع ضربات الناس يتهاوى العرش المعزوم وتزول الاكذوبةى الزائفة ويسقط الوهم المريض ... ولذا فان الاضرحة المزيفة التي لا يتمتع اصحابها بنفس المكانة الدينية فانها لا تلبس ان تنهار باعتبار ان التلاوي كان في الفيلم لصا ..
تم العثور على جثمانه في الوراق فتصوره الناس ذا بركات وقد مات اثناء مطاردة الشرطة له كما ان نهاية ضريحه تاتي ايضا على ايدي رجال الشرطة وهذا المشهد بالغ الصعوبة بالنسبة لتقبل الناس لهدمه في حسب الواقع فانه من الصعب مس اي مكان يذكر فيه اسم الله باعتبار ان القادمين الى المكان يتضرعون الى الله وان الضريح ليس سوى مكان للالتجاء الى الله وغالبا ما يصبح الضريح مقدسا مهما كانت حقيقة الشخصية الراقدة في الضريح وفي بعض الافلام نسمع عبارات يرددها الاشخاض الذين يعيشون في دائرة الضريح القسم باسم صاحب الضريح مثل ومقام السيدة و حياة الحسين او وحياة ابو العباس وذلك دلالة على مكانة هذه الشخصية في قلوب الناس الذين حولو القسم من الله سبحانه وتعالى الى رسوله ثم الى الاولياء..
وفي فيلمي حميدو و رصيف نمرة 5 تم القسم لغوا اكثر من مرة باسم ابو العباس المرسي باعتبار ان احداث الفيلمين تدور في منطقتي الجمارك و الانفوشي اللتين تحيطان بمسجد ابو العباس المرسي وقد نطق بهذا القسم شخصية حميدو على سبيل المثال وهو شخص متدين ظاهرا يقوم باداء الصلاة ولكنه مهرب مخدرات خدع الغازية التي احبها وتركها الى امرأة اخرى ثم ترككها في وسط البحر تغرق وظن انها قد ماتت..
هناك شخصيات بعينها تظهر في هذه الاضرحة وهم المجاذيب الذين نراهم فقط ينثرون الابخرة داخل المسجد ويرتدون زيا مميزا مثل الشخصية التي جسدها صلاح منصور في قنديل ام هاشم وهناك فرق واضح بين خادم الجامع و المجذوب فالاول عاقل وملتزم ويمكنه ان يتصرف بحكمة اما المجذوب فهو ينطق بالحكمة باعتبارها شيئا من الجنون ولذا يمكن تصديقها او اعتبارها خذوا الحكمة من افواه المجانين ولذا فان السينما تتعامل مع هؤلاء المجاذيب باعتبارهم بديل للجوقة في الدراما اليونانية او ما شابه ذلك حيث يظهر فجأة وسط الاحداث كي يطلق تعليقاته القدرية التي ترتبط كل كلمة منها بمصائر شخصيات الرئيسية في الفيلم مثل شخصية المجذوب الذي يمر على محلات الذهب في فيلم الصاغة لاحمد السبعاوي عام 1996 فهم يتوعد كافة الخارجين على قانون السماء بمصير مأسوي ونحن هنا امام مثل هذه الشخصيات الخارجة عن القانون مثل شكري حوت الصاغة الذي يسيطر على السوق ويتزوج كثيرا وفي حياته الكثير الجرائم الدموية والزيجات الفاشلة و بالفعل فان العبارات التي ينطقها المجذوب هنا تعبتبر بمثابة قرأة لمستقل الحوت من ناحية وزوجته فتحية التي انفصلت عنه بعد ذلك لتنافسه ولتصبح بدورها حوتا اخر تنتهي بشكل مأسوي ايضا ...
وفي فيلم الصاغة لم نرى ضريح الحسين مباشرة لكن هذا المجذوب الذي ينتقل بين حواري الصاغة الضيقة ينتمي الى ذلك الحي الشعبي والصاغة هنا قريبة جدا من المسجد الحسيني وفي نفس الحي تدور احداث فيلم درب المهابيل لتوفيق صالح 1955م ومن بين شخصياته العديدة يظهر المجذوب "قفة" بملابسه المميزة فهو يحمل المبخرة ايضا بين وقت واخر ويردد كلاما يمكن اخذه مآخذ الجد وهو هنا يمسك مسبحته بين اصابعه وتتدلى على صدره علبة صفيح تعتبر بمثابة منذر لما سيقوله . كما انه يحمل احمالا عنزة من اجل در لبنها وهذا المجذوب يتبارك به بعض اهل المنطقة و يطلبون منه ان يدعو له وكما نرى فانه وسيلة رابحة للالتجاء الى السماء بعد الاولياء ومثلما في الصاغة فان قفاه ينتقل بين حانوت واخر يتلمس بعض المال القليل من اصحاب المحلات .
