كانت الرياضة عند قدماء المصريين والاغريق منذ زمن بعيد مطبوعة بطابع التقديس والاجلال وكانوا ينظرون إلى من يبرز فيها نظرة الكمال فى اتزان الجسم وتناسق الحركات وقوة الأبدان.
ومن الحركات التى تبوأت مكانة عظيمة الحركات الاستعراضية، وفيها لا تستعمل اية أداه، والغرض منها إظهار كمال الأجسام واتزان الحركات وخفتها وتمارس فيها الأوضاع المختلفة للذراعين وكان المصريون القدماء يعنون بأساليب الرياضة التى تقوى الجسم وتجعله صالحاَ للعمل وكانوا زوى أجسام لم تعرف المرض كثيراَ فالصور العديدة على جدران القبور وخاصة فى بنى حسن وسقارة تدل على شغف هؤلاء القوم بالألعاب الرياضية.
وكانت الفتيات يقمن بالألعاب البهلوانية فى حركات تعبيرية تثير الإعجاب، وهناك صورة فريدة من الأسرة التاسعة عشرة لإحدى الفتيات وهى شبه عارية لايستر من جسدها الا عورتها وهى تنحنى على ظهرها انحناءة رائعة مثل حركة Porte de pars فى الباليه الكلاسيك بينما رأسها وشعرها المسترسل يلامسان الأرض.
وقد ظهرت الألعاب البهلوانية لأول مرة فى عيد الأله "Min" إله الحصاد ونشاهدها مصورة فى معابد "أدفو" و"الأقصر" و "الكرنك" و"دندرة" فكانوا ينصبون فى الأقصر جذع شجرة فى وضع عمودى بعد ان يثبت جيداَ فى الأرض ثم يسندون عليه أربع ساريات من الخشب توضع جميعها مائلة حوله وتثبت فى الأرض أيضاَ حتى تكون قوية متماسكة ثم يأتى الرجال فيتسابقون فى تسلق هذه الساريات فمن فاز بالأولوية أعطى جائزة من أدارة المعبد وفى هذا يقول هيرودت " فى كتابه الثانى عن مصر91 " أنه فى مثل هذه الحفلات كانت الماشية والملابس والجلود تقدم كجوائز".
وكانت ألعاب الرجال والنساء شبيهة بألعاب المهرجين فى الملاعب الحديثة "السيرك"، وحملت المنافسة والرغبة فى التفوق على الآخرين، بعض الراقصين على زيادة رشاقة الحركات وتهذيبها، فى حين عمد البعض الآخر إلى أختيار حركات أكثر صعوبة وأشد إجهاداَ، لايقدر كل فرد على ممارستها لأنها تتطلب مرونه جسمانية كبيرة وتحتاج إلى تدريب طويل شاق، ومثل تلك الرقصات الرياضية او "الاكروباتية" قد مثلها المصريون القدماء.
وقد وصف شاب من سيراكيوز زار منف فى نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، الرقصات الأكروباتية فى مصر القديمة فقد دعاه احد أثرياء المصريين إلى وليمة فوصف الرقصات- التى حاول المضيف بها تسلية ضيوفه- فى خطاب نقتبس منه فيما يخص موضوعنا
" وقد أختلفوا فجأة ليحل محلهم مجموعة من الراقصين أخذوا يقفزون فى جميع الإتجاهات ثم يتجمعون مع بعضهم ثانية، يتسلق أحدهم الآخر برشاقة منقطعة النظير، ويصعد أخرون فوق أكتاف ورؤوس زملائهم، ويكونون أهرامات، ويبلغون سقف الصالة، ثم يهبطون فجأة الواحد بعد الآخر ليقوموا بوثبات جديدة وقفزات خطرة بارعة، وهم دائماَ فى حركة دائبة، يرقصون احياناَ على أيديهم ويتجمعون أحياناَ أخرى فى مجموعات زوجية وقد يهبط احدهم برأسه إلى أسفل فيما بين ساقى زميله، ثم يرفعون انفسهم بالتبادل حتى يعودوا إلى أوضاعهم الأصلية، وكل فرد منهم يحمله زميله وعند سقوطه يرفع هو بدوره زميله إلى اعلى".
وكان ثمة مدرسون للرياضة البدنية وحدها، كما كان هناك مدرسون للموسيقى وحدها، كما كان هناك مدرسون للتعليم وآخرون للتدريب، وكان يطلق لفظ تربية بدنيه على كل صنوف الرقص التى لا تهدف إلا لإكساب الجسم قوة، اما الرقص الذى لم يشتمل إلا على حركات أو خطوات، فقد كانت تصحبه الموسيقى على الدوام وهو ما كان أفلاطون يطلق عليه أسم "الجوقة" وكانت صنوف الرقص الأولى تعلم لأولئك الذين انخرطوا فى سلك الجندية او احترفوا الحرب، أما النوع الاخير من الرقص فكان يدخل فى تعليم الجميع".
ففى منظر لعيد المعبودة حتحور، أقيم بمناسبة موسم الحصاد صور مصوره فتى وفتاة يتخذان وضعاَ فى غاية البراعة يرتكز فيه كل منهما بأسفل بطنه وكفيه على الأرض، ويرفع ساقيه إلى أعلى فوق ظهره، حتى تكادان تبلغان مؤخرة رأسه وذلك مالا يتأتى على الأرجح عن غير مقدرة رياضية خالصة وتعليم وتدريب ومران سواء أكان القائمون به هواة أم محترفين رياضيين أم راقصين.
المصدر/كتاب تاريخ الموسيقى و الغناء و الرقص بقلم/ا.د شربف بهادر المعهد العالى للباليه اكاديمية الفنون
ساحة النقاش