هذه محاولة لتقديم مقاربة أوليه لموضوع الاستعارة المسرحية، ليس فقط لتواتر الحديث عنها فى السنوات الأخيرة، وإنما أيضاً – وبالأساس – لأن الوعى الفلسفى المعاصر، يسعى بدأب – منذ نيتشه – إلى تفكيك الاستعارة عامة؛ بما هى آلية اشتغال الميتافيزيقا ذاتها ...

وليس (تاريخ المسرح) سوى تاريخ القلاع الاستعارية المتوالية التى تم تشييدها على أنقاض بعضها البعض، لتلائم سكنى (الحقيقة)؛ بما هى مناط الميتافيزيقا، والداعى لوجودها، لذا فمشروع تقويض ميتافيزيقا المسرح، ليس له أن يتم دون محاولة فهم الاستراتيجيات التى لجأ إليها المسرح الاستعارى، عبر تاريخه الطويل، وبتعبير آخر، لن يتسنى لنا مغادرة (المسرح الاستعارى) – بما هو الاسم الآخر للمسرح الميتافيزيقى  - دون الإمساك بالآليات التى كان ولا يزال يعمل بها هذا النوع من المسرح؛ ذلك أن الميتافيزيقا – فى نهاية الأمر- ليست سوى مجموعة من الآليات...

وعلى الرغم من الأهمية العامة، والفائقة أيضاً، لموضوعة الاستعارة، إلا أن الأمر لا يتعلق فقط بالاستجابة للوعى الفلسفى المعاصر، بقدر تعلقه بضرورة تفكيك المفاهيم المسرحية القديمة والسائدة، تلك التى تمخضت عن العديد والعديد من الإشكاليات، التى عجز النقد القديم والسائد عن فهمها – فضلاً عن حلها – مما أدى إلى تشويه الوعى المسرحى نفسه، وكما سنرى، فالوعى – الذى نمارسه كل يوم، منذ عشرات السنين، (لاسيما ذلك المتعلق بنظريتى الإخراج والتمثيل: عند ستانسلافسى وبرخت – بتمحورهما حول الإيهام وكسر الإيهام)، ليس هو (المسرح) بقدر ما هو سرابه!... إنه السراب الذى نمارسه دونما إدرك لضلالات التى يتأسس عليها، مما أدى- كما سنرى – لتحول المسرح (منذ أرسطو) إلى أداة للقهر؛ قهر الآخر – دون أن يهنى هذا أن المسرح – طوال تاريخه – كان ساحة لعرض الذات، لا لقد أدى قهر الآخر إلى قهر الأنا نفسها، نعم لقد صار المسرح ساحة لسلطة المعنى، القاهرة للجميع، بما فيهم هؤلاء الذين يعكفون على صنعه .. وهذه الدراسة، بقدر ما ترنو إلى تعرية الأسس القديمة، وهدم الأبنية الشائهة المقامة فوقها، فإنما تدعو – وبقوة – إلى إحداث (قطعية معرفية وجمالية)، مع الانساق المسرحية القديمة والسائدة..

المسرح – (القديم والحديث)

إشكاليات التأسيس البلاغى والفلسفى:

(1)

جرت العادة فى (المسرح الاستعارى) على تقسيم المخرجين إلى ثلاثة أنواع (المترجم والمفسر والمعارض).. هذا التقسيم الثلاثى يتأسس على تصور فلسفى محدد، يعثر على ترجمته فى (علم البلاغة القديم) والنقد الادبى والمسرحى، التابع له.. المبدأ القائل بأن (لكل مقام مقال)، هو المبدأ الذى يرتكز عليه علم البلاغة القديم، يقول (بشر بن المعتمر): ... فمن أراد معنى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ويضيف :... "والمعنى ليس يشرف بظان يكون من معانى الخاصة. وليس يتضع بأن يكون من معانى العامة إنما مدار الشرف على الصواب مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من مقال فإن أمكنك أن تفهم العامة معانى الخاصة وتكسوها الألفاظ الواسطة التى لا تلطف عن الدهماء ولا تجفو عن الاكفاء فأنت البليغ التام.."