إذن فالسينما تصور هذا المجذوب على انه نوع راقي من الشحاذين ينالون اجرا مقابل دعوتهم للناس ومصيرهم في النهاية هو الى جوار الشحاذين وتبع لحوادث فيل توفيق صالح فان ورقة اليا نصيب التي تدور حولها احداث الفيلم الرئيسية , تؤول الى المجذوب الذي سرعان ما يصبح محور اهتمام الاخريين بعد ان تصل اليه الورقة الرابحة فتحوطه الاغراءات . وبالفعل فان المجذوب هو الذي يقوم بصربف الورقة ويتكالب اهل الحارة للحصول على النقود التي تكون في النهاية من مصير الماعز التي تأكلها.
وتصور السينما هذا المجذوب اقرب الى العبيط الابلة لكنه يبدو واعيا للغاية , وهل يمكن ان ينطق مثل هذا الحوار الا اذا كان على قدر كبير من الحكمة , وقد ظهرت شخصية عبيط القرية في بعض الافلام مثل (هارب من الايام) لحسام الدين مصطفى عام 1965 بشكل يختلف تماما عن شكل المجذوب , و اغلب الصور التي ظهرت بها هذه الشخصية في السينما المصرية كانت ثانوية كما سبقت الاشارة . وقد ظهرت في افلام عديدة منها (زقاق المدق) و (بين القصرين) وفي افلام كثيرة اشترك في كتابتها نجيب محفوظ منها (النمرود) لعاطف سالم 1956 و ( وكالة البلح) 1982, وبعض الافلام المأخوذة عن رواية (الحرافيش).
وفي بعض الأحيان يبدو هذا المجذوب مزدوج الشخصية . ولكن المجذوب الذي نقصده هنا هو ذلك التائه في حب الله وهو حالة من الصترف يردد دائما كلمة (حي) للدلالة على الهتاف باسم الله سبحانه و تعالى , وبالرجوع اليه في ه1ه الافلام نراه بلا جذور اجتماعية او عائلية , وغالبا ما يكون منبها الى الخطر او المأساة قبل قدومها .. كما انه موجود داخل الضريح وخارجه.
ولعل أشهر مجذوب في السينما هو الشيخ (عليش) في فيلم ( طريد الفردوس) لفطين عبد الوهاب وهو مأخوذ عن قصة قصيرة لتوفيق الحكيم .. هذا الشيخ الذي توافيه المنية لا نعرف له اي جذور .. فهو يمزت وعليه ان ينتقل الى السماء لمحاسبته حيث يتم اكتشاف ان موازينه في السيئات تتساوى مع مثيلتها في الحسنات , وتبعا لقانون الحساب فانه يجب ان يعود مرة اخرى الى الارض واعطائه فرصة حياتية ثانية كي يعرف الى ان يذهب , الى الجنة ام الى النار . ولان ليس للشيخ عليش اي جذور عائلية او اسرية فهو احد الدراويش او المجاذيب الذين يسكنون في منطقة السيدة زينب وقريبا من المسجد , فانه عندما يعود الى نفس المنطقة يجد نفسه غريبا , فقبل قليل استودعه الناس وشيعوا جثمانه وليس في الامكان تصديق انه على قيد الحياة , ولذا يختار ان يغير من حياته وان يعيش كشخص اخر.
ورغم ان ملامحه الخارجية تتغير فان شخصية المجذوب او الدرويش لا تزال تسكن بداخله , وهو شخص اقرب الى سلوكه بالمتصرف الخير . ولذا فانه يتصرف الى جانب الحق حتى في علاقته بالفتاة الطيبة التي يحبها .. يتصرف باعتبار ان الموت ينتظره , وانه موجود في هذه الارض من اجل مختبر قصير عابر .. وبالفعل فانه بعد ان يموت في احدى المشاحرات نرى عبارة (الى اين) بديلا عن العبارة التقليدية (النهاية) , فنحن لا نعرف المصير الحقيقي له : هل الجنة او النار ؟ .
وليس مجالنا هنا الحديث ان الحكيم استوحى هذه الاقصوصة من سيناريو فرنسي كتبه جان بول سارتو 1947م , والذي استوحاه بدوره من فيلم امريكي عرض في نفس العام تحت اسم ( حضور السيد جوردان ) ولكن يهمنا ان الحكيم قد اختار شخصية الدرويش لتظهر في بداية الاحداث فنحن لم نرها على وجه الارض الا بشكل عابر , ورأينا الشخصية التي جسدها فريد شوقي قد ارتدت نفس الملابس الرثة التلقليدية التي نعرفها عن مثل هذه الشخصية.
المصدر : كتاب صوت الاديان فى السبنما المصرية
تاليف /محمود قاسم
تقديم /د. مدكور ثابت
ساحة النقاش