الألغاز كأي مظهر من مظاهر الآداب والتراث الشعبي هي جزء من ثقافة الشعب وتعبير عن جوانب من ثقافته المادية والعقلية والروحية والاجتماعية؛ فاللغز من خلال السؤال والجواب يعطي ملامح خاصة لنوعية الثقافة الشعبية السائدة في المجتمع.

 يهتم دارسو الآداب الشعبية بدراسة الألغاز باعتبار أنها شكل من أشكال التعبير الأدبي في المجتمع، بجانب ما تحمله من تصوير لبعض جوانب الحياة في البيئة وإظهار المهارة الفكرية .

والألغاز الشعبية التي عرفها الإنسان منذ القدم تستخدم تعبيرات متناقضة تعتمد على المهارة اللغوية والمسميات المتشابهة لأشياء متغيرة ومختلفة، إلا أنها تعطى إجابة بسيطة وبساطتها هذه تفاجئ السامع الذي يبحث عن إجابة للمعنى المغلف أو المحتجب.

 وتتنوع الألغاز وتتعدد وتختلف في شكل الصياغة وأسلوب التركيب اللغوي باختلاف البيئة التي نشأت فيها، كما تتضمن موضوعات تعبر عن المناخ الفكري لمجال نشأتها، وتعتبر الألغاز من اقدم الأشكال الأدبية التراثية مثلها في ذلك مثل الأمثال الشعبية، ويزخر التراث الشعبي في دولة الإمارات بالألغاز التي تحتوى على العديد من صور البيئة  التي كان يحفظها ويتبادلها الآباء والأجداد عادة للتسلية  في جلسات السمر ولإظهار القدرة على التفكير السريع وقوة الملاحظة مثل السؤال عن " طير طار في البحر، لا له ريش ولا منقار" .. وقد يبدو لأول وهلة أنه سؤال يحتاج إلى بعض من التفكير والخيال ولكن سرعان ما نعرف أنه بخار الماء الذي يتبخر من ماء البحار فيطير سحاباً وهو كما يبدو من الألغاز الكثيرة التي ترتبط بالبيئة، التي تحيط بالإنسان ومنها أيضاً  شيء يخرج من الماء..وإذا جاءه الماء هلك" وإجابته هي الملح ، الذي يستخرج من الماء، وإذا أضيف إلى الماء ذاب فيه ، وكذلك " الظهر أملح.. والبطن أبيض" ويمكن لمن يعيش على شاطئ البحر معرفته ، فالمحار ظهرها مالح وبطنها أبيض .وتتشابه الألغاز في الإمارات بينها وبين ألغاز المجتمعات الأخرى ، وقد يكون هذا التشابه بسبب انتقال بعض الألغاز من مجتمع إلى آخر ، أو تشابه البيئة أو الظروف الاجتماعية فعلى سبيل المقال نجد لغزاً عربياً شائعاً في الإمارات والكويت وله نظير في التراث العربي والأوربي ، إذ يسأل اللغز في الإمارات عن " ما هي الشجرة التي لها 12فرعاً ..وفي كل فرع 30 غصنا وكل غصن به 5 ثمرات، ثلاث في الظل وهي (المغرب والعشاء و الفجر "، واثنتان في الشمس وهي " لظهر والعصر ") .

اما اللغز الأوروبي فيقول "لأحد 12ولداً وكل ولد من الأولاد أنجب ثلاثين مرة ، وفي كل مرة يرزق بنتين واحدة بيضاء وواحدة سوداء ، البنات لم يمتن مع أنهن قد متن " .

والإجابة لكلا اللغزين تكاد تكون واحدة فالسنة 12 شهراً ، والثمرات في اللغز العربي هي الصلوات الخمس ، ثلاث صلوات في الظل وهي " المغرب والعشاء والفجر " واثنتان في الشمس " الظهر والعصر" وفي اللغز الأوروبي يرمز إلى النهار والليل بالبنتين البيضاء والسوداء كما أن الأيام تمضي وتأتي فهي تموت ولا تموت .

الحكـاية الشـعبية :

الحكاية الشعبية هي أقدم من الموضوعات التي ابتدعها الخيال الشعبي ، تتجلى فيها حكمة الشعب ، ونتائج ممارساته ومعايشته للحياة وهي خلاصة تجارب الأجيال مصاغة في قالب قصصي مشوق ، زاخر بالعبر والقيم النبيلة فالحكاية تسمع ثم تكرر بقدر ما تعيها الذاكرة وقد يضيف الراوي الجديد إليها شيئاً أو يحذف منها أشياء وقد تروي مرة أخرى كما هي دون حذف أو إضافة وان أصابها بعض التغيير من تقديم أو تأخير بعض الفقرات وقد تدون هذه الروايات ويتناقلها البعض عن طريق السمع أو القراءة .

 وتقوم الحكايات الشعبية بدور كبير في تأكيد الروابط الاجتماعية بما تحمل من قصص عن القيم الاجتماعية والروابط الأسرية ، وما تحققه من مشاركة فكرية ووجدانية بين الراوي والسامع ، والراوي للحكاية الشعبية هو مجرد صدى لصوت الشعب نفسه، يقدم من خلال ما يحفظه من حكايات يرويها، تقاليد المجتمع وعاداته ، ومن خلال ما يقدمه تنتقل معالم الحياة الفاضلة بطريق غير مباشر من أذن السامع إلى فكره .