أى وجوب موازنة (المتكلم) بين الألفاظ والمعانى والمستمعين والحالات "فيجعلمن كل طبقة من ذلك كلاماً ولكل حالة من ذلك مقاماً حتى يقيم أقدار الكلام على أقدار المعانى.." ويتضح تماماً مما سبق أسبقية المعنى على اللفظ، أو كما قالوا: "الألفاظ تابعة للمعانى" وإن كان هناك من يقول بالعكس لكن أيا منهم لم يستطع إنتاج نظرية بلاغية متكاملة، قادرة على منازعة النظرية السائدة، لذا لم يتمتعوا بتأثير يذكر..

هكذا فـ (المعنى) – لدى القائلين بتبعية الألفاظ للمعانى – مفصول عن اللفظ، إذ يعرفه العربى والعجمى والقروى والبدوى..."، على حد قول (أبى هلال العسكرى)، وغيره من البلاغيين القدامى  _ أى أنه يتمتع بالجاهزية والاكتمال والمطلقية: كشىء فى ذاته، مصمت ومغلق ومعزول، بما يعنى أنه سابق فى الوجود على المتكلم نفسه، كما يعنى أيضاً أن السياق مجرد مناسبة لاستحضاره..

وبقدر ما يتضح – هنا – مدى تأثرهم بـ (الميتافيزيقا الأرسطية)، التى انتهت الى أن المعانى تتكون داخل النفس أولا ثم تتجسد بعد ذلك فى ألفاظ أو أصوات .. إلا أن غرقهم فى الميتافيزيقا جعلهم ينتهون إلى أن "المعانى لا نهاية لها، والألفاظ متناهية، وما يكون بغير نهاية، لا يكون تابعاً لما له نهاية" .. اعنى أنهم هنا إنما يقيسون لا نهائية المعانى ونهائية الألفاظ، بلا نهائية الله ونهائية الإنسان، ولأن الله ليس تابعا للانسان، فالمعانى ليست تابعة للالفاظ..

واجمالا يمكن القول إن المبدأ القائل بأن: (لكل مقام مقال) إنما يتمحور حول: إدماج منتج القول أو (المتكلم) فى (المقال) وكذلك إدماج (المتلقى) فى (المقام) – (الذى هو مقتضى الحال او الموقف المرجعى او السياق التواصلى ... إلخ)، أعنى ان البلاغيين يولون اهتمامهم بالمقال والمقام فقط! اما (المتكلم والمتلقى) – او (الانا والاخر) – فمجرد (وظيفتان)، لاظهار المعنى، عبر المقال، فى المقام المناسب، هكذا...

الإشكالية هنا، لا تكمن فقط فى (الموازنة التى يجريها المتكلم) بين (الالفاظ والمعانى والمستمعين والحالات)، أى بين (الصياغة: معنى لا نهائى/ لفظ نهائى) و(المقام: مستمع/ سياق – نهائيين ايضاً)، وإنما – وبالأساس – فى محو الفرق بين (المتلقى الداخلى) للمقال الذى هو جزء لا يتجزء من السياق، بقدر ما هو متلق للمقال، وبين (المتلقى الخارجى) المطلع على النص من الخارج – فى مكان وزمان آخرين – ولا يمت للسياق التواصلى الذى أنتج فيه المقال بصله مما يعنى أن على المتلقى الخارجى للمقال أن يكون داخليا فقط بتمثل المقال والاندراج فى المقام ..

