كنت اتوقع ان يأتي المسرح فيما بعد الثورة بطعم مختلف ، طعم الحرية والديمقراطية البناءة والمعبرة عن جوهر الانسان الحقيقي ، ويعكس عبر خشباته بعضا من تلك التحولات الجوهرية التي حدثت للشخصية المصرية وعلاقاتها بكل ما حولها وذلك فى كل القطاعات المسرحية سواء كان " مسرح الدولة والقطاع الخاص والتجاري والهواة والمستقل ، العمالي ، الجامعي ومسرح الثقافة الجماهيرية والتليفزيوني وحتى المسرح المدرسي !!!

ويأتي السؤال هل ثمة تغيير في لب العملية المسرحية بعد الثورة عما قبلها ؟ وهل ظهر ذلك التغيير بشكل واضح بحيث يمكننا ان نطلق عليه اتجاها ؟ ام ان التغيير كان مجرد تغيير ظاهري ؟ ام ان شيئا لم يتغير قط؟

عانى المسرح المصري فيما قبل الثورة كثيرا من الضعف والترهل وهناك دراسات ومقالات كثيرة اظهرت هذا التفتت وغياب الاستراتيجيات خاصة فيما يخص مسرح الدولة الرسمي ...سواء على المستوى الفني او الإداري فعلى المستوى الإداري نجد ان معظم المسارح كانت تعتمد المديرين لها بالتعيين اما بعد الثورة فقد صار اعتماد المديرين بالانتخاب...وبعيدا عن فاعلية ذلك التغير من عدمه فهذه واحدة من اهم الفوائد التي طرأت على المسارح وهى اختيار الاصلح من بين العاملين المرشحين فى المكان ممن يعرفون طبيعته وخباياه ولكن يبدو ان هذه الميزة ستعود ادراجها بعد عودة امر تعيين المديرين لوزير الثقافة !

اما على المستوى الفني فقد كانت العروض تعتمد في معظمها اما على النصوص المترجمة او على ما نسميه بالكاتب النجم الاوحد والذى تقدم له عدة نصوص كل موسم ...وربما على عدة مسارح وكذلك الاعتماد على البطل النجم ...والمخرج النجم والتحفظ على تقديم اعمال الشباب فيما عدا " مسرح الهناجر " الذى تكتظ جنباته قبل وبعد الثورة بالفنانين الشباب.

وهو ما يتسبب في بعد معظم العروض عن الجمهور المستهدف والذى حين كانت تتم مغازلته فتجده متلبسا بمشاهدة احد العروض فتكتشف ان ذلك لأسباب منها : اما لأنه عرض كوميدي او يقوم ببطولته نجوم كبار وقليلا ما تجد عرضا جادا شبابيا يستطيع الاحتفاظ بنسب عالية من المشاهد طيلة فترات العرض الرسمية والتى تقدر بثلاثين ليلة بالتمام والكمال .

اما المسرح في الاقاليم فيما قبل الثورة فترى اغلب العروض المقدمة ضعيفة لا ترقى للمشاهدة بسبب 1- ركاكة بعض النصوص 2- الاعداد عن نصوص قائمة بطرق غير فنية مما يسطحها 3- ضعف الدعم المادي 4- عدم الاهتمام بتربية الشباب في الاقاليم تربية مسرحية وعدم الاهتمام بإقامة ورشات تدريبية 5- تقديم بعض الفرق لعروض غير مفهومة كما يحدث احيانا في بعض عروض البيت الفني اتكاء على مفاهيم غريبة استقوها من كثرة ارتيادهم لمهرجان المسرح التجريبي على مدى دوراته المختلفة والتي كرست لمن لم يستوعبوا الهدف منه ان " أي حاجة " يمكن ان يكون مسرحا مما اوقعهم في مأزق الشكلانية وغياب المضامين الجادة والرضوض لتقليد ما كانوا يشاهدونه من عروض اجنبية فيما يقدمونه من اعمال !!

والاهم من ذلك ان بعض مسؤولي المسارح في الاقاليم كثيرا ما كانوا يقومون بتغيير النشاط المسرحي لفعاليات مختلفة " ندوة ، حفلة منوعات ، غناء ، ....الخ " مبتعدين كل البعد  عن دوشة المسرح والمسرحيين بحجة ان الجمهور لا يحب المسرح وهذا ما كان يصنع الهوة التي باتت تتسع يوما بعد يوم بين الجمهور والمسرح هذا ما كان من بعض سمات فيما قبل الثورة ، اما بعد الثورة فقد شاهدت العديد من الاعمال المسرحية التي اعلنت اننها تعبر الثورة ، ومع عدم إنكاري ان بعضها اراد ان يقول شيئا لكنه للأسف لم تحدث تغييرات محسوسة لا فيها على مستويات الكتابة والاداء ولا حتى على الجمهور ومستويات التلقي!

فكل ما كان يحدث قبل الثورة صار يحدث بعدها ولكن بتغييرات طفيفة ربما لا تمثل أي اهمية فعلية فعلى سبيل المثال : صار مديرو المسارح يعينون بالانتخاب بدلا من فرضهم كما بدأ الشباب يقتنصون بعض الفرص كمؤلفين ومخرجين وممثلين واداريين ، وجاءت موضوعات العروض وافكارها في السنة الاولى بعد الثورة كلها متشابهة وربما متطابقة في افكارها حيث كانت تقريبا لقطات طبق الاصل " نقل مسطرة " مما كان يحدث على خشبة المسرح الكبرى " ميدان التحرير " حتى ان الكثير من النقاد والكتاب كانوا ينظرون الى تلك الاعمال فيما بعد على سبيل التوثيق وتسميته بالمسرح التسجيلي او التوثيقي او " مسرح الشهادة الحية " لا اكثر .

اما السمات الفنية التي من الممكن ان تكون قد طرأت على حالة المسرح بعد الثورة فلا عجب ان قلنا : لا يوجد شيء جديد باستثناء اقتناص صانعو المسرح لبعض الحرية ليس في طرح القضايا التي كان من الممنوع الاقتراب منها ..كالقضايا السياسية بل في التعبير بالمفردات التي كان ممنوعا الاقتراب منها ، كما اتيحت الفرصة لاستعادة  عرض بعض الاعمال التي كانت ممنوعة مثل " الخديوي " و " قوم يا مصري " اما الاعمال التي قدمت فيما بعد فقد استغلت هامش الديمقراطية الذين استشعروا وجوده الا ان ذلك كان بشكل مؤقت.

اذا كان لابد من مرور مسافة زمنية بين المبدع والحدث ايا كان ليستطيع التعبير عنه دون الوقوع في اسره سلبا او ايجابا فلا تكون افتعاليه او سطحية او حتى انتهازية !  كما كان لابد ان تتجلى الثورة بداخلنا نحن صناع ابى الفنون فنختار ونميز وننقد ونقدم للجماهير ما يثورهم وينورهم ....حينها ننتظر مسرحا يحمل هموما كونية انسانية ليتفاعل مع ارواحنا باهتمامه بالقضايا الكبرى سواء كانت اقتصادية او سياسية او اجتماعية وفى ذات الوقت يهتم بالصورة البصرية وبالممثلين من ذوى الحضور ليكون مسرحا جاذبا للجمهور معبرا عنه .... لا طاردا له محتفيا بالمقاعد الخالية.

 

                          بقلم / صفاء البيلى                   المصدر / نشرة المهرجان القومى للمسرح            العدد 8 بتاريخ 17/8/2014

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,266,369