تتباهى النساء والصبايا بإرتداء الثوب الفلسطيني المطرز بأيديهن، ويرتديه البعض في المناسبات والأفراح وخاصة في منطقتي "رام الله والقدس" علي الرغم من إنتشار الموضة وأحدث دور الأزياء وتكثر لدى الأسر الفلسطينية التحف والمطرزات التى تزينها الرسومات والتى ترمز إلى شئ يؤخذ من الثوب الفلسطيني كالقبة أو الأكمام أو تطريز التنورة أو العباءة الكوفية.

على مدار السنة لا تكاد تخلو المعارض الفلسطينية التى تزدان بالأثواب المطرزة وقطع الزينة مثل المساند والأغطية والمعلقات والحقائب بمختلف احجامها وتباع هذه المطرزات بأثمان مرتفعة لأنها تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل لإنجازها.

هذا الإهتمام دفع بعض الشباب والفنانين إلى تطريز ثوب يحكي تاريخ الشعب الفلسطيني منذ عهد الكنعانيين حتي العصر الحالي في محاولة فلسطينية جديدة لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

وتحكي الواجهة الأمامية من الثوب قصة الشعب الفلسطيني بألوان فاتحة وداكنة، حيث يرمز اللون الأصفر منها إلى الحروب الصليبية التى أجتاحت المنطقة قبل عدة قرون فيما يمثل اللون البني القرية الفلسطينية الريفية ومنازلها المصنوعة من القش والطين وتستمر الرسوم وصولاَ إلى اللون الأزرق الذي يرمز إلى البحر المتوسط.

وطبعت على الثوب أسماء المدن المهجرة من حيفا وعكا ويافا إنتقالاَ إلى الرمادي وهو ما يجسد جدار الفصل العنصري الذي أصبح يحتل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والخصبة في فلسطين.

والثوب المطرز هو من الزي الشعبي الفلسطيني، ويتألف من أربع قطع وينجز في جامعة بيرزيت تحت إشراف الرسام "بشار الحروب" الذي قال: "سنسمي العمل "حكاية شعب"، ونطرح من خلاله المراحل التاريخية لهذا الشعب من خلال الرسومات، فالثوب يمثل قصة الفلسطينين بداية بالكنعانيين وحتي أحداث اليوم".

 

" قطعه من السجاد اليدوى بالتراث الفلسطينى"

وأضاف:" نريد إحياء التراث الفلسطيني فالثوب المطرز يعود إلى فترة الفلسطينيين الأوائل من الكنعانيين وهو تثبيت لحقنا الذي يحاول الإسرائيليين سرقته".

محمود عوض (25عاما) منسق النشاطات فى جامعة بيرزيت والمشرف على المشروع بجانب رسامين آخرين قال:" هدفنا هو أعلام وتثبيت الحق الفلسطيني في هذا التراث وتقديم هذا الثوب إلى موسوعة جينيس حيث يبلغ طوله 30 مترا وبعرض 6 أمتار من بدايته و11 مترا من نهايته ليكون أكبر ثوب في العالم".

ويذكر أن أسبانيا تحتل قائمة الموسوعة لأكبر ثوب في العالم منذ عام 1998 الذي وصل طوله إلى 9.6 أمتار.

ويتوقع أن يصل إجمالي تكلفة العمل الفني عند إكتماله ما يقارب 3 آلاف دولار أمريكي، ومن بين المشاركين في التطريز علي الثوب طلبة متطوعين من جامعة بيرزيت وعدد من الفنانين كان من بينهم شبان حضروا من هضبة الجولان السورية المحتلة ليشاركوا في إتمام العمل.

تراثنا معرض للسرقة

عبير أبو حماد موظفة في إحدى مؤسسات السلطة وتهتم كثيراَ بالمطرزات الفلسطينية ولديها مجموعة كبيرة من الصور والمنتجات التي قالت إنها أنتجتها اثناء أوقات الفراغ التي قضتها بعد إنهاء دراستها الجامعية بمساعدة شقيقتها،  قالت "إن مثل هذا العمل يكرس تراثنا ويحافظ عليه من الضياع والسرقة، خاصة أن هناك محاولات من الإسرائيليين لنهب هذا التراث ونسبته إليهم من خلال إرتدائه في بعض المواقع"، وتري أبو حماد أن مثل هذا العمل سينجح لأنه يعمق تاريخ شعب وتراثه، وهي خطوة نادرة خاصة أننا نري إقبالاَ كبيراَ من الأجانب والسياح على مثل هذه الأعمال وإقتنائها.

