لا أحب مشاهدة أى عرض مسرحي في وجود نهاد صليحة .. ذلك ليس رفضاً لها معاذ بالله، ولكنى ضبطت نفسى متلبساً دائماً بترك العرض ومشاهدتها هي، و (الفرحة) عليها وفى حالة انجذاب ووجد ما يقدم على خشبة المسرح أراقب أدق تفاصيل حضورها، جلستها، تركيزها، ضحكتها، حركة يديها، تضييق حدقة عينيها انفعالا بمشهد يقدم، طفولتها وفرحتها وقدرتها على الاندهاش واستقبال الجديد، لذا تمثل لى – متعها الله بالصحة – حالة مشاهدة دائمة، حتى وأنا أدرس على يديها فن المسرح بمعهد النقد الفني.

لا تقوم نهاد صليحة بتدريس الدراما لطلبتها في قاعات الدرس، بل تعلمهم حرية التفكير، والجرأة فى طرح ما يعتقدون، والتعبير عن أفكارهم حتى ولو كانت عكس السائد والمستقر، تعلمهم التفاعل مع محيطهم، والاقتناع بأن هناك دائماً جزءاً لا نعرفه، وكتاب لم نقرأه، وتجربة لم نخضها، وصوت لم نسمعه، وهناك دائماً جديد واعد يستحق المساندة والدعم، لذا تحولت نهاد صليحة من أستاذة أكاديمية وناقدة مسرحية إلى (أسلوب حياة)، إلى (حالة) تحاكى ولكنها تظل (المتفردة).

هذه الحالة ليست ناتجة عن استرخاء وتلق سلبة وركون فى قاعات الدراسة طالبة أو أستاذة، ولكنها حالة تشكلت من اشتباك دائم وتفاعل مع النشاط الثقافي وتجلياته الفنية، ومعايشة كاملة للقضايا العامة، وصدق المواقف منها. وانحياز لقضايا الحريات والابداع والانسان.

ولدت نهاد صليحة فى حى شبرا عام 1945، وللمكان والزمان بصماته، ولشبرا بتنوعها خصوصيتها وتلقت تعليمها فى مدارس حيها، وكانت تحلم بالعمل مراسلة صحفية لتجوب العالم، وتستوعبه كاملا بعينيها.

التحقت نهاد صليحة بعد إتمامها لدراستها في المرحلة الثانوية بكلية الآداب جامعة القاهرة، بقسم اللغة الإنجليزية، ومارست هواية التمثيل المسرحي التي بدأتها منذ سنوات دراستها الأولى، وتولد لديها حلم جديد وهو العمل كممثلة، فى هذا الأثناء التقت برفيق عمرها فيما بعد الأستاذ الدكتور محمد عنانى الذى كان مازال معيداً فى الكلية، وتمت خطبتها عام 1965.

وسافر عنانى بعدها فى منحة دراسية إلى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراة، ولحقت به نهاد صليحة زوجة له، وتنحى حلم الممثلة جانباً.

وفى انجلترا تقدمت نهاد صليحة للحصول على درجة الماجستير من جامعة (ساسكس) وكان هذا بجانب عملها فى السفارة السودانية. وقدمت أطروحتها بعد سنة دراسية عن الروائى الإنجليزي (جوزيف كونراد)، كان عنوانها: "مشكلة الوفاء فى حياة كونراد".

وعادت نهاد صليحة – اختياراً – إلى القاهرة عام 1973، ثم سافرت بعدها للعمل فى جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية لمدة عام ونصف، وعند عودتها لمصر تم تعيينها مدرساً مساعداً بأكاديمية الفنون عام 1977، وعاودت السفر إلى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراة، وكان موضوع إطروحتها "مسرح لورد بايرون. قراءة حداثية" ، وبعد عودتها من إنجلترا، وبجانب التدريس فى أكاديمية الفنون، بدأت تكتب بانتظام فى عدد من المطبوعات مثل : الإذاعة والتليفزيون وروز اليوسف، ومجلة المسرح عند إعادة إصدارها فى الثمانينيات من القرن الماضى.  