مما سبق يبدو واضحا أن (علم البلاغة القديم والنقد التابع له) إنما يرتكزان بالاساس على (المحكى الشفاهى) الذى ينبنى على مثول (الذات – المتكلمة) أمام (الآخر – المستمع) وهو ما يعرف بـ(ميتافيزيقا الحضور) – فالمتكلم يقيم عبر (صوته) تحديدا – علاقة مباشرة بينه كذات وبين الوجود برمته، فلحظة النطق بالكلمات، أو لحظة الكلام هى اللحظة التى يكون فيها الدال والمدلول او الصوت والمعنى غير منفصلين والتى يبدو فيها الداخل والخارج أو المادى واللامادى متحدين، هذه اللحظة هى النقطة المرجعية التى يمكن إرجاع كل هذه التمييزات التى هى جوهرية لميتافيزيقانا لها. وأى إخلال بمكانة الكلام المتميزة يهدر هذه البنية الميتافيزيقية برمتها، ويضيف (جوناثان كلر) – فى شرحه لنظرية (دريدا) – قائلاً : والسبب الذى يجعل لحظة الكلام قادرة على لعب هذا الدور هو أنها النقطة الوحيدة فيما يبدو التى يكون فيها الشكل والمعنى حاضرين فى الوقت نفسه، فعندما أتكلم تبدو لى كلماتى لحظة النطق بها دوالا شفافة تتساوق مع افكارى، والوعى لحظة الكلام يبدو حاضرا لذات، وتقدم المفاهيم نفسها مباشرة باعتبارها مدلولات تعبر عن كلمات للاخرين، ويبدولى حينئذ ان الصوت هو التبدى المباشر للفكر، فيكون بذلك نقطة الالتقاء بين المادى والعقلى، بين الجسم والروح، بين التجريبى والمتعالى بين الداخل والخارج .. إلخ .. وهذا ما يدعوه دريدا بنظام سماع المرء لنفسه وهو يتحددث، وفهم نفسه: كلماتى تعطينى أفكارى مباشرة، وقد اعتبر هذا الشكل من حضور الذات، من دائرة فهم الذات، هو نموذج الاتصال بشكل عام وسوف نرى بعد قليل أن هذا هو نفسه الشرط المؤسس لفعالية العرض المسرحى؛ أعنى أن إستعارة العرض المسرحى تتطلب سياقا خاصا يمثل فيه المتفرج أمام الممثل، وبدون هذا السياق يتعذر على المتفرج القبض على المعنى..

ولعله يبدو واضحاً هنا، أن تلك النظرية إنما تنبنى على أن (السياق التاريخى) هو موطن بلاغة النص – ذلك أن (المعنى- اللانهائى): الجاهز، الماقبلى ... إلخ، بحاجة إلى (متكلم أو صائغ+ مستمع)، ينتميان إلى سياق تاريخى محدد..

لكن هذا يثير سؤالاً هاماً ، هو (ما علاقة المعنى الانهائى بما هو تاريخى؟).. المعنى الانهائى مكتمل فى ذاته؛ إنه (معنى فى ذاته)  متجوهر ومثالى، ثابت ومطلق ... من هنا تعاليه على التاريخ أى على (المقام والمقال) معا، لذا انصب عمل البلاغيين على كيفية صياغته وتأثيره – دون أن يشيروا إلى معنى ما يمكن للصياغة اللغوية المتصفة بــ(حسن السبك والتركيب) أن تضيفه إلى المعنى اللانهائى..

يبدو أن البلاغة لدى اللاغيين – تتمحور حول كيفية إدخال المعنى اللانهائى فى مجال التأثير (فى قلب السامع)، ومن ثم قولهم بأنها (فن الإقناع) .. ويبدو أيضاً أن هذا ينصب لديهم على ذلك الحضور الخاص الذى يمكن للمعنى أن يحظى به؛ بحيث يحظى بمألوفية أكثر من خلال الصياغة الجديدة – ويمكن القول أنه المنطق الخاص الذى يربط ذلك المعنى بالتاريخ..

المعنى اللانهائى يتميز بالثبات، أما التاريخ فمتغير، ونحن نعرف أن الصياغة (أو الشكل عامة) مآلها إلى الزوال، لأنها تاريخية .. هذا وليس المعنى اللانهائى إلا (التمثل المجرد) أما الصياغة فهى (التمثيل المحدد)- هذا ويخضع الأمر لبنية (ميتافيزيقية) عامة وشاملة)، حتى أنه يكرر ما قال به أفلاطون عن علاقة (النفس بالجسد)، فالنفس البشرية لديه قادرة على إدراك الوحدة خلف الكثرة، وعلى إدراك الأجناس خلف الآحاد، وليس إدراك الأجناس إلى عملية تذكر رؤية الموجود الحق خلال فترة الحياة فى سماء المثل، هذا والنفس – لديه – "تمتلك شبها أكبر وقرابة أكبر بالماهيات غير المتغيرة للأشياء" ، كما أنه يؤكد على أن النفس تتحكم فى الجسد، مادامت مندمجة معه، ولابد لمن يحكم أن يكون من طبيعة إلهية، أما الجسد الذى يكتفى بخدمة سيده، فهو بالضرورة من طبيعة فانية فاسدة، وينتهى أفلاطون إلى أن النفس ليست عنصر الانسجام داخل البدن، بل تنتمى إلى طبيعة مختلفة بالكامل عن الجسد، وتستطيع التجسد فى أجساد مختلفة... هكذا فصياغة المعنى اللانهائى، وبحكم ارتباطها بالسياق التاريخى، إن هو إلا فعل إلحاق (المتكلم والمستمع) بماهية كلية؛ هى المعنى اللانهائى نفسه، اى أنها محاولة لتأسيس التاريخ – المتغير – على معنى كلى، يجب إعادة توزيعه بعد ذلك فى عملية التلقى .. وإن أمكن أن نخلص مما سبق إلى (فهم) المعنى بقدر ما يأتى بغرض (تأثير) المعنى – بالدرجة الأولى – فقد يساعدنا ذلك على فهم : (لماذا توجب على المتلقى الخارجى أن يتمثل المقام ويندرج فى إطاره؟)..

