جرت العادة على أن يطلق بعض الفنانين التصريحات المنقولة بالحرف بعضهم عن بعض. وواحد من التعابير التي دائما ما يستخدمها هؤلاء هو أنه لا يزال يخاف «الجمهور» وهو إذا ما كان ممثلا مسرحيا عنى به جمهور المسرح وإذا ما كان ممثلا في السينما قصد به الجمهور القابع خلف الكاميرا.

في الواقع، ومع أن هذا «الخوف» بات عملة قديمة اعتاد عليه «الجمهور»، فإن البعد يكمن في العلاقة التي على الممثل الاعتياد عليها في مطلع حياته الفنية سواء في المسرح أو في السينما. لاحقا، عندما يصبح الظهور على المسرح أمرا متكررا فالغالب أنه لن يفكر بالطريقة ذاتها إلا إذا كان الجمهور شكل عقدة دائمة عنده.

الممثل المسرحي عليه أن يلغي الجمهور ويحترم وجوده في الوقت ذاته. ومن يقول إن هذا أمر هين على خطأ. الحرفة التي تحتم على الممثل الوقوف على خشبة المسرح وإلقاء دوره أمام جمهور عريض يعرف تماما أنه يتابعه حوارا وحركة، صوتا وصورة، هي ذاتها التي تجعله، أو عليها أن تجعله، يدرك قيمة هذا الجمهور بالنسبة إليه. للأسف الكثير من مسرحيينا يستهين بهذه القيمة معتبرا أن الوصول إلى قلب الجمهور هو الغاية بحد ذاتها، وهذا الوصول يطلب منه أن يتودد إليه أو أن يتنازل عن مستوى خالص من التعبير إلى مستوى آخر أقل قيمة فنية على الأقل.

الممثل المحترف يضع حاجزا وهميا بينه وبين جمهوره. لا يعترف ذلك الممثل بوجود الجمهور في الصالة المسرحية، لكنه وبطريق غير مباشر – فقط – لا يزال يتوجه إليه.

هذا الممثل أنجح حين ينتقل إلى السينما في التعامل مع الكاميرا على النحو ذاته. هي هناك وهي ليست هناك. الكاميرا موجودة وملغاة في نفس الوقت.

ومع أنه ليس كل ممثل مسرحي هو ممثل سينمائي أفضل من ذلك الذي لا خبرة مسرحية له، إلا أنه أكثر تجربة مع هذه الناحية من مهنته بالتأكيد. وهذا ينضوي على حقيقة أن الخبرة المسرحية ليست شرطا لإجادة التمثيل للسينما، لكنها بالتأكيد تجربة إضافية يستطيع الممثل أن يستلهم منها.

ثم هناك أمر آخر يخص هذا الموضوع وهو تلقائية الممثل السينمائي (وإن لم يختبر العمل المسرحي طويلا) في صياغة شخصية لا تتوجه إلى الكاميرا أيضا. ذلك لأن هناك شريحتين في الممثل ذاته قد يعيهما أو قد لا يعرف بوجودهما المتلاصق أساسا. الأولى هي نفسه، أي الشخص الذي هو عليه. الكائن الذي يعيش جسدا ووعيا وثقافيا على هذه الأرض ويحترف مهنة التمثيل لأي دافع أو سبب.

الثانية هي الشخصية التي يؤديها والتي تنتمي إلى كائن آخر. قيمة الممثل وموهبته الخالصة تنطلق من هذه الحقيقة. ففي حين يقدم الممثل التقليدي، في مصر أو هوليوود أو بوليوود، على منح الشخصية التي يؤديها حضوره وطريقته في التعبير معترفا بالكاميرا ومتوجها إليها وبالتالي إلى الجمهور وراءها، ينجح الممثل التلقائي في دخول الشخصية وعدم الخروج منها.

تجد ذلك في الأفلام الأوروبية حيث يذوب الممثل في شخصيته وشخصيته تذوب في الفيلم. تسجله الكاميرا مرّتين، مرّة كممثل ومرّة أخرى، وفي الوقت ذاته، كشخصية. والشخصية دفينة. هي التي لا ترى الكاميرا ولا الجمهور الذي وراءها. هي من لا تقبض أجرا ماديا على ما يقوم به الممثل ولا تقرأ النقد ولا حتى تفرح أو تحزن إلا إذا ما نص الدور على ذلك.

بقلم : محمد رضا

المصدر : موقع الفرجة للفنون العربية

 

  • Currently 9/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
2 تصويتات / 1514 مشاهدة

ساحة النقاش

benmmaamar

شكرا لك على هذا المقال يا أستاذ ، هل بإمكانك أن تساعدني في الحصول على الكتاب بنسخة pdf

benmmaamar فى 9 أكتوبر 2017 شارك بالرد 0 ردود
Moustafa-mohay

شكرآ جدآ ليك يا استاذ #محمد_رضا ع المقال الجميل ده بجد فادني كتير ،، ونرجو من سيادتك المذيد :)

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,266,689