لونا التي تعمل مدرسة في إحدى المؤسسات التعليمية قالت عن زميلاتها: "أنهن ينتهزن أوقات الفراغ بين الحصص الدراسية لينسجن بعض الخيوط علي الأقمشة المطرزة التي تأخذ أشكالاَ مختلفة، وخاصة التراثية منها، كخارطة فلسطين ومطرزات الثوب الفلسطيني الذي يقسم على أكثر من قطعة تنسق وتوضع كل منها في إطار منفصل، فشئ يشير إلى قطع من ثوب رام الله أو غزة أو نابلس أو جنين، وبإختلاف المنطقة تختلف المطرزات ورسوماتها".

وتضيف لونا: "وجدت صعوبة في البداية في تعلم كيفية التطريز، ولكن ما إن تمكنت منه حتي أصبحت يداي لا تفارقان الإبرة والخيط حتي في زياراتي العائلية وخلال جلسات الحديث لا أترك المطرزات".

معارض المطرزات

من زاوية أخري أصبحت المطرزات الفلسطينية تشغل مساحات كبيرة من معظم المعارض الفلسطينية التي تنظم في المؤسسات والمدارس والجامعات والجمعيات الخيرية، ويحفظ ربع تلك المطرزات لدعم المشاريع الخيرية والعائلات المحتاجة، حيث تقدم بصورة مجانية أحياناَ من قبل مصنعيها، أو يحتفظون بجزء من ثمنها ويحول الجزء الآخر إلى المساكين والأيتام والحالات الإجتماعية الخاصة وأصبحت هذه المعارض ظاهرة إجتماعية متميزة تشهد إقبالاَ من المجتمع الفلسطيني لما فيها من روائع الأشغال اليدوية والمنتجات المحلية.

وتقول سهاد: "أنها تقضي أولاَ علي الفراغ الذى أوشك علي تحويل حياتها إلى جحيم وتري ذلك واضحاَ في مطرزاتها التي غلبت عليها الألوان الداكنة فنادراَ ما تجد قطعة مطرزة تحمل ألواناّ زاهية".

وتقول سهاد انها بدات تتعلم التطريز أولاَ عبر لوحات مرسومة جاهزة تقوم بالتطريز عليها وتعبئة فراغاتها، وأول ما نتجته كان خارطة فلسطين بحجم متر ونصف حيث لاحظت أنها فتنت كل من وقع ناظراه عليها، فتشجعت لعمل قطعة أخري كانت مرآه زينت بها منزلها ولاقت إستحسان الجميع، ومن تلك اللوحات أنطلقت إلى مطرزات أخري حتي أصبحت تتقن هذا الفن بشكل عفوي ومن دون الحاجة إلى إقتناء رسومات جاهزة بل تعد القطعة وتنقلها عبر قطعة أخري ويمتلئ منزل سهاد بمثل تلك المطرزات التي قالت عنها إنها ثمرة ثلاثة أعوام من البطالة والركود الإقتصادي.

وعند سؤال سهاد عما إذا كانت ستواصل تلك الأعمال في حال حصولها على وظيفة قالت: "أعتز بمطرزاتي وأكن لها كل الفضل لأنها ساهمت في إبقاء وجودى وأشعرتني بأننى إنسانة وبقدرتي علي أن أعمل وأتقن الأشياء وقضت علي أوقات فراغي لذا لن أدعها حتي لو لم أمتلك إلا الوقت القليل الذي أوفره لصديقي الخيط والإبرة".