وبلغة بلاغية خالصة، يمكن القول ان (الاستعارة) – لدى البلاغيين – تتضمن معنى سابق عليها فى الوجود، أى أنها تأتى لاحقة على المعنى، بل وترد كنسق متكامل؛ إذ تضع نفسها فى علاقة مع الواقع – الذى تمثل هى انحرافاً عنه – وفق نظام محدد، ينبنى على إيجاد علاقة مشابهة بين طرفيها المتضادين، لا تنكشف كمعنى إلا بالمقارنة بالواقع ..

أى أن الاستعارة تتكون بدافع من المعنى الماقبلى، فهو الذى يجعلها تنتقى طرفيها، وهو الذى يفرض عليها – أيضاً – إقامة علاقة محددة بينهما..

وبذا تصير الاستعارة وسيلة إيضاح (تعليمية)، ويمكن القول أنها إحدى طرق التدليل على معنى سابق عليها فى الوجود، بل ومنفصل عنها بالضرورة..

لذا فحينما تدعونا المناهج النقدية القديمة للعودة إلى (حياة الكاتب) وإلى (البيئة) التى أنتجته؛ بماهما المرجعية الوحية لإدراك ما ينطوى عليه النص، فإنما تدعونا – فى الأساس – إلى إستعادة السياق التاريخى، لنتمكن من تحويله إلى (مقام) ونصير جزءا منه..

ذلك التصور هو ما انبنى عليه النقد العربى القديم، والنقد الغربى القديم أيضاً، وقد أعاد النقد الأدبى الحديث إنتاجه، بعد ذلك، فى صور شتى، ظلت تتمحور حول : (ماذا يقول المؤلف، وكيف قاله؟)؛ وقد تمثل ذلك فى (النقد السوسيولوجى والتاريخى والسيكولوجى ... ) بعد تحول (المعنى اللانهائى) إلى منظورات فلسفية وأيديولوجية ووجهات نظر خاصة، أى أن النقد الحديث أولى عناية فائقة بالبحث عن المعنى، عوضا عن (تأثير المعنى)  كما كان من قبل، وبذا عثر المبدأ القائل بــ(عدم إمكانية فهم النص خارج السياق المنتج له، على مبرر جديد..

(2)

ما سبق يعنى أن (المعنى) – الذى ينطوى عليه النص – كامن فى (لحظة الكتابة)؛ فى (لحظة الخلق – الأدبى) – ولعلنى هنا لست بحاجة إلى التأكيد على أن (أسطورة الخلق)، بتداعياتها المختلفة؛ المرتبطة بالمكتوب أو المقدر من قبل .. إلخ، هى الأسطورة الغائبة وراء هذا التصور..

أما (لحظة التلقى- اللاحقة على لحظة الكتابة)، فليست سوى محاولة لتذكر اللحظة الأولى، وبذا تصير للنقد وظيفة (استعادية) اما الناقد فهو حامل ذاكرة النص! فعلى مرجعية السياق التاريخى، يشف النص ويصير بإمكان (الذات النافذة) التماهى معه ومعرفة كنهه ومغزاه ومراميه (وغنى عن البيان أن هذا المنظور – نفسه – يتكرر فى علاقة الذات بالواقع عامة، إذ يرى إمكانية سبر غوره – وهو منحى هيجلى)..

