إذا ما جنبنا فرقتي "مسرح الطفل" و"مسرح العرائس" المحددتي الهوية والنشاط والتوجه لجمهور معين, تتبقى لدينا من البيت المسرحي فرق "الشباب" و"الغد" و"ملك" ثم "الهناجر" الذي يمارس نشاطه خارج سرب البيت الفني, والفرق الأربعة ملتبسة الهوية والنشاط والتوجه.,,


  تصنيف فرق القومي والحديث والطليعة والكوميدي, الذي أشرنا إليه في عدد أمس, على أساس طبيعة النصوص المقدمة كلاسيكية أم حديثة, جادة أم كوميدية, وليس على أساس التعامل بفكرة المجايلة أو عنصر السن فيها.


واذا كنا انهينا حديث الأمس الراصد للواقع القائم وفرقه الأساسية عند فرقة مسرح "الشباب", فإننا نستكمل اليوم حديثنا من نفس هذه الفرقة, فإن وجود فرقة خاصة بـ"الشباب" تعنى بمنطق المخالفة عدم إشراك الشباب في إنتاج الفرق الأربع الأولى, وهو أمر غير صحيح بالمرة , فالشباب هو صاحب الحق الأول في انتاج كل هذه الفرق, ومصادرة حقه في الابداع بحجة وجود فرقة خاصة به أمر لا منطق له. كما أن توجه هذه الفرق الأربع نحو الجمهور لا يفرق بين شاب وكهل, ولا يقف أحد على أبوابها يرفض دخول الشباب لأن لهم فرقتهم, أضف إلى هذا الأمر العروض التي تقدمها هذه الفرق, فهل هي أكبر من سن الشباب نبعدهم عنها, ونقول لهم أذهبوا للفرقة التي تخصكم, مثلما نقول للأطفال أذهبوا لفرقتكم الخاصة؟.


  يعني هذا أن وجود فرقة تحمل أسم الشباب هو بدعة لابد من أعادة النظر فيها, فلا مصادرة لحق أحد في الابداع, بحجة وجود فرق شبابية وأخرى ليست كذلك, والأمر ذاته بالنسبة لفرقة "الغد" التي أنشئت بداية داخل قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية, ثم انسلخت لتضم للبيت الفني للمسرح, فاحتار الأمر فيها, فأحيانا ترفع شعار فرقة الغد للعروض التجريبية, متداخلة مع فرقة مسرح الطليعة التجريبية بضرورة أنشائها وطبيعة نشاطها, وأحيانا أخرى تحمل شعار فرقة الغد للعروض التراثية, مصادرة على حق بقية الفرق في تقديم فنوننا التراثية, والمتابع لعروضها حاليا والممثلة نماذج لها في هذا المهرجان لا يجد ملمحا خاصا بها يفرقها عن بقية الفرق الاخرى.


  تتبقى لدينا "فرقة الملك" المؤسسة حديثا, حاملة اسم المطربة ملك, وذلك دونا عن بقية الفرق التي تحمل أسماء هوياتها المسرحية, بينما دور العرض التي تقدم عليها هي التي تحمل أسماء فنانين, مثل قاعتي عرض "زكي طليمات" و "صلاح عبد الصبور" اللتين تقدم عليهما عروض "فرقة الطليعة", ومسرح "عبد المنعم مدبولي" لفرقة مسرح الطفل, وحتى الآن ليس واضحا ماهية هذه الفرقة الجديدة, هل هي فرقة تضم أعضاء وتقدم عروضا, أم هي مختبر فني يقيم ورشا لتدريب عشاق المسرح في مجالاته المختلفة لينتقلوا من مرحلة الهواية لمرحلة الاحتراف المؤسس على معرفة علمية بفنون المسرح؟.


  أما مسرح الهناجر, والذي لا يتبع البيت الفني, فقد صار اليوم أشبه بدار مناسبات يمنح لنحو نصف العام لعروض الفرق الحرة والمستقلة والهواة, وينتج في النصف الثاني عروضا شبابية تتداخل مع عروض فرقتي "الشباب" و"الطليعة" ويجذب فرقا جامعية يدعم عروضا لها بإمكانيات ومال يحولها لعروض احترافية, وهو ما يتطلب إعادة النظر فيه ليتحول لمركز ثقافي كامل, لا يتوقف فيه النشاط على العروض المسرحية, بل إن يكون فضاء للحوار حول المسرح والموسيقى والشعر والرواية والفنون التراثية, ربما أشبه بساقية الصاوي, وعودة لما أسسته  د.هدى وصفي في مرحلة ازدهاره الأولى, وأن تكون للفرق المستقلة والحرة النصيب الأكبر في فاعلياته.


  هذا مع التنبيه إلى ضرورة العمل على التنسيق بين هذه الكيانات المسرحية غير الحكومية من حرة ومستقلة وهواة وجامعيين وأكاديميين وعمال وغيرهم, بحيث لا يتم الصراع بينها, كما هو قائم حاليا, على فرقة ما بعرض مسرحي ناجح, يحاول كل كيان من هذه الكيانات تأكيد انتسابه إليه, فنجد في المهرجان حاليا عرضا جامعيا يدخل التسابق باسم فرقة حكومية, ونجد عرضا آخر يتصارع كيانات عليه, ويسافر قبلا عرض ثالثا لتمثيل مصر في الخارج عدة مرات, كل مرة باسم كيان ما من هذه الكيانات المعلن عنها.


  المسرح بالناس وللناس, والتقسيم لكيانات حكومية وغير حكومية ليس إلا تقسيما يرتبط بالوظيفة والصرف المباشر من ميزانية الدولة عليها من عدمه, والتصنيف النوعي للفرق مهم حتى يمكن اختيار المدراء المناسبين لكل فرقة, وحتى يمكن تحديد نوعية العروض المقدمة, وحتى يمكن أخيرا أن يحدد الجمهور توجهه نحو المسرح الذي يلبي احتياجاته ويلائم ذائقته, غير أن الأمر في النهاية: ننتج فنا راقيا ومستنيرا أم لا ننتج؟ تلك هي المسألة.

 

بقلم/ د. حسن عطية

المصدر/ نشرة المهرجان القومي للمسرح

العدد/ 15 بتاريخ 24-8-2014

 

 

 

 

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,252,054