أم محمد امرأة ناشطة في إتحاد لجان المرأة تقول: إنها تعلمت فن التطريز في إحدى الدورات التي تلقتها قبل سنوات علي يد مدربة فنية عبر إحدى المؤسسات التي تعمل علي تأهيل المرأة لكنها لم تمارس هذا الفن إلا في الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث اضطرت إلى العمل بسبب عدم تلقي زوجها الراتب وهو موظف في إحدى المؤسسات الحكومية في السلطة الفلسطينية، وخلال تلك الفترة أنجزت العديد من القطع المطرزة ولكنها تجد صعوبة بالغة في تسويقها، فهي تضطر إلى زيارة العديد من المحلات التجارية فيخبرونها عن سوء الأحوال الاقتصادية، وتراجع الطلب علي مثل تلك الأشغال اليدوية بسبب إرتفاع سعرها عن المنتجات الأخري المستوردة وتضيف أم محمد إن معظم القطع تذهب إلى أشخاص ميسوري الحال يطلبونها بشكل مباشر أى بالقطعة.

" نماذج من المشغولات اليدويه بفلسطين"

هدايا الوفود الرسمية

منسقة لجان المراة للعمل النسائي "تمام قناوي" قالت: "هناك طلب كثير علي تعلم فن التطريز، ونساء أخريات يتقنه من دون الحاجة إلى أخذ الدورات اللازمة، أما نحن فما نفعله هو تزويدهم بمواد الحياكة كالخيوط والأقمشة والتصميم الذي نريده، وهن يقمن بتصنيعها مقابل نسبة من العائد".

تري قناوي أن فى هذا النوع من العمل اليدوي أهمية كبيرة للحفاظ علي التراث الفلسطيني من الطمس والتزوير كما أنه يساهم في مساعدة الأسر المحتاجة عبر توفير فرص عمل للنساء اللواتي كان عملهن في السابق يقتصر علي إدارة شئون البيت أما الآن يشهد إقبالاَ من الطالبات وخريجات الجامعة والموظفات لما فيه من فائدة تعود عليهن وعلي أسرهن.

وتضيف قناوي: من هذا المنطلق نظمنا العديد من المعارض الفنية وحاولنا أن ننقل إلى العالم أن هذا التراث هو كنز فلسطيني سعي الإحتلال الإسرائيلي إلى سرقته عبر إرتدائه للأثواب الفلسطينية في بعض الأماكن ومحاولة نسبتها إلى منتجاتهم وخاصة أن هناك منتجات يدوية لمواطنات فلسطينيات يقمن داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تقوم إسرائيل بشرائها لتحملها إلى الغرب مدعية انها من كنوزها الموروثة.

وتتابع: لقيت معارضنا التي أقمناها في الأردن وتونس والجزائر ومصر وسوريا رواجا وإقبالاَ من تلك الدول لمساندة الشعب الفلسطيني وكانت وسيلة لجمع الكثير من التبرعات عبرها وكانت فرصة لتعرف مواطنيها علي تراث الشعب الفلسطيني وقدرته علي الإنتاج والعطاء في جميع الميادين.

ومن هذا المنطلق تناشد منسقة لجان المرأة الفلسطينية في مدينة جنين السلطة الفلسطينية أن تدعم هذا المنتج اليدوي بأن تكون معظم هداياها الرمزية المقدمة للوفود الرسمية من هذه المطرزات، وأن تخصص سفاراتنا في الخارج زوايا خاصة بذلك النوع من التراث الفلسطيني، وتنظم المعارض لتساهم في نشره وحمايته من السرقة والأندثار وتتمني أن يفتح الخليج العربي أبوابه لتلك المنتجات والدول العربية الشقيقة التي لم تعرض فيها مثل الكويت والسعودية.

أخيرا، فإن فن التطريز هو متعة للكثير، وذوق في إختيار الألوان والأشكال ولا تنفك لجان المرأة والمؤسسات الفلسطينية تعمل علي تعميق هذا النوع من التراث حيث أشتهرت به المرأة الفلسطينية طوال الحقبة الماضية، وكرست وجوده عبر ما تلبسه أو تحمله أو تزين به منزلها حفاظاَ علي هذا النوع النادر من التراث الشعبي الفلسطيني .

بقلم/ هبة عساف مجلة فنون 2006

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,871,756