وكانت فلسفتها فى الكتابة هى الاهتمام بالشريحة التى ستتوجه لها بخطابها النقدى، ففى مجلة المسرح المجال متسع للكتابة للمتخصصين والدارسين والباحثين، وفى مجلة الإذاعة والتليفزيون للمهتمين والمتذوقين والمتابعين للفنون، وفى مجلة روز اليوسف كان مقالها قصيراً ومكثفاً وجماهيرياً. وهو وعى منها بالقارئ واحتياجاته المعرفية، وكيفية الوصول إليه، والتواصل معه دون تعال أو تقعير.

وكانت كتابات نهاد صليحة دائماً عميقة بلا تغريب، مباشرة في الوصول بخطابها، منحازة لكل تجربة جادة واعدة، فغطت بكتاباتها النقدية الخريطة المسرحية المصرية، فمن عروض البيت الفني للمسرح إلى عروض الثقافة الجماهيرية إلى عروض المسرح الجامعي، على عروض مهرجانات مسرح الجمعيات الثقافية الهواة، إلى عروض المراكز الثقافية، إلى عروض فرق المسرح المستقل. وتنقلت وراء العروض الجادة أينما كانت مثل مريد يتبع شيخة، رأيتها تركب سيارة (ميكروباص) مع مجموعة من النقاد منهم د. مدحت الجيار ود. محمد زعيمة والمخرج المسرحى عبد الستار الخضرى لمشاهدة عرض مسرحى فى مهرجان نوادى المسرح الذى أقيم بالفيوم، شاهدتها فيما بعد تجلس على السلم الحجرى فى الحوض المرصود متابعة لعرض مسرحى، هى حالة أسرة دائماً.

بدأت نهاد صليحة منذ عام 1989 الكتابة النقدية فى جريدة (الأهرام ويكلى) الصادرة باللغة الإنجليزية، فكانت تتوجه بكتاباتها وخطابها لقارئ آخر وشريحة أخرى جديدة ومتنوعة، تساعده وتساعدها فى الاطلاع على ثقافتنا ومنتجنا الفنى، أنجزت، نهاد صليحة الكثير من الدراسات النقدية والمقالات المتخصصة، وكان نصيبها النشر تباعاً، فمما نشر لها:

-       المدارس المسرحية المعاصرة، المسرح بين الفن والفكر، أمسيات مسرحية، أضواء على المسرح الإنجليزي الحرية والمسرح نافذة على الدراما والمسرح، التيارات المسرحية المعاصرة، عن التجريب سألونى، المسرح بين النص والعرض، شكسبيريات المسرح بين الفن والحياة، ومضات مسرحية، المسرح عبر الحدود.

وأسهمت فى التعريف بالتراث النقدى الغربى. ومن ترجماتها المهمة:

-       التفسير والتفكيك والايديولوجيا ودراسات أخرى، الألف كتاب الثانى، الهيئة العامة للكتاب، 2000.

-       ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، تأليف نك كاى، نظرية العرض المسرحي، تأليف نك كاى، نظرية العرض المسرحى، تأليف جوليان هيلتون، مسرح الثورة السوداء: ثلاث مسرحيات لأميرى بركة، مسرحيتان من المسرح الإنجليزى المعاصر لغة الجبل لهارولد بنتر وسالونيكا للويز بيج، كوميديتان من عصر شكسبير، حدوتة من حواديت العجائز لجورج بيل، وفارس يد الهاون لفرانسيس بومونت.

لذا ستظل نهاد صليحة هى الأستاذ، والصوت الداعم لكل جديد ومتميز، والنغمة العذبة فى حقل النقد المسرحى.

هل عرفتم الآن لماذا لا أحب مشاهدة أى عرض مسرحى معها؟

 

المصدر/ نشرة المهرجان القومى للمسرحالعدد 6 – بتاريخ 15/8/2014بقلم د/ محمد أمين عبد الصمد 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,203,870