وبعد العرض المسرحى – المنبنى على هذه النظرية – محاولة للامساك بمعنى النص فى لحظة كتابته (اى أنه استعادة للحظة التاريخية التى تم فيها غنتاج المقال وفقا للمقام) هكذا ، فمن ناحية : لأن الإمساك بمعنى النص صار ممكناً، أمكن للتقسيم الثلاثى للمخرجين – المتبنى على موقف المخرج من ذلك المعنى – أن يوجد أيضا ..

ومن ناحية اخرى فكرة (السياق – المحدد للمعنى)، التى ينطوى عليها المبدأ القائل بأن (لكل مقام مقال) تحولت من احتماء المعنى كــ(حقيقة مطلقة) بداخل القلعة الحصينة المسماة لحظة الكتابة وإقامته الدائمة فيها – بما هى (المقام) نفسه كما تنص على ذلك البلاغة القديمة – إلى وضعية ملازمة للعرض المسرحى، اى أن (الحضورية أو المثولية) حضور (الذات المشاهدة) أمام (العرض) صارت هى الشرط المؤسس للعرض المسرحى فالمسرح وفقا لهذا المفهوم صار (فن اللحظة الزائلة) – هكذا بحكم شفاهيته وإذا كان هذا المفهوم ينبنى على الرغم بأن (معنى – النص) يستحيل الإمساك به خارج السياق التاريخى الذى انتجه، فلحظة العرض هنا لا تتجاوز كونها لحظة (تذكر اللحظة الأولى)؛ التى ولد فيها لامعنى، أما سياق العرض ذاته – أى صياغة (العرض) على مقتضى الحال أو على قدر المقام – فيعنى تحددي الإطار الزمكانى لميلاد ذلك المعنى.

مما يثار معه السؤال عن كيفية إستيعاب المتفرج للعرض؟ وبتعبير آخر كيف يتطابق مرجع العرض مع مرجع المتفرج ليتسنى لهذا الأخير تمثل المعنى – وهو ما يعرف بـ (الإيهام المسرحى؟...

ولإيضاح الأمر أكثر، أقول إن الزعم بإنطواء النص على معنى أصلى، تم إنتاجه فى سياق تاريخى محدد هو (لحظة الكتابة) – مع التشديد على إستحالة إدراك ذلك المعنى خارج سياقه، يحتم على المخرج استعادة ذلك السياق، ليتمكن المتفرج من إدراك المعنى، مما يعنى أن المخرج سيتخذ من (زمن الكتابة النصية) مرجعاً للعرض، أى أن مرجعية العرض ستكون هى نفسها مرجعية النص..

والملاحظ عامة هو أن (العرض المسرحى – ما قبل الحديث) عادة ما كان يختزل مرجعه هو نفسه، ومرجع الكتابة ومرجع الحدث، فى مرجع واحد وحيد، كونى هو اللغة – وكما أشرت فى دراسة سابقة فقد كان أرسطو معنيا فقط بـ (الدراما المكتوبة) أى بالنص اللغوى هذا لأنه لم يكن منشغلاً ب (الموجود نفسه)، وإنما بـ (الوجود) : أى بالماهية المجردة – هذا و(الماهية – بما هى موضوع الميتافيزيقا وغايتها)؛ مجرد لغة ، ولا وجود لها خارج الاستعارة اللغوية..

وكما نعرف فقد ظل المنظرون (شراح البويطيقا – لأرسطو)، يدورون فى فلك تلك (الماهية – اللغة) قرونا طويلة أهملوا معها العرض المسرحى ذاته، إذ لم يلتفت إليه (كإشكالية) سوى ببطء شديد وعلى مضض بدءا من عصر النهضة مقدمة العصر الحديث حين شرع (سيريليو، وغيره) فى تغيير المناظر المسرحية..

وما يعنيه هذا هو أن الجمهور القديم لم يكن (متفرجا أو مشاهدا) بقدر ما كان (مستمعا) فعبر إطلاق العنان للمخلية، فى المدى المتسع بلا نهاية للإستعارة اللغوية كان يتطابق مع الماهية..

بقلم/ محمد حامد السلامونى

المصدر/ جريدة مسرحنا

العدد/188 – بتاريخ 21 فبراير 2011

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,248,709