فعند الشعبيات قبل أن تخلد الأسرة إلى النوم ، وفي وقت كان فيه البيت هو المدرسة الوحيدة التي يتخرج منها الإنسان ، كانت الحكاية الشعبية بطريق غير مباشر إحدى وسائل التلقين وتوصيل المعلومات بهدف توجيه النشء وتأصيل المبادئ والأعراف وتفتيق الذهن وتوسيع الخيال .

وتتميز الحكايات الشعبية بأنها تصوير للحياة الواقعية بأسلوب واقعي ، أو بتجريد الأحداث وإعطائها صبغة خيالية، أو بتضارب الأحداث وتناقضها حتى تصبح شيئاً فوق الواقع ، وأعلى من التجربة الملموسة ، وهذا ينطبق على الأشخاص حينماً تحمل شخصيات الحكاية الشعبية جوانب من عالم الخرافة وأحداثاً خارقة للطبيعة .

ومازالت الحكايات الشعبية تلعب دورها في إثراء المعرفة البشرية من خلال تصويرها أحداث الحياة وانتقالها من فرد إلى فرد ، ومن جيل إلى جيل ، ومن مجتمع إلى مجتمع، فهي بالإضافة إلى أنها تحمل في بعض جوانبها بقايا من الأساطير والمعتقدات الشعبية القديمة في منطقة الخليج ، فهي تعكس أيضاً تصويراً ووصفاً لبعض قطاعات من الحياة الإنسانية والأحداث التاريخية والجغرافية التي شهدتها المنطقة ، مما لم يصل إلينا من خلال كتب التاريخ المدون أو كتب الرحلات ، ومن خلال ما يرويه الراوي يتعلم السامعون قيم المجتمع وفضائل الحياة وغرائب الطبيعة، حيث تشدهم بطريق غير مباشر أحداث البطولة ومغامرات الشجاعة إلى اعتناق وممارسة قيم البطولة وعاداتها وأنماط السلوك الفاضل ، كما أنها تقوم بدور تربوي بجانب المتعة الفنية التي تقدمها للسامعين .

وقد تصف الحكاية الشعبية أحداثا معينة وعادات وتقاليد أشخاص معينين في قطاع مكاني محدود وفترة زمنية معروفة، ولكن بأسلوب فني يعتمد على السرد واستشارة خيال السامعين وأحاسيسهم وهم ينصتون للراوي وهو يقص صراع البطل ضد أعداء قومه، ويكبرون في نفوسهم تواضعه حينما يعود منتصراً ، ويبحثون مع البطل المحب ، وهو يغالب العقبات التي تحول بينه وبين الحصول على اللؤلؤة المجهولة التي تطلبها حبيبته، ويتعاطفون في حنان مع البحار الذي سقط من سفينته ليصارع البحر والموج ، أو تاجر اللؤلؤ حين يفقد لؤلؤه الذي جمعه عندما يسقط منه في البحر ، ولكنه لا ييأس ، والغواص الفقير حين تضيع اللؤلؤة الوحيدة التي رزقه الله بها ، يحزن ويسأل الله العوض ، حتى يصطاد سمكه لطعامه فيجد في جوفها لؤلؤة كبيرة .

ومن الحكايات الشعبية أيضاً ما يروى عن أهوال الصحراء ووفاء الحيوان وممارسات الإنسان مع الطبيعة والصيد والفروسية وغيرها .

وكما يتغنى "النهام" بأغانيه للرفاق يحكي الغواص "السوالف" والأحداث التي مر بها وسمعها وكانت من واقع الحياة ، أو يتبادل البحارة "حكايات" تناقلوها عن الأجداد ، يمتزج فيها الخيال بالحقيقة والوهم بالواقع ، والأسطورة بأحداث الحياة ، منها ما يحمل قيماً أخلاقية ومنها ما يؤكد الإيمان الديني والمعتقد ، والبعض منها ساخر، والبعض الآخر يهدف إلى حكمة ويسجل بالرمز تجربة إنسانية ، وإن كانت أحياناً ترد على لسان الحيوان أو الطير، ومن الحكايات ما يقدم جوانب من التاريخ لم تكن معروفه ، أو غفل التاريخ المسجل عن ذكرها، وتروى أحداث أبطال من صنع الخيال الشعبي ، فالحكايات الشعبية لأي مجتمع هي سجل متنوع الصفحات لقصة الشعب نفسه، صاغ فيها الشعب جيلاً بعد جيل ، أحداث حياته وتطلعات مستقبله ، يصف الواقع في أسلوب روائي يمزج الواقع، يضفى من فيض خياله، وتصورات أوهامه أوصافاً أسطورية على قصص البطولة ، أو حوادث المغامرات ، كما يسجل من خلال الحكاية ، جوانب من تاريخ أمتـه .

الألغـاز لغـوياً :

تفسر لغوياً كلمات: لغز – غطاية – أحجية – فزر – حزر .

المعاني الآتية :

لغـز : بمعنى مال به عن وجهه ، كما يقال أيضاً لغز اليربوع جحره بمعنى حفره ملتوياً مشكلاً على داخله ، وألغز الكلام ، أي عمي مراده به ولم يبينه ، والملغز من الكلام هو الملتبس الشكل .

غطاية : أغط الشيء في الماء إي غمسه وغوصه ، والمغطية وهي كلمة عامية بمعنى الضباب .

أحجية : من حجا – حجا الأمر – ظنه ، فأعاده ظاناً ولم يستيقن ، والأحاجي من الكلام ، المغلق منه .

فـزر : شق – فسخ – كسر – فزر الشيء أي فتتـه .

المصدر: موقع تراثى دوت نت

